أكرم ألفي 
تدخل مصر خلال الأعوام الخمس المقبلة سنوات النافذة أو "الهبة" الديموجرافية، وهي الفترة التي ينخفض فيها السكان تحت 15 عاماً إلى أقل من 30% من إجمالي السكان ولا يزيد فيها كبار السن (فوق 65 عاماً) عن 15% من السكان. 

سنوات الهبة الديموجرافية هي السنوات التي ترتفع فيها نسبة السكان الناشطين اقتصادياً إلى أكثر من 55% وبالتالي تنخفض نسبة الإعالة إلى أقل من 50% بمعني أن كل 100 شخص يعملون على الأنفاق على 50 شخصاً فقط.

نسبة الإعالة في مصر تبلغ حالياً نحو 60%، حيث يمثل الأطفال أقل من 15 عاماً نحو 34.3% وكبار السن فوق 65 عاماً نحو 5.7% بإجمالي 40% من سكان المحروسة. 

مع تراجع أعداد المواليد في مصر إلى نحو 1.9 مليون كل عام مقابل 2.7 طفل قبل 11 عاماً، فإن النتيجة ستكون انخفاض اعداد الأطفال تحت 15 عاماً خلال 5 سنوات إلى 28% فقط مع ارتفاع طفيف لكبار السن إلى 7% من السكان لينخفض إجمالي السكان المعالين إلى 35% وبالتالي انخفاض نسبة الإعالة إلى  نحو 50% وهو معدل يمثل بالنسبة للاقتصاديين السنوات المثالية أو "السنوات الذهبية" للاقتصاد.  

إن نهاية الانفجار السكاني في مصر هي بوابة لـ"سنوات ذهبية" للاقتصاد.. ولكن بشروط

أولاً:علينا أن ندرك أنه يستحيل الوصول إلى نسبة إعالة أقل من 40% ولا يمكننا أبداً وضع الهدف نسب الإعالة في بلدان الخليج العربي التي تقوم على استقدام أعداد كبيرة من العمالة الوافدة الشابة، ومن هنا فإنني اختلف مع الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان الذي صرح في سبتمبر 2023 بأن مصر تتطلع إلى نسبة إعالة 30%، فهذا هدف مستحيل عملياً في المحروسة وينحصر عالمياُ في البلدان التي تعتمد على العمالة الوافدة.

ثانياً: أن حصاد ارتفاع نسب الشباب والسكان الناشطين في مصر خلال السنوات المقبلة نتائجه الاقتصادية تعتمد بالأساس على دور الدولة في توفير التعليم الجيد وثقل مهارات الشباب والداخلين الجدد لسوق العمل وخفض معدلات البطالة، فلو تحولت كتلة ضخمة من الشبباب إلى كتلة عاطلة تعني فقدان هذه الفرصة أو بتعبير أخر "دفن السنوات الذهبية". 

ثالثاً: هناك ضرورة لتحسين الاجور بشكل جذري للعاملين المهرة في مصر، فهنا اتفق مع المهندس احمد السويدي عندما تحدث عن أنه لا يؤيد تصدير العمالة الماهرة إلى الخارج وان السوق المحلية هي الأولى بالاستفادة من هذه الكفاءات.. فالقطاع الحكومي والقطاع الخاص أمامهم مهمة صعبة للحفاظ على الكفاءات عبر إدخال تغيرات جذرية في هياكل الأجور، وإلا لن تستفيد مصر من "الهبة الديموجرافية".

رابعاً: أن "النافذة الديموجرافية" ليست دائماً خبراً سعيداً للحكومات، فنهاية العبء السكاني والدخول في مرحلة تحول البشر إلى "هبة" يعني ان أي تراجع في النمو الاقتصادي أو انخفاض مستويات المعيشة هو تعبير عن فشل الحكومة وليس زيادة الأعباء بسبب النمو السكاني مما يعني فقدان الحكومات معامل رئيسي لتبرير الإخفاقات لتصبح أمام اختبار الفشل والنجاح وفقا لسياساتها في استغلال هذه الهبة السكانية. 

خامساً: في مدرسة الديموجرافيا السياسية، نتحدث كثيراً عن أن "الهبة الديموجرافية" هي فرصة قد تتتحول إلى "لعنة" في حال فشل سياسات التشغيل وعدم الكفاءة في توجيه الاقتصاد وفي حال انتشار الفساد والمحسوبية، حيث ستتحول وقتها الطاقة الشبابية الضخمة في المجتمع إلى وقود للاضطرابات الاجتماعية والسياسية.