دكتور مهندس/ ماهر عزيز

المقال السابع ( 7 )

ثالثا : تاريخ أورشليم القدس  ( تابع )


42 - حكم هيرودس الكبير (37- 4 ق.م.) : 
في أثناء حكم هذا الملك العظيم، بلغت أورشليم من العظمة ما لم تبلغه في كل العصور. وفي 24 ق.م. بني الملك قصره المنيف في أعلي المدينة علي التل الجنوبي الغربي بالقرب من الموقع الحالي للثكنات التركية والحي الأرمني، وأعاد بناء القلعة إلي الشمال من الهيكل- باريس القديمة- ولكن بصورة أعظم، وأقام أربعة أبراج عالية في أركانها الأربعة، وأطلق عليها اسم "أنطونيا" تخليدا لاسم ولي نعمته أنطونيوس قيصر، وأقام المباريات الرياضية في ساحة جديدة وأنشأ مدرجًا (أو استادًا). ولابد أنه رمم الأسوار ودعمها، ولكن كل هذا لا يضارع الأبراج الأربعة التي أنشأها وأطلق عليها: هبيكوس وفارسئيل وماريامن بالقرب من باب يافا الحالي، ويُظَنُّ أن أساسات الاثنين الأولين تدخل ضمن ما يطلق عليه حاليًا "برج داود"، ثم البرج الرابع العالى المثمن الأضلاع المسمي "سفينوس" في الشمال الغربي.

43 - أبنية هيرودس العظيمة :
في 19 ق.م. بدأت خطط هيرودس لإعادة بناء الهيكل، ولكنها لم تكتمل حتى 64م (يو 2: 20؛ مت 24: 1-2؛ لو 21: 5-6) وقد قام ببناء "القدس" ألف كاهن من المدربين تدريبًا خاصًا، في مدة ثمانية عشر شهرا (11-10 ق.م.) وكان التخطيط رائعًا أسفر عن مجموعة من الأبنية الضخمة الجميلة، التي فاقت كل ما سبق إقامته من أبنية هناك.. والواقع أن كل بقايا أساسات الهيكل الموجودة الآن بالارتباط بالمسجد الأقصى، إنما تعود إلي تلك الفترة. وفي 4 ق.م. - وهي سنة ميلاد المسيح- حدثت اضطرابات ناتجة عن تدمير النسر الذهبي الذي كان هيرودس قد أقامه فوق بوابة الهيكل الكبيرة، وبعد ذلك بفترة قصيرة مات هيرودس، بعد أن كان قد حبس الكثيرين من قادة اليهود في ساحة الألعاب الرياضية، وأصدر الأمر بذبحهم عند موته. وقد تميز حكم أرخيلاوس بعده بالشغب في أيام عيد الفصح، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة آلاف شخص، نتيجة لما حاق بالنسر الذهبي.

44 - هيرودس أرخيلاوس (4 ق.م- 6 م.) : 
وإذ ظن أرخيلاوس أن النظام قد استتب، سافر إلى روما لتثبيته واليًا علي اليهودية، وفي غيابه تسبب سابينوس الوالي الروماني- بدافع من الشراهة وسوء الإدارة -في إثارة المدينة كلها. وقد حدثت في عيد الفصح التالي مذبحة وقتال شوارع، مع عمليات سلب ونهب علي أوسع نطاق لكن "فاروس" حاكم سوريا أسرع إلي مساعدة تابعه، فأخمد التمرد بعنف شديد، وصلب ألفي يهودي. وعاد أرخيلاوس بعد ذلك بفترة قصيرة واليًا علي اليهودية، وهي وظيفة ظل يشغلها إلي أن نفي في السنة السادسة بعد الميلاد. وفي أثناء ولاية كوبونيوس (6-10م) حدث شغب آخر في عيد الفصح نتيجة لتطرف بعض السامريين.

