بقلم الأب يسطس الأورشليمى
كانت الزيارة الأولى للبابا أثناسيوس فى عام 336م وذلك عند تدشين كنيسة القيامة بعد مجمع صور الذى أثبت براءة البابا أثناسيوس إذ أمر الإمبراطور قسطنطين جميع الأساقفة للذهاب إلى أورشليم لتدشين كنيسة القيامة أما الزيارة الثانية فقد قام بها في سنة 346م وهو في طريق عودته من النفي الثانى إلى كنيسته الاسكندرية ماراً بسوريا والاراضى المقدسة إلى مصر، حيث قال القديس أثناسيوس عنها: " وأخيراً وتحت هذه الظروف وبعد أن أخذنا الإذن بالمغادرة بدأت الرحلة أما الأصدقاء الذين قابلونا ففرحوا إذ وجدوا صديقا، أما الحزب الأخر فبعضهم أنتابه الارتياب عند رؤيته - اثناسيوس يتكلم عن نفسه - وآخرون لم توافيهم الشجاعة للظهور فاختبأوا وآخرون ندموا وأعتذروا عما كتبوه ضده.
هكذا كل أساقفة الاراضى المقدسة أستقبلوا البابا اثناسيوس بسرور ماعدا - ثنين أو ثلاثة من ذوي الأخلاق المشكوك فيها أقاموا معه معتذرين - كتابة على أساس أن ما سبق وكتبوه ضده، وأنما قاموا به ليس بدافع من إرادتهم وأنما بالإرغام، وفي موضع أخر يصف اثناسيوس مقدار حماس أساقفة الاراضى المقدسة، ويذكر أنهم عقدوا مجمع في أورشليم برئاسة مكسيموس أسقفها لإستقباله بمنتهى الحرارة وشيعوه بعد أن كتبوا رسالة رقيقة إلى أساقفة مصر، من نصها: " لا نستطع إلا أن نقدم الشكر اللائق إلى اللـه من أجل الأمور العجيبة التي يعملها دائما وبالأخص من جهة كنيستكم بإرجاع راعيكم وسيدكم، زميلنا في الخدمة البطريرك اثناسيوس، لأنه من كان سيصدق أن عينه ستريان ما قد صار لكم الأن، حقا أن اللـه الذي يعتني هكذا بكنيسته، قد سمع صلواتكم ونظر إلى دموعكم وأنينكم واستجاب إلى توسلاتكم "، ويقول القديس أثناسيوس عن الأماكن المقدسة: " ما من سهل أو جبل في الاراضى المقدسة إلا ويحمل ذكرى، أما كلم اللـه فيها أحد الأنبياء أو وطأته قدم السيد المسيح بنفسه ".
فتشهد كنيسة الناصرة في منطقة الجليل ببشارة جبرائيل رئيس الملائكة للقديسة العذراء مريم بالحبل المقدس بالطفل يسوع، وتشهد كنيسة بيت زكريا (كنيسة الزيارة بصحراء اليهودية) بقدوم القديسة مريم إلى نسيبتها أليصابات، وكذلك تشهد كنيسة بيت لحم بمولد الطفل يسوع فيها في مغارة (مزود البقر), وتشهد كنيسة نهر الأردن بمعمودية السيد المسيح في ذلك النهر، وتشهد كنيسة قانا الجليل بحضور السيد المسيح في تلك الضاحية, وتشهد كنيسة مجدل قرب بحيرة طبرية حيث أخرج الرب يسوع سبعة شياطين من مريم المجدلية، وتشهد كنيسة إشباع الجموع حين صارت مباركة الرب هناك على الخمس خبزات
والسمكتين حيث أشبع منها الجمع الغفير, وتشهد كنيسة كفر ناحوم قرب بحيرة طبرية بأن الرب يسوع أبرأ الرجل ذو اليد اليابسة وأخر مفلوج، وأنه أقام ابنة يايرس من الموت، وتشهد كنيسة بأنياس من الحولة بشفاء نازفة الدم, وتشهد كنيسة الكرسي في بحيرة طبرية بأن السيد المسيح أبرأ المجنون الذي كان فيه شياطين كثيرة (لاجئون) وبأنه أطعم هناك من سبعة خبزات وشئ من سمك أربعة ألاف نفس, وتشهد كنيسة نايين من الفلجة بإقامة ابنة أرملة نايين، وتشهد كنيسة جبل طابور بتجلي الرب على أعلى قمه مع موسى وإيليا، وتشهد كنيسة صور شفاء ابن الكنعانية, وتشهد الكنيسة التي يقال لها موضع الغنم بشفاء المفلوج منذ 38 عاماً, وتشهد تلك الكنيسة بأن مولد القديسة مريم أم المسيح كان فيها, وتشهد كنيسة عين سلوان بإنفتاح عين المولود أعمى, وقيل أن عند عين سلوان نُشر عندها أشعياء النبي وغشي عليه وهو ينشر فصلى فأخرج اللـه له تلك العين فشرب منها وأرتوت نفسه، ولذلك سميت سلوان ( أي المرسل ),
وتشهد كنيسة أريحا بشفاء الأعميين, وتشهد كنيسة طبرية والقنطرة المبنية على شاطئ بحرها بأن السيد المسيح مشى على ماء ذلك البحر, وتشهد أن المسيح هدأ الريح هناك وأسكن الأمواج وتشهد كنيسة بيت عنيا القريبة من إليا (أورشليم) بأقامة لعازر وبأن أخته صنعت له هناك عشاء قبل موته، وتشهد أيضا بأن هناك دهنت مريم أخت لعازر في بيت سمعان، وتشهد كنيسة كنيسة طور الزيتون بأن الميسح كان يعلم تلاميذه هناك، وتشهد أيضاً بأنه من هناك بعث المسيح اثنان من تلاميذه ليحضروا له أتان يدخل بها أورشليم, وتشهد كنيسة جبل صهيون بأن المسيح أكل فصح الناموس في غرفتها يوم فصح اليهود (وهي كنيسة بيت مارمرقس) وشهدت أيضا بأن هناك دخل المسيح إلى تلاميذه والأبواب مغلقة بعد قيامته وقال: " لهم سلام "، وظهر أيضا مرة أخرى في ذلك الموضع
لتوما موبخاً إياه على عدم إيمانه، وشهدت أيضا حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين، وتشهد كنيسة القيامة في إليا (أورشليم) وفي هذه الموضع أتم السيد المسيح كل ما كان باقياً من الرسوم والنبوات السابقه في الكتب على الصليب أيضا وفي الموضع الوسط بين أهل الدنيا لأن كنيسة القيامة والجلجلة في وسط الدنيا وسرتها - وذلك كما كان يعتقد أهل ذلك الزمان في عهد أثناسيوس -، وتشهد كنيسة طور الزيتون بصعود السيد المسيح أمام عيون تلاميذه، وتشهد كنيسة الجثمانية في الوادي الذي بين طور الزيتون والهيكل حيث قبر القديسة مريم، ويعتبر هذا كل ما شهد به القديس أثناسيوس عن زيارته لأورشليم يوم
زارها عام 346م، وهذا دليل واضح على وجود تلك الكنائس منذ ذلك العهد، مما يؤكد على أن ذلك العصر كان العصر الذهبي لكنيسة في الأراضي المقدسة حيث أصبح يؤمها جموع البشر من كل أقطار المسكونة بعد فترة حرمان طويلة بسبب الإضطهادات التي عانتها المسيحية في عصورها الأولى





