دكتور مهندس/ ماهر عزيز
المقال الخامس ( 5 )
ثالثا : تاريخ أورشليم القدس ( تابع )
21 - إرميا يتنبأ بالمصير المرتقب :
وفي أثناء هذه الفترة كان إرميا يطوف بكل همة في شوارع أورشليم وساحاتها (إرميا 5: 1 إلخ.) منبئًا بالخراب القادم علي المدينة، وقد قوبلت أقواله بالازدراء والغضب من الملك والبلاط (إرميا 36: 23). ونتيجة لتمرد يهوياقيم علي ملك بابل، غزاه كل من الكلدانيين والأراميين والموآبيين والعمونيين (2 مل 24: 2) ومات مغمورًا (2 مل 24: 6؛ إرميا 22: 18-19).
وخرج ابنه يهوياكين -الذي خلفه في الحكم- مع كل أهل بيته إلي نبوخذنصر ملك بابل، واستسلموا له
(597 ق.م)، فأخذه الملك نبوخذنصر إلي بابل حيث قضي أكثر من 37 سنة (2 مل 25: 27-30)، ونهب كل كنوز أورشليم، وسبى كل سكانها من ذوي الجاه والمركز.
22 - نبوخذنصر يفتح أورشليم مرتين (586 ق.م) :
بعد أحد عشر عامًا، قام صدقيا الملك المعين من قبل ملك بابل، بالثورة ضده، فحاصرت الجيوش البابلية أورشليم مدة سنة ونصف حتى "اشتد الجوع في المدينة". وفي التاسع من شهر آب "هرب جميع رجال القتال ليلا عن طريق الباب بين السورين اللذين نحو جنة الملك" أي بالقرب من فم التيروبيون.أما الملك فقد ذهب "في طريق البرية" فقبض عليه في "برية أريحا". ولقد لقي عقابًا صارمًا لعدم أمانته لبابل (2 مل 25: 1-7)، وأخربت المدينة وأحرقت بالنار، ولقي الهيكل نفس المصير، وهدمت أسوار أورشليم ولم يبق بها إلا مساكين الأرض ليعملوا "كرامين وفلاحين" (2 مل 25: 8-12؛ 2 أخ 36: 17-21)، والأرجح أن التابوت قد نقل في ذلك الوقت.
23 - كورش والرجوع الأول (538 ق.م) :
بعد أن دمرت المدينة، اتجهت قلوب أفضل العناصر في يهوذا، بأشواقها إلي فكرة إعادة بنائها. ويحتمل أن بعضًا من السكان الباقين في البلاد، قد احتفظوا ببعض المظاهر الخارجية لعبادة الرب في موقع الهيكل. وأخيرًا في 538 ق.م عندما أصبح كورش الفارسي سيدًا علي الإمبراطورية البابلية، أصدر الكثير من الأوامر بإعادة بناء معابد الآلهة الأشورية والبابلية، كما أعطي الإذن لليهود بالعودة إلي بلادهم وبناء بيت الرب (عز 1: 1-2).وقد عاد أكثر من 40,000 (عز 1-2) بقيادة شيشبصر رئيس يهوذا (عز 1: 8، 11) حاملين معهم آنية بيت الرب المقدسة، واستؤنف تقديم الذبائح اليومية والاحتفال بالأعياد والأصوام (عز 3: 3-7).
وأخيرًا وضعت أساسات الهيكل (عز 3: 10؛ 5: 16). ولكن نظرًا لمعارضة سكان البلاد والسامريين لم يكتمل البناء إلا بعد عشرين سنة (عز 6: 15).
24 - نحميا يعيد بناء الأسوار :
يعطى الوصف التفصيلي لإعادة بناء أسوار أورشليم في زمن نحميا (445 ق.م) صورة عن التحصينات أوضح من أي وقت سبق، فلقد كرس نحميا نفسه لإعادة بناء الأسوار إلي الحالة التي كانت عليها قبيل السبي، بقدر المستطاع. وقد تم إنجاز العمل بسرعة رغم ظروف الخطر التي كانت تحدق بهم، فقد كان نصف العمال يمسكون الرماح والأتراس والقسي والدروع، للدفاع عن الباقين، كان كل عامل جنديا (نح 4: 13، 16-21). وقد استغرقت عملية إعادة البناء 52 يوما، وما كان ذلك ممكنًا علي الإطلاق، لو لم تكن كمية ضخمة من المواد في متناول اليد وسط أنقاض الأبنية المنهدمة. ولا شَك في أن العجلة والموارد المحدودة، أدت إلي بناء سور أضعف كثيرًا من السور الذي حطمه نبوخذنصر منذ 142 سنة مضت، ولكن السور الذي بناه نحميا سار علي نفس الخط، وكان له نفس الطراز المعماري.