45 - بيلاطس البنطي : 
وفي أثناء ولاية بيلاطس البنطي (26- 37 م) حدثت اضطرابات عديدة انتهت بشغب نتيجة لاستيلائه علي بعض "القرابين"، أو التقدمات المقدسة في الهيكل، لبناء قناة للمياه، ولعلها- علي الأقل- جزء من "القناة السفلى". وقد أحاط هيرودس أغريباس الأول، الضواحي- التي كانت قد اتسعت إلي الشمال من السور الثاني ومن الهيكل -بما يسميه يوسيفوس "السور الثالث".

46 - الملك أغريباس : 
وقد أضاف الملك أغريباس (ابن هيرودس) في 56 م. تقريبًا، جزءًا كبيرًا للقصر الأسموني القديم، الذي منه يستطيع أن يشرف علي منطقة الهيكل، وقد ساء ذلك في نظر اليهود، فبنوا سورًا حول الحدود الغربية للفناء الداخلي ليمنعوا عنه الرؤية. وفي النزاع الذي نتج عن ذلك نجح اليهود في الحصول علي تأييد نيرون. وفي 64 م تمت عملية إعادة بناء أروقة الهيكل، التي كانت قد بدأت في 19 ق.م. ويبدو أن الثمانية عشر ألفًا من العمال الذين تعطلوا عن العمل، قد سخروا في "رصف المدينة بالحجارة البيضاء".

47 - الثورة ضد فلوروس وهزيمة جالوس :
انفجر أخيراً غضب اليهود، الذي طال كبته ضد الرومان عن ثورة عارمة مكشوفة في 66 م بسبب "جيسيوس فلوروس"، فأشعلت جموع الغاضبين النيران في القصور والأبنية العامة، وبعد يومين فقط من الحصار استولوا علي قلعة "أنطونيا" وأشعلوا النار فيها وذبحوا حراسها، فأسرع سستيوس جالوس بجيوشه من سوريا، وحاصروا المدينة واقتحموا السور الثالث واحرقوا ضاحية "بيزيتا" بالنار، ولكن عندما كانوا علي وشك إعادة الهجوم علي السور الثاني، تَمَلَّك جالوس الرعب، وتحول انسحابه الجزئي إلي تراجع مشين، فتتبعه اليهود علي الطريق إلي بيت حورون حتى أنتيباترس.

48 - حصار تيطس للمدينة (70م) : 
كلف هذا الانتصار اليهود غاليًا، وأدي إلي قدوم فسباسيان في حملته العسكرية التي انتهت بسحق كل آمال اليهود القومية. بدأ فسباسيان زحفه من الشمال وتقدم في خطوات وئيدة ولكن ثابتة، وعندما استدعي إلي روما لتنصيبه إمبراطورًا -والحرب ما زالت مشتعلة- انتقلت مسئولية حصار أورشليم والاستيلاء عليها إلى ابنه تيطس. ولا وجه للمقارنة بين النكبات الكثيرة التي حلت بالمدينة علي مدي تاريخها الطويل، وتلك النكبات التي حلت بها في هذا الحصار المريع. لم تكن المدينة- في أي وقت من الأوقات- بمثل تلك الروعة، كما لم تكن تحصيناتها بمثل تلك القوة، أو عدد سكانها بمثل هذه الكثرة، وكان الوقت عيد الفصح حيث أضيف إلي الجمهور الذي احتشد فيها أعداد غفيرة هرعت إليها هربًا من الجيش الروماني الزاحف، فكانت الخسائر في الأرواح فادحة، وقُدِّر عدد القتلى بستمائة ألف نسمة. 

49 - انقسام الأحزاب داخل الأسوار المحاصرة : 
بدأ الحصار في الرابع عشر من شهر أبريل في 70 م. وانتهي في الثامن من سبتمبر، أي استمر 134 يومًا، استشرت فيها الانقسامات الداخلية بين الأحزاب، واشتدت الخصومات، وقد أشرف سمعان علي المدينتين العليا والسفلى، ويوحنا- من جسكالا- علي الهيكل والقلعة، ودافع الأدوميون- الذين جاء بهم الغيورون- عن أنفسهم فحسب، فأعفوا المدينة مما كانوا يسببونه لها من رعب. وكانت هناك جماعة أخري- أضعف من أن تجعل لرأيها اعتبارًا- تسعى للسلام مع روما، وهي سياسة لو كانت قد جاءت في وقتها المناسب، لوجدت في تيطس روح التعقل والرحمة. الحق إن مآسي الحصار وهلاك النفوس والممتلكات كانت من فعل اليهود أنفسهم أكثر مما كانت من فعل الغزاة. وفي اليوم الخامس عشر من الحصار اقتحم الرومان السور الثالث (سور أغريباس) الذي كان قد أقيم علي عجلة عند تقدم الرومان، ثم اقتحموا السور الثاني في اليوم الرابع والعشرين، وفي اليوم الثاني والسبعين سقطت قلعة أنطونيا، وتوقف بعد ذلك باثني عشر يوما تقديم الذبيحة اليومية.

