القمص يوحنا نصيف
    وصلتني رسالة طويلة من إحدى السيّدات، تشكو فيها من ضعفها الروحي أمام الخطيّة، وتلوم الله الذي يسمح بسقوطها ولا يساندها، وتطلب الإرشاد.. وكان رَدّي عليها كالتالي:

سلام ونعمة يا........

    أولاً: ينبغي أن نرجع بالملامة على أنفسنا، وليس على الله، فلا نقول: لماذا لا يريد أن يقوّيني؟ لماذا لا يعطيني نعمة؟ لماذا يتركني أغرق؟ ففي الحقيقة أنّ السبب في السقوط هو نحن وليس الله.. هو دائما يسندنا ويستر علينا ويسامحنا ويزوِّدنا بنعمته، ولا يهملنا أبدا.. بل هو أمين جِدًّا ومستعدّ دائمًا للعمل معنا بقوّة، ولكن عدم الأمانة يأتي دائما للأسف من جانبنا؛ فربّما نحن نتهاون في استئصال جذور محبّة الخطيّة من قلوبنا، بينما نرغب في أن نعيش أطهارًا! وهذا من الصعب أن يتحقّق قبل أن ننزع تمامًا كلّ محبّة وميل للخطيّة من داخل النفس، بتوبة صادقة من كلّ القلب.

    ثانيًا: انظري من أين تأتي إليك الخطيّة؟ واغلقي تلك المنافذ تماما ١٠٠% وليس ٩٩%. وكلّ واحد فينا يعرف كيف تهاجمه الخطيّة، سواء عن طريق الحواس أو الفكر أو بعض العلاقات والمعاشرات الردئية.. المهمّ أن نغلق جميع المنافذ بشكل كامل، لكي لا نُعطي إبليس مكانًا يدخل منه ويفترسنا.

    ثالثًا: التوبة الحقيقية معناها المواظبة على الصلاة.. والصلاة الدائمة تعطينا حصانة دائمة؛ كما يقول القدّيس يوحنا الدرَجي.

    رابعًا: روح الاتضاع تحفظ الإنسان من السقوط.. فكلّما اتضعتِ كلّما صِرتِ في أمان.. والاتضاع ببساطة هو أن يصير الله وتمجيده هو مركز اهتمامك بالكامل، وليس جمالك ولا مواهبك ولا شطارتك... وكلّما أنكرتِ نفسك كلّما زادت نعمة الله في حياتك، وبالتالي فإنّه سيُقَدِّسك له، ويتمجّد في حياتك.

    خامسًا: الاعتراف يكون صعبًا عندما تغيب التوبة الحقيقية، ولن يكون له فائدة ملموسة بدون توبة من كلّ القلب.. لذلك يمكنك أن تأخذي تدريبًا لتقوية توبتك، وبعدها يصير الاعتراف سهلاً.. فمثلاً يمكنك أن تُصَلِّي بفهم عددًا معيّنًا من المزامير (من عَشَرة إلى سبعين مزمورا من سفر المزامير)، مع ميطانيات.. بواقع ميطانية بعد كلّ مزمور.. تسجدين إلى الأرض وتقولين في كلّ مرّة: ياربي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئة. سوف تجدين أنّ التوبة قد بدأت تتحرّك في داخلك، وبالتالي يكون من السهل عليك الذهاب لأب اعترافك.

    سادسًا: الكسل هو عدوّ القدّيسين، فلا تعطيه مكانًا أبدًا، بل واظبي على الصلاة ودراسة الإنجيل وحضور القدّاسات باستمرار، لكي تكوني مُحَصَّنة.. أمّا التهاون في ذلك فإنّه يجعلنا مَطمَعًا للشيطان. وتذكّري دائمًا أنّ ثباتنا في المسيح هو مفتاح قوّتنا وانتصارنا، بينما الكسل عن التغذية الروحيّة يُضعِف من ثباتنا في المسيح، وبالتالي نصير ألعوبة في يد العدو الشرّير!

    سابعًا: السقوط بالأفعال لا يأتي هكذا فجأة، بل يسبقه تهاون من ناحية الفكر أو النظر أو حفظ الحواس.. فمن فضلك اطردي الخطيّة منذ بدايتها، ودَقِّقي في الأمور الصغيرة حتّى لا تَقَعِي في ما هو أكبر؛ كما يقول الآباء المُختَبِرون: "البطن الذي تمنع عنه الخُبز لا يطلُب لحمًا، والفم الذي تمنع عنه الماء لا يطلُب خمرًا".. وأيضًا حافظي على مسافة أمان بينك وبين جميع الناس، وإذا اقترب أحدٌ منك بشكل غير مريح، سواء بالجسد أو بالكلام، ابتعدي بسرعة وضاعِفِي مسافة الأمان التي بينك وبينه. أرجوكِ، كوني حاسِمة في مثل هذه الأمور.

    ثامنًا: اطلبي باستمرار شفاعة أمّ النور الحنونة، فهي مُعينة قويّة في حياة الطهارة، وهي قدّمَتْ شعبًا كثيرًا لله مِن قِبَل طهارتها، كما نقول في التسبحة (ثيؤطوكيّة الأحد). لذلك ضَعِي أيقونتها أمامك، واطلبي معونتها.. فهي أم قادرة رحيمة مُعينة..

    تاسِعًا: تذكَّري دائمًا أنّه كما أنّ الله هو مَلِك القدّيسين (رؤ15: 3)، وأنّنا لا يمكن أن نرث ملكوته إلاّ كقدّيسين، فهو أيضًا يحبّنا جدًّا ويسعى لخلاص نفوسنا، ويضع كلّ إمكانيّاته الجبّارة في متناول إيدينا، لكي نكون قدّيسين؛ ويَتعامَل معنا بلُطف وحنان فائق، فاتِحًا أحضانه باستمرار لقبول توبتنا وغسلنا من خطايانا. لذلك، لا ينبغي أن نستهين أبدًا بهذه المحبّة، أو نوجِّه اللوم له، بينما نحن متكاسلون ومُهمِلون في تأدية أبسط واجباتنا الروحيّة، وبالتالي نخسر فُرَصًا عديدة للتوبة، قد تُكلّفنا -لا سَمَحَ الله- ضياع حياتنا الأبديّة!

    عاشِرًا: الصليب له جاذبيّة عجيبة، والنظر المستمرّ إلى المسيح المصلوب فيه شفاء للنفس من سموم الخطيّة ومحبّتها المؤذية؛ لذلك ضعي رجاءك في يسوع المصلوب، واطلبي منه قوّة لصلب الأهواء والشهوات!

    المسيح يَرفَع عنكِ كلّ ضعفٍ، ويسندك بنعمته،،
القمص يوحنا نصيف