25 - الحاكم باغوهي :
لا توجد معلومات تاريخية وافية عن أورشليم طيلة المائة العام التالية، غير أن البرديات التي وجدت في جزيرة "ألفنتين" (قرب أسوان) تعطينا لمحة من ذلك التاريخ، حيث نقرأ عن جماعة يهودية في صعيد مصر، تلتمس من "باغوهي" حاكم اليهودية أن يمنحهم الإذن بإعادة بناء هيكل الرب في مصر. ويذكرون في سياق الحديث أنهم سبق أن رفعوا التماسًا إلي يهوحنان رئيس الكهنة ورفقائه في أورشليم، ولكن بلا جدوي. وفي وثيقة أخري نجد أن هذا الالتماس المقدم للحاكم الفارسي قد لقي قبولًا. ويرجع تاريخ هذه الوثائق إلي 411-407 ق.م. وبعد ذلك توجد بعض الشواهد (الغامضة بعض الشئ) في حوالي 350 ق.م. عن تدمير أورشليم، وأسر عدد من اليهود في زمن ارتحشستا الثالث (358- 337 ق.م).
ولكن ابتداء من معركة ايسوس وحملة الإسكندر الأكبر على يهوذا واليهودية (332 ق.م تقريبًا)، تُوُجَد حقائق تاريخية أثبت، وبعد موته في 323 ق.م. عانت يهوذا واليهودية كثيرًا نتيجة لموقعها بين البطالمة في مصر والسلوقيين في أنطاكية، فقد تبادل الاثنان حكمها. ويبدو أن الجزية كانت تقسم بينهما في وقت من الأوقات.
26 - حكم البطالمة :
في عام 321 ق.م. غزا "بطليموس سوتر" يهوذا واليهودية واستولي علي أورشليم بخدعة دخول المدينة يوم السبت كما لو كان راغبًا في تقديم ذبيحة. وأخذ معه عددًا كبيرًا من الأسري اليهود إلي مصر وأسكنهم فيها. وفي الصراع بين الملوك المتنافسين، ظلت أورشليم بمنأي عن الاضطرابات تحت حكم مصر المطلق، وذلك بسبب موقعها المنعزل، علي الرغم من أن يهوذا واليهودية قاست الكثير. وفي 217 ق.م. زار بطليموس الرابع (فيلوباتر) الهيكل في أورشليم وقدم القرابين بعد انتصاره علي أنطيوكس الثالث في رافيا. وجاء في الأصحاح الأول من المكابيين الثالث أنه دخل (قدس الأقداس). ويشهد هيكاتيوس الأبديري بازدهار المدينة النسبي في أيام الحكم المصري، ويستشهد به يوسيفوس، إلي حد أنه يقدَّر عدد سكان المدينة بنحو 120,000 نسمة.
27 - أنطيوكس الكبير :
في عام 198 ق.م. هزم أنطيوكس الكبير جيش بطليموس في موقعة بانياس الحاسمة- التي تعتبر نقطة تحول في التاريخ- فذهب اليهود بأنفسهم إليه وزودوا جيشه بكميات كبيرة من المؤن، وأعانوه على محاصرة القوات المصرية المرابطة في القلعة. ويذكر يوسيفوس رسائل يسجل فيها أنطيوكس رضاه عن الاستقبال الذي قوبل به من اليهود، كما يذكر ما منحها لهم من امتيازات. وكتب يشوع بن سيراخ تقريرًا عن ازدهار المدينة في ذلك الوقت (190-180 ق.م.) في كتاب "حكمة يشوع". لقد كانت المدينة مزدحمة تعج بمظاهر الحياة والأنشطة الكثيرة، ويذكر بعبارات براقة رئيس الكهنة العظيم سمعان بن أونياس (226-199 ق.م.) (حكمة يشوع 50: 1-4) الذي رمم الهيكل وحصنه، وقوَّي الأسوار لمقاومة أي حصار، ولكن سرعان ما تعرَّض هذا الازدهار للخطر، وكذا الحرية الدينية -التي نعم بها اليهود تحت حكم المصريين تعرضت للانهيار- عندما صاروا تحت سلطة الحاكم الجديد، فقد زادت الضرائب، وأصبح الولاء للمبادئ اليهودية خيانة للحاكم السلوقي.
28 - صبغ المدينة بالصبغة اليونانية في عهد أنطيوكس أبيفانس :
سار صبغ الأمة اليهودية بالصبغة اليونانية بخطي سريعة (2 مك 4: 9-12). فبناء علي طلب الحزب اليوناني، أقيمت "مدرسة للرياضة" في أورشليم (1 مك 1: 14؛ 2 مك 4: 7-8)، فبني "الجيمنيزيوم" (الملعب) وسرعان ما احتشد فيه صغار الكهنة، وأصبحت القبعة اليونانية غطاء الرأس المألوف في أورشليم. وكان الحزب اليوناني المكوَّن من الطبقة الارستقراطية متطرفًا في ولائه للملك والخضوع لرغباته، حتى إن أنطيوكس -الذي استقبل في زيارته للمدينة بالتحية والترحاب الشديد- ظن أن الفقراء والأتقياء الذين قاوموه نتيجة دوافع دينية، إنما فعلوا ذلك بدافع ميولهم نحو أعدائه المصريين. أما الانفجار الحقيقي، فقد حدث عندما وصلت الأنباء لأنطيوكس -بعد حملة ناجحة علي مصر- أن أورشليم قد ثارت لحساب البطالمة.
29 - الاستيلاء علي المدينة في 168 :
لم يُضِعْ أنطيوكس وقتًا بل أسرع (170 ق.م.) إلي أورشليم بجيش عظيم وفتح المدينة وأعمل في الناس ذبحًا، ونهب الهيكل [(1 مك 1: 20-24)، يوسيفوس-المجلد الثاني عشر 5: 3]. وأرسل رئيس الجزية. (1 مك 1: 30) الذي هاجم المدينة بقوة كبيرة، ودخلها بعد أن خاطبهم بمكر (عد 31). وبعد أن نهبها، أشعل فيها النار وهدم الأسوار والبيوت وذبح الرجال وباع الكثيرات من النساء والأطفال في سوق الرقيق (1 مك 1: 31-35؛ 2 مك 5: 24)، وقدم الخنازير كذبائح (أو علي الأقل قدم خنزيرة) علي المذبح المقدس.
[ يتبع ]
أهم المصادر :
1. ويكيبيديا: تاريخ فلسطين.
2. ويكيبيديا: مملكة إسرائيل الموحدة ومملكة يهوذا.
3. إسلام – أون – لاين: القدس – سيرة مدينة.
4. قاموس الكتاب المقدس.
5. دائرة المعارف الكتابية المسيحية.
6. Timeline for the History of Jerusalem(محفوظ) مؤرشف من الأصل في 25 نوفمبر 2016. وصل لهذا المسار في 16 أبريل 2007.
7. Freedman, David Noel ( 1 يناير 2000) . Eerdmans Dictionary of the Bible. Wm B. Eerdmans Publishing ص 694 – 95. ISBN:0802824005 مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه
بتاريخ 2007-08-07.
8. Greenfield, Howard (29 مارس 2005) .A Promise Fulfilled: Theodor Herzl, Chaim Weizmann, David Ben-Gurion, and the Creation of the State of Israel. Greenwillow. ص.32.ISBN:006051504X. مؤرشف من الأصل في 2022-07-04. اطلع عليه بتاريخ 2007-01-18.
9. Jerusalem: Illustrated History Atlas Martin Gilbert, Macmillan Publishing, New York, 1978, p. 7
10. دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، QID:Q1043319
11. https://web.archive.org/.../interacti.../Jerusalem,%20Israel. مؤرشف من الأصل في 2017-12-09.
12. قضية القدس – الدكتور: عبد التواب مصطفى، سلسلة قضايا إسلامية سبتمبر 2006، العدد رقم (139)، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر.أكتوبر 06.
13. د شريف العلمي كتاب "سين جيم".