50 - فتح المدينة وتدميرها نهائيًا : 
في اليوم الخامس بعد المائة- التاسع من شهر أغسطس، اليوم المشئوم- اُحرق الهيكل والمدينة السفلى، ولم يأت اليوم الأخير إلا وكانت المدينة كلها شعلة من النيران، ولم يبق منها سوي أبراج هيرودس الثلاثة الكبيرة: هيبيكوس، وفارسئيل وماريامن مع السور الغربي، التي لم تحرق، وذلك لحماية معسكر الفرقة العاشرة التي تركت لحراسة الموقع، "لتكشف للأجيال القادمة عما كانت عليه المدينة وكم كانت حصينة". أما سائر المدينة فقد هدم إلي الأساسات.

51 - ثورة باركوكبا : 
خيم السكون طيلة 60 عامًا بعد سقوط أورشليم، وقد تم تخصيص حامية عسكرية لحراسة الموقع، لكن لم تتم إعادة بنائه. وقد زار هادريان الموقع في 130 م.، فلم يجد سوى القليل من المباني قائمًا فيها. وبعد ذلك بعامين (132- 135م) حدثت الانتفاضة العظيمة الأخيرة لليهود بقيادة "باركوكبا" (ابن الكوكب) بتشجيع من الربي "عقيبة"، لكن يوليوس ساويرس قمع هذه المحاولة الأخيرة للتحرير وسحق البقية الباقية من اليهودية. 
ويذكر التلمود الأورشليمي أن أنيوس روفوس قد حرث موقع الهيكل، وأقيم في مكانه مذبح للإله جوبيتر، ونُفي اليهود من أورشليم مع تهديد كل من يعود إليها بالموت.

[ يتبع ]

أهم المصادر :
1. ويكيبيديا: تاريخ فلسطين. 
2. ويكيبيديا: مملكة إسرائيل الموحدة ومملكة يهوذا. 
3. إسلام – أون – لاين: القدس – سيرة مدينة. 
4. قاموس الكتاب المقدس. 
5. دائرة المعارف الكتابية المسيحية. 

6.  Timeline for the History of Jerusalem(محفوظ) مؤرشف من الأصل في 25 نوفمبر 2016. وصل لهذا المسار في 16 أبريل 2007.
7.  Freedman, David Noel ( 1 يناير 2000) . Eerdmans Dictionary of the Bible. Wm B. Eerdmans Publishing  ص 694 – 95. ISBN:0802824005 مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه 
بتاريخ 2007-08-07.

8.  Greenfield, Howard (29 مارس 2005) .A Promise Fulfilled: Theodor Herzl, Chaim Weizmann, David Ben-Gurion, and the Creation of the State of Israel. Greenwillow.  ص.32.ISBN:006051504X. مؤرشف من الأصل في 2022-07-04. اطلع عليه بتاريخ 2007-01-18.

9. Jerusalem: Illustrated History Atlas Martin Gilbert, Macmillan Publishing, New York, 1978, p. 7
10.  دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، QID:Q1043319
11. https://web.archive.org/.../interacti.../Jerusalem,%20Israel.  مؤرشف من الأصل في 2017-12-09.
12. قضية القدس – الدكتور: عبد التواب مصطفى، سلسلة قضايا إسلامية سبتمبر 2006، العدد رقم (139)، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر.أكتوبر 06.
13. د شريف العلمي كتاب "سين جيم".