بقلم الأب يسطس الأورشليمى
وصلت لنا سيرة هذه القديسة المباركة عن طريق الأب الراهب زوسيما الذي من دير القديس جراسموس الذي في أريحا بالاراضى المقدسة الذي قضى 53 عاماً في البرية، وقد آتاه فكر أنه هو الوحيد الذي له هذه القمة الروحية العالية, فخرج في خلوة روحية فترة الصوم المقدسة ومعه هذه الأفكار إلى البرية، وفي أخر أيام الصيام الأربعينى أبصر شيئاً فظنه في بادئ الأمر شيطاناً ورشمه بعلامة الصليب ولكنه تحقق بعد ذلك أنه إنسان.

فأسرع الأب زوسيما إلى هذا الشبح رغم شيخوخته لكنه كان يجري منه ويصرخ إليه أن يقف فتوقف هذا الشبح وتوارى وراء صخرة، وقالت يأبي زوسيما إني امرأة وإن أردت أن تقدم خدمة لخاطئة مثلي أترك ردائك لأستتر به.  

فتعجب الأب زوسيما جداً لأنها نادته باسمه, وأزداد عجباً لما أعلمته أنه كاهن وسألها باسم المسيح أن تعرفه شخصيتها، ولماذا أتت إلى هذا المكان؟ ولماذا تعيش هنا؟ وكم لها من السنين؟
فقالت له أنا مصريه من الإسكندرية ...، ولما وصلت إلى مرحلة الشباب تلوث فكري بالخطية ولكني لم أرتكبها خوفاً من أسرتي، ولكن لما أنتقلا خلا لي الجو من أي إنسان يعرقل إنطلاق شهواتي، فأنحدرت إلى وحل الخطية دون قيد وأستمريت على هذا الحال مدة 17 عاماً، وأخذت شهرة من المدينة في هذا المجال دون شبع من تلك الخطية .....، وفي أحد الأيام رأيت جمعاً متجهاً إلى أحد السفن الذاهبة إلى أورشليم لحضور عيد الصليب، وفي هذا الوقت أردت أن أذهب إلى هناك ليس للعبادة، ولكن لأشباع شهواتي والتجارة بأهواء الناس لكني نظرت إلى ما معي من نقود فوجدت أنها لا تكفي لرحلة السفر ثم أتجهت للسفينة غير مبالية بالنقود فمعي جسدي الذي أستطع أن أكسب من وراءه الكثير، وحدث ما حدث في الطريق وأخيراً وصلت إلى أورشليم وفي يوم عيد الصليب أتجهت الجموع إلى كنيسة القيامة وكان الزحام شديد، وأتجهت معهم إلى هذه الكنيسة، ولما جاء دوري وسط الجموع المحتشدة لدخول الكنيسة, وجدت قدماي كأنها تسمرتا ولا أستطع أن أحركها للدخول, وحاولت كثيراً أن أدخل ولكن لا أقدر كمن يدفعني خارج هذا المكان المقدس...، وعرفت أن الذي يدفعني خارج هذا المكان ليس إنسان ولكن أعمالي التي لا تتفق مع قدسية هذا المكان .....، ومر هذا الوقت وأمامي ذكريات الخطية والأثم, وأحسست ببشاعة الخطية ومرارة ثمرها ونظرت إلى صورة السيدة العذراء متشفعة بها أن تنقذني من وحل أثامي ثم أنعزلت عن جموع المصلين، وأخذت ابكي بكاء مراً، وبعد ذلك قمت ودخلت الكنيسة بدون أي عناء وسجدت أمام القبر المقدس وأخذت أبكي وأطلب إرشاد من اللـه كيف أسير في حياتي الجديدة، فسمعت صوتاً يقول لي أعبر الأردن فهناك تجدين مكاناً لخلاصك، وقبيل ذهابي إلى شاطيء الأردن وجدت كنيسة يوحنا المعمدان فأعترفت هناك وتناولت من الأسرار المقدسة وأعطاني رجلاً ثلاث خبزات, وعبرت الأردن ولما رست السفينة نزلت منها وأبصرت الصحراء الشاسعة وأخذت أسير في الصحراء، لم أعرف كم من الوقت مشيت ولي الأن 45 عاماً لم يتركني اللـه ولم يتخلى عني.

قال لها الأب زوسيما كيف أمضيت هذا الزمان الكبير ما هي طبيعة أفكارك وحروبك مع قوات الظلمة، من ناحية طعامي كنت أقتات من حشيش البرية، أما أفكاري فقاتلتني 17 عاماً وأنا في حرب مع الشياطين يذكرونني بسيرتي الأولى وما أرتكبت من شرور وفجور تارة بشياطين الشهوة وتارة بشياطين الكآبة واليأس من مراحم اللـه, وفي كل ذلك كانت معونة اللـه تشملني ثم تأقلمت بعد ذلك بهذا الوضع, أما ملابسي فتهرأت ولم أعد أستر جسدي بشئ سوى برداءك الذي أعطيته لي, محتملة حر الصيف وبرد الشتاء ولكن اللـه كان لي ستراً وغطاء، ومنذ دخلت هذه البرية لم أر وجه إنسان سواك يا أبي لقداستك يا أبي.
لما سمع الأب زوسيما مجد اللـه كثيراً على رحمته بالإنسان وأحس بأنه يوجد من هو أكثر وأكبر منه في القامة الروحية وفي النسك والعبادة.
وطلبت منه القديسة أن يحضر في مثل هذا الوقت ومعه الأسرار المقدسة لكي تتناول، وقد حضر الأب زوسيما بعد عام وناولها من الأسرار المقدسة كما طلبت، ثم طلبت منه الحضور مرة أخرى وأوصته ألا يخبر أحد  بقصتها إلا بعد نياحتها. 

نياحتها :
ولما حضر الأب زوسيما في العام التالي وجدها نائمة في الأرض وكتبت على الأرض تقول: " أذكرني ياأبي في صلاتك" ووجد أسد واقف بجوارها، وعند رأسها مكتوب (أدفن مريم المسكينة في التراب الذي أخذت منه)، فتعجب من الكتابة ومن الأسد، وفيما هو يفكر كيف يحفر الأرض لموارتها التراب تقدم الأسد وحفر الأرض بمخالبه فصلى الأب عليها ودفنها، وكانت جملة حياتها 76 عاماً، وتنيحت وقد خلد المسيحيون ذكرى القديسة المصرية ببناء كنيسة على اسمها ملحقة بكنيسة القيامة في المكان الذي جاءت إليه باكية مستغفرة، وفي السادس من شهر برمودة عام 421م. بركة صلاتها فلتكن معنا آمين( ) .