برسوم فرج
تنويه : هذا المقال أعبر فيه عن الواقع بأسلوب أدبي ، وأنقل وجهاً سلبياً وسيئاً ، الأسماء غير حقيقة ، و أنا أمثل فيها بنفسي دور الواقع القبيح ، إذا كنت من الذين ينزعجون من الصراحة الفجة من وقائع التحرش الجنسي و النظرة الدونية للأنثي في المجتمع ، لا تقرأ هذا المقال
صراخ حاد بلا إنقطاع ، قوي كالرعد في ليالي الشتاء القارسة ، صراخ ممتزج بأصوات عدة ، تعبر طرقات الشوارع ، تمر علي كل مسكنٍ في الحي ، تصل الي أذناي ، تخترقها ، تنهضني من نومي العميق ، بعد أن أكملت ساعة الحائط أمامي دورتها الثانية بعد منتصف الليل ، ظننت إنه اليوم الأخير في الحياة ، وأن المباني ستنهدم من زلازل ضخم ، أرعب الجيران ، وأطلق صراخهم ، نهضت مفزوعاً ، خائفاً ، ولكني اكشتفت أن حيطان غرفتي بسلام ، والستائر ثابتة لا ترتعش ، وزجاج الباب لم يترجرج ، إذن إنه ليس زلزال ، جريت الي الشرفه لأنظر ماذا يحدث ، لم أفهم شيئاً من شدةٍ توتري ، الشارع في الجهة المقابلة خاوٍ تماماً ، شُـرف منازل الحي تفتحت ، تدلت الرؤوس فوق أسوار البلكونات ، ألف عين وعين تنظر نحو هذا المنزل المنكوب ، عم جمال – الذي يسكن في الشقة السفلى – أكاد أسمعة وهو يهمس الي زوجته " هيا بنا الي الداخل ، أمر لا يبنغي لنا أن نراه ، عيب يا أم سارة " ثم دخلوا إلي داخل شقتهم ، وتكرر الأمر في عدة طوابق أخري في الجهة المقابلة ، بعدها رميت بعيني إلي اليسار قليلا ً فوجدت أمي ، واختي الصغيرة - أحتفلنا بها أمس بسبع شمعات في عيد ميلادها - مارينا ، هذا أسمها ، كانتا ، هي وأمي ، قد سبقاتاني في التطلع من نافذة أخري في المنزل ، سألت منزعجاً :
- في أيه يا ماما ، أيه اللي حصل ، جاي منين الصريخ ده
- من عند بيت العروسة الجديدة ( بصوت طفولي مندفع ردت مارينا ، وأمي صامته
- جوزها جاراله حاجه يا ماما
- طلقها يا أبني ، المفتري طلع متجوز عليها من غير ما يقولها ولما بتقوله ليه ، ضربها ، وأهانها ، وطلقها
- وكان متجوز عليها ليه يا ماما ؟ ، واتجوزها ليه بقي اصلا ً ؟
هنا يسكت "شخير" أبي النائم ، ويلفظ بالفاظ غير مفهومة : بسهمتمتم بسسسس خبخبخب خخخ.... ، صحتوني من النوم ، في أيـــــه ، وأحنا مالنا ومال الجيران ، أقفولوا الشباك ده ، أتخمدوا بدل ما أقوم أكسره ، تم تم تم تم تم تم ، ( بعض التمتمات بمستوي تدريجي الي الي أن تنقطع الكلمات ويعاود الشخير )
عدت إلي سريري بعد أن نصحتني أمي بالنوم ، فغداً أول يوم في إمتحانات الاعدادية .......نعم فقد كان ذلك منذ أربعة عشر عاماً .
قبل أربعة عشر عاماً ، كان بداية النضوج والمراهقة ، حصة درس العلوم الشهيرة ، الذكر والأنثي ، الجنس والتزاوج ، التناسل والجسد ، الضحك في التختة من بعض الأشقياء الفتيان ، والرسم القبيح من أفشلهم وأسفلهم علي الحيطان ، كان زماناً غبيا ً ، المسئول عنه الكبار ، لأنهم فشلوا في أن يعرفونا بأنفسنا بشكلٍ صحيح ، هم المسئولون وحدهم وليس ماضينا الغريب ، بداية الفصل بين الطرفين ، والهمز واللمز من كل طرف لصديقة عن الجنس الأخر ، أول تحرش سمعنا عنه كان من المدرس فلان إلي الابله فلانه و قد كان قبيحاً ، لو كان هناك علم السفالة ، لكان هو موجه أول الوزارة فيه ، كان هكذا في حصصه الينا ، وفي الوقت نفسه يفتخر بإيمانه الشديد بالله ، أمر مدهش وعجيب ! ، ولأن الأمر كان خفياً فتأصل فينا الواقع وأصبح أمراً طبيعياً ، فهذه هي الحياة بين الذكور والاناث ، حينما نكبر ، سنكون مثلهم ! ، التدين والقباحة متلازمان ، العلم والجهل في غرفة واحدة ، وأعتقد أن الأمر ليس بعيداً ، ففصل 3/4 الصغير هو الأن فصل كبير أسمه " المحروسه " من كانوا معزولين في الدكك صغارا ً ، معزولون اليوم ومرضي ومكبوتون، ومن كانوا يتم التحرش بهم في المدرسة ، يتم التحرش بهم في النقل العام و الشوارع والحواري بل تطور الأمر الي الميادين وأمام الناس ، إنه حقا ًشعور يدعو الي التقيئ ! ولكنه عند الكثيرين طبيعيا ً، كما كان طبيعياً منذ عقد ٍ ونصف عقد من الزمان .
المضحك ، المبكي ، المخجل ، المخزي ، أن نتعلم نحن الذكور أن الإناث مصدر الشر وهن اللائي يثيروننا ، يبعدوهم عنا ، حتي لا نفترسهم ، يا للقزارة والخسة !
يتباهون بإنتهاء عصور وأد البنات ، ودفنها في الرمال ، لكي يدفنوهم اليوم أحياءً بيننا في مجتمع ذكوري بشع ومتوحش ، أعلن أنني أتبرأ منه أمام الجميع ، المرأة تاج يا أغبياء ، لو كنتم حتي تركتونا دون أن نتعلم منكم ، كنا أحببناهم ، وأحبونا محبة البشر للبشر مثله ، و تقدير الانسان للانسان صنوه ، وعرفتنا الطبيعة أننا مختلفون ، ولكننا أبداً لسنا مفترسون ، ولا هم خُلقوا من أجل أن يُهانن ويحُتقرن ويتَعذبن ويَصمتن ويتَخفين ويَخافن ويخزن من أجسادهن ما ذنب المرأة أنها مختلفة ، فنحن أيضاً مختلفون عنهن ؟ ما هذه الحماقة التي تعلمناها في الصغر ، ما العيب في إنسانة حرمتومنها من أن تحب وتتنفس الحرية و تختلف في الرأي وتغضب و تحمي ، و تشعر بالحياة ،لماذا طـُلقت جارتنا القديمة ؟ ، وهي الضحية ، لماذا أهانها الذكر- الذي كان يستعبدها - في أول شهور أشتراها ؟ !
من فضلك أيها القارئ المتدين لا تحدثني بنصوص الأن فالأمر بعيداً عن ذلك بالتاكيد ، دعها اليك وعش أنت بها ، ودعني أيضا ً أفهمما كما أشاء ، دعني أعُمل عقلي في حل هذه الحسابات المعقدة الق ...