خالد منتصر
هبط علينا فجأة بالبراشوت طبيب مصرى يركل الطب الحديث القائم على الدليل والتجربة بالشلوت، ويلقى بكل المكتوب فى المجلات العلمية المحكمة، ومحاضرات الأوراق البحثية فى المؤتمرات، فى سلة القمامة، وبرغم أنه مفصول من جامعته، فهو مصر على أن يقدم لنا فى فيديوهاته حكمته الطبية اللدنية، المدعومة بقليل من الآيات والأحاديث، وكثير من دخان التبغ الذى يبثه فى وجوهنا، حتى يظهر أنه حكيم عميق، يهبط عليه الوحى من كائنات نورانية، لا تظهر لأمثالنا من الغلابة، الذين ليسوا من أهل الخطوة، بدأ بمرضى السكرى، وقام بتلميعه مذيع نجم،

أمرهم بإيقاف الأنسولين حتى لو سكرهم ٦٠٠، ونصحهم بريجيم همايونى ينتمى لمدرسة الهرتولوجى والهبدولوجى، ممنوع الفراخ والخضار والفاكهة، كلوا عسل ونوتيلا وحلاوة طحينية وبسبوسة من عند الحلوانى، مش من البيت، لو ما خفتش يبقى ما جبتهاش من الحلوانى، اشرب عصاير مسكرة، وبعد هذا الهبد وشتيمة كل بديهيات طب الغدد الصماء، واتهام تحاليل السكر والتراكمى بأنها نصب وكذب، اقتحم كل التخصصات، فمثلًا، شرح الانفصال الشبكى على إن سببه انتفاخات القولون، ثم جاءت الطامة الكبرى التى استيقظت نقابة الأطباء على إثرها، عندما نصح مرضى الفشل الكلوى الزارعين للكلى، بأن يوقفوا مثبطات المناعة، وأنه جربها فى العيادة ونفعت والمريضة زى الفل، واليوريا والكرياتنين عظمة على عظمة، كل هذا مغلف ببارانويا مرضية مدهشة، وثقة بالنفس عجيبة، الكارثة ليست فى وجود مثل هذا الطبيب، ولكنها فى جحافل الأتباع الذين بالملايين، والمقتنعين بخرافاته وهرتلاته، والمعتبرين أنه المهدى المنتظر،

والمسيح المخلص، وروبين هود الذى سيأتى بحقوق المرضى الغلابة من شركات الأدوية الدراكولية، وأطباء هارفارد وغيرها من الجامعات التى تخرج مصاصى دماء وزعماء مافيا. ما حدث من هذا الطبيب وغيره من تجار الوهم، وسماسرة الخرافة، والمقتاتين على جهل الناس وانعدام ثقافتهم العلمية، التى أحمل مسؤولية انعدامها للمسؤولين والمنصات الإعلامية التى لا تقدم برنامجًا للثقافة العلمية المحترمة فى أى نافذة من نوافذها، ما حدث يفتح ملفًا عن كيف وصل الوعى الجمعى المصرى لهذا الانحدار والتغييب وإدمان الخرافة وكراهية التفكير العلمى؟! لدرجة أن يدافع الناس بشراسة واستماتة عن هذا الطبيب الذى يتاجر بدماء الناس ويضحك عليهم ويصنع الملايين على جثثهم، عندما أغلقت وزارة الصحة عيادته، فتحها مرة ثانية،

وكأن شيئًا لم يحدث، بل جاءت به فضائية لتقديم برنامج ثابت على شاشتها!!، وعندما حولت النقابة هذا الطبيب للتحقيق، انهالت التعليقات على صفحة النقابة منددة بالقرار، تهاجم النقابة بمبررات استقرت فى أذهان الناس الذين للأسف معظمهم متعلم تعليمًا عاليًا، مبررات من نوعية أنتم تحاربونه لأنه أوقف سوقكم، وشفانا بدون أدوية، أو لأن مافيا الدواء خسرت مليارات منذ ظهور نظريته اللوذعية، فبدأوا يهاجمونه ويؤجرونكم لعقابه، وهنا تنهال الفتاوى الطبية، ده الدكتور عالج خالتى اللى كان السكر عندها ٦٠٠ وجعلها تأكل علبة نوتيلا كل يوم، وهى لسه عايشة وزى الفل، وبالطبع لم يكتب لنا بعدها بكم شهر أنه قد أصابها العمى والذبحة وبُترت ساقها، بس المهم إنها كانت عايشة وبتاكل نوتيلا