دكتور مهندس/ ماهر عزيز

.
ثانياً : الآثار القديمة فى أورشليم القدس
1 - المواقع الكتابية (المذكورة في الكتاب المقدس) : 
مما لا شَك فيه أن المسجد الأقصى يقوم مكان ساحة هيكل سليمان وأن قبة الصخرة قائمة على الأرجح في مكان الهيكل، والصخرة التي تحت القبة هي على الأرجح في موضع المحرقة كما كان في هيكل سليمان، وكان هيكل زربابل وهيكل هيرودس الذي زاره يسوع المسيح في هذا المكان أيضًا.
 
ويظهر من سفر "أخبار الأيام الثانى" الإصحاح الثالث الآية الأولى (2 أخبار 3: 1) أنه على هذه البقعة ذاتها التي تسمى بجبل المريا شرع إبراهيم في تقديم ابنه إسحق (أو إسماعيل في الإسلام) ذبيحة (تك 22: 2)، ويعتقد المسلمون أن النبي محمد ارتقى إلى السماء بمعجزة في مكان ما في الحرم يدعى قبّة المعراج.
 
وتوجد في أورشليم أماكن كثيرة يربطها التقليد بحوادث في حياة يسوع المسيح. ولكن لا يمكن التثبت إلاّ من القليل منها على وجه التحقيق، فالبركة السفلية التي تحت الأرض وبالقرب من كنيسة القديسة آن (حنة) هي على الأرجح بركة بيت حسدا حيث شفى يسوع المقعد (يو 5: 2-9). وعين سلوان هي بالتحقيق بركة سلوام حيث اغتسل المولود أعمى فاستعاد بصره وفقًا لأمر يسوع (يو 9: 7).
 
وكان بستان جثسيماني على وجه التحقيق في المكان التقليدي المعروف عند سفح جبل الزيتون. وتوجد أرضية مرصوفة وعليها نقوش رومانية تحت كنيسة أخوات صهيون ويحتمل أن هذا البلاط في مكان هو البلاط الذي كان يدعى بالأرامية "جبّاثا" حيث كان يتخذ بعض الجنود الرومانيين مركزهم بالقرب من ساحة المحاكمة التي حاكم فيها بيلاطس المسيح (يو 19: 13).
 
ويقول التقليد أن كنيسة القيامة مقامة فوق مكان الصلبومكان قبر يسوع المسيح ولكن يظن بعض العلماء أن موضع هذين المكانين غير معروف، ويقول بعض العلماء، أن موقعها يقع إلى الشمال من الأسوار الحالية.
.
2 - نقوش قديمة لها صلة بالكتاب المقدس :
يرجع نقش سرداب سلوام الذى ذكر قبلًا إلى عصر الملك حزقيا، كما وجد نقش على حجر كان يغطي عظام عزيّا الملك، كذلك اكتشف نقشان من هيكل هيرودس وفيهما تحذير للأمم بالابتعاد عن ساحة العبرانيين (أفسس 2: 14).
.
ثالثاً : تاريخ أورشليم القدس
1 - ترجع أورشليم إلي عصور ما قبل التاريخ المكتوب :
ففي مواقع عديدة في المناطق المجاورة، كما في البقيع إلي الجنوب الغربي، وفي أقصي الطرف الشمالي لجبل الزيتون إلي الشمال الشرقي منها، كانت هناك أماكن كثيرة مأهولة في العصر الحجري القديم قبل فجر التاريخ بكثير، كما يبدو من الكميات الهائلة من الأدوات الحجرية المتناثرة فوق السطح. ومن المؤكد أن موقع المدينة نفسه كان مأهولًا قبل داود بعدة قرون، والأرجح أنها هي مدينة "شاليم" (تك 14: 18) والتي كان ملكي صادق ملكًا عليها.
.
2 - رسائل تل العمارنة :
وترجع أول إشارة مؤكدة إلي هذه المدينة إلي عام 1450 ق.م. حيث ورد الاسم أورشليم في عدة خطابات من رسائل تل العمارنة. وفي سبعة من هذه الخطابات يرد الاسم "عبد خيبا" وواضح أن هذا الرجل كان ملكًا أو حاكمًا للمدينة ممثلًا لفرعون مصر. وفي هذه المراسلات يصور "عبد خيبا" نفسه مجاهدًا بكل قواه للمحافظة علي حقوق سيده في وجه القوات المعتدية التي تهدد بالسيطرة عليه. ومن هذا يمكن أن نستنتج أن الموقع كان مدينة حصينة تحرسها قوات مصرية مرتزقة، وهناك ما يحمل علي الاعتقاد بأن فرعون مصر في ذلك الوقت، أمنحتب الرابع (أخناتون)، جعلها مقدسًا لإلهه "آتون" (قرص الشمس). ويبدو أن بعض الأراضي -التي ربما كانت تمتد جهة الغرب حتى عجلون - كانت خاضعة لسلطة الحاكم.
3 - غزو يشوع :
في أثناء دخول يشوع إلى أرض كنعان، يذكر اسم أدوني صادق (يش 10: 1-27) باعتباره ملك أورشليم، وقد اتحد مع ملوك حبرون ويرموت ولخيش وعجلون لمحاربة الجبعونيين الذين صالحوا يشوع. ولكن يشوع هزم الملوك الخمسة، فهربوا واختبأوا في مغارة "مقيدة" فأخرجهم يشوع منها وقتلهم جميعًا. وثمة ملك آخر اسمه "أدوني بازق" هزمه سبط يهوذا بعد موت يشوع، و"أتوا به إلي أورشليم فمات هناك" (قض 1: 1-7). ثم حارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وأشعلوا المدينة بالنار" (قض 1: 8)، ولكن المدينة ظلت في أيدي اليبوسيين بضع سنوات أخري (قض 1: 21؛ 19: 11) رغم أنها كانت محسوبة -من الناحية النظرية -ضمن التخوم الجنوبية لسبط بنيامين (يش 15: 8؛ 18: 16، 18). وبعد أن ملك داود سبع سنوات وستة أشهر في حبرون، قرر أن يجعل من أورشليم عاصمة له، فاستولي عليها حوالى عام 1000 ق.م. 
.
4 - موقع المدينة اليبوسية :
ظلت أورشليم إلي ذلك الوقت كباقي المواقع الحصينة المعاصرة لها، مدينة صغيرة نسبيًا تحيط بها أسوار حصينة قوية لها باب واحد أو بابان. وهناك إجماع علي أن المدينة كانت تشغل السلسلة الجبلية جنوبي الهيكل.
.
5 - داود النبى والملك :
تبدو قصة فتح داود لأورشليم غامضة، لكنها قد تحمل تفسيراً لأحد الفصول الصعبة، (2 صم 5: 6-9)، ويُسْتَنْتَج أن اليبوسيين، اعتمادًا علي موقعهم المنيع، تحدوا داود (2 صم 5: 6)، فدفع رجاله ويبدو أنهم قد استولوا علي المدينة في هجوم مفاجئ خاطف عن طريق الأنفاق الضخمة. وإذ استولي داود علي حصن "صهيون"، دعاه "مدينة داود" وأقام بها وزاد في تحصينها: "وبني داود مستديرًا من القلعة فداخلًا، وبمعونة العمال الفينيقيين الذين أرسلهم إليه حيرام ملك صور، بني لنفسه بيتًا من خشب الأرز (2 صم 5: 11؛ 7: 2)، وأحضر تابوت عهد الرب من بيت عوبيد أدوم، ووضعه في خيمة (2 صم 6: 17) في مدينة داود (انظر 1 مل 8: 1). ثم اشتري بيدر أرونة اوارنان (1 أخ 21: 15) اليبوسي، ليبني عليه الهيكل.
.
6 - امتداد المدينة :
كانت أورشليم التي استولي عليها داود مدينة صغيرة مكتظة بالسكان، ولكن ثمة 
دلائل علي أنه في مدة محكمة، اتسعت بصورة ملحوظة نتيجة لنمو الضواحي خارج الأسوار اليبوسية. كما كانت هناك حامية عسكرية كبيرة (2 صم 15: 18؛ 20: 7) وموظفون كثيرون وكهنة مع عائلاتهم (2 صم 8: 16-18؛ 20: 23-26؛ 23: 8-38)، وأفراد أسرة داود العديدون وأقاربهم (2 صم 5: 13- 16؛ 14: 24، 28؛ 1 مل 1: 5، 53 إلخ.). 
.
7 - سليمان النبى والملك : 
وبتولي سليمان الملك، فإن عظمة البلاط المتزايدة، والزوجات الأجنبيات والأماكن التي أعدها لهن، والموظفين الجدد، والعدد الغفير من العمال الذين جاءوا إلي المدينة لتشييد المباني الضخمة التي أقامها سليمان، وقد ضَاعَفَ كل هذا عدد سكان المدينة وجعله يتضخم جدًا. كما أن المباني المذكورة في الكتاب المقدس: الهيكل وبيت الملك وبيت ابنة فرعون وبيت وعر لبنان، ورواق الكرسي (أو قاعة العرش) ورواق الأعمدة (1 مل 7: 1-8)، قد غيرت معالم المدينة تماما. ونتيجة لهذه المباني الجديدة من الهيكل وبيوت عامة الشعب، كان من الضروري إقامة سور جديد حول المدينة. وهناك عبارة تتكرر مرتين من أن سليمان بني "سور أورشليم حواليها" (1 مل 3: 1؛ 9: 15)، كما بني القلعة (1 مل 9: 15، 24؛ 11: 27)، وأنه "سد شقوق مدينة داود أبيه" (1 مل 11: 27). ولعل "الشقوق" تشير إلي السور الذي كان يلزم بناؤه لإدخال القلعة داخل دائرة التحصينات، أو لعلها جزءًا من التحصينات التي حال دون إتمامها موت داود.
.
8 - سور المدينة الذي بناه سليمان : 
أما السور الذي بناه سليمان، فمن المؤكد أنه كان جهة الشمال والغرب، والذي وصفه يوسيفوس بأنه السور الأول. ويشهد الجرف الواسع المحفور في الصخر في الركن الجنوبي الغربي،ب ضخامة البناء. وكان يحيط بمباني الهيكل والقصر سور متصل العمارة، مما جعلها مكانًا حصينًا كما يبدو من التاريخ العبري. وكانت هذه الأسوار -في الأجزاء خارج المدينة- تكوِّن جزءا من دائرة التحصينات.
.
9 - الانقسام (933 ق.م) :
كان انقسام المملكة ضربة قوية لأورشليم، إذ لم تعد عاصمة لدولة موحدة، ولكن لسبط يهوذا. وقد انقطعت فجأة الموارد التي كانت تحت إمرة سليمان لبناء المدينة، نظرًا للسياسة التي أعلنها يربعام. ولابد أن حالة الحرب الطويلة التي دارت بين جزئى الشعب اليهودى "يهوذا" و"إسرائيل"، التي امتدت ستين عامًا (1 مل 14: 30؛ 15: 6، 16؛ 22: 44)، قد أعاقت نمو التجارة والفنون التي تزدهر في أيام السلم.
.
10 - غزوة شيشق (928 ق.م) : 
"وفي السنة الخامسة للملك رحبعام (928 ق.م) صعد شيشق (شيشنق) ملك مصر إلي أورشليم" (1 مل 14: 25-26) وأخذ "المدن الحصينة التي ليهوذا" (2 أخ 12: 4). وكان يظن أنه حاصر أورشليم واستولي عليها، ولكن حيث أنه لا يُذكر شيء عن تدمير التحصينات، وحيث أن اسم هذه المدينة لم يكتشف في السجلات المصرية عن هذه الحملة، فالأرجح- وهو ما يتفق مع ما جاء بالكتاب المقدس -أن شيشق اكتفي بأن قدموا له: "خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك.. وجميع أتراس الذهب التي عملها سليمان" (1 مل 14: 26).
.
11 - العرب ينهبون المدينة : 
عندما تولي يهوشفاط العرش، استردت المدينة أهميتها (انظر 1 مل 22). ولكن في مدة حكم ابنه يهورام (849- 842 ق.م) صعد العرب والفلسطينيون (لاحظ أنه يذكر الفلسطينيين كمجموعة بشرية غير العرب – ليسوا عرباً) "إلي يهوذا وافتتحوها ونهبوا كل الأموال الموجودة في بيت الملك" (2 أخ 21: 16-17). أما أخزيا (842 ق.م) ابن يهورام فقد ذهب لزيارة أقارب أمه في يزرعيل، وبعد أن جرح في مركبته بالقرب من يبلعام، مات بالقرب من مجدو، ونقل جسده إلي أورشليم ودفن هناك (2 مل 9: 27-28). وأصبحت أورشليم في ذلك الوقت مسرحًا للأحداث المثيرة من اغتصاب عثليا للعرش ثم مقتلها (2 مل 11: 16؛ 2 أخ 23: 15)، وتتويج حفيدها يوآش وما قام به من إصلاحات (2 مل 12: 1-16؛ 2 أخ 24: 1-14). وبعد موت الكاهن التقي يهوياداع، أزاغ رؤساء يهوذا الملك وتركوا بيت الرب (2 أخ 24: 15-22).
[ يتبع ]
.
أهم المصادر
1. ويكيبيديا: تاريخ فلسطين. 
 
2. ويكيبيديا: مملكة إسرائيل الموحدة ومملكة يهوذا. 
 
3. إسلام – أون – لاين: القدس – سيرة مدينة. 
 
4. قاموس الكتاب المقدس. 
 
5. دائرة المعارف الكتابية المسيحية. 
 
6.  Timeline for the History of Jerusalem(محفوظ) مؤرشف من الأصل في 25 نوفمبر 2016. وصل لهذا المسار في 16 أبريل 2007.
 
7.  Freedman, David Noel ( 1 يناير 2000). Eerdmans Dictionary of the Bible. Wm B. Eerdmans Publishing  ص 694 – 95. ISBN:0802824005 مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه 
بتاريخ 2007-08-07.
 
8.  Greenfield, Howard (29 مارس 2005) .A Promise Fulfilled: Theodor Herzl, Chaim Weizmann, David Ben-Gurion, and the Creation of the State of Israel. Greenwillow.  ص.32.ISBN:006051504X. مؤرشف من الأصل في 2022-07-04. اطلع عليه بتاريخ 2007-01-18.
 
9. Jerusalem: Illustrated History Atlas Martin Gilbert, Macmillan Publishing, New York, 1978, p. 7
10.  دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، QID:Q1043319
 
11. https://web.archive.org/.../interacti.../Jerusalem,%20Israel.  مؤرشف من الأصل في 2017-12-09.
 
12. قضية القدس – الدكتور: عبد التواب مصطفى، سلسلة قضايا إسلامية سبتمبر 2006، العدد رقم (139)، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر.أكتوبر 06.
 
13. د شريف العلمي كتاب "سين جيم".
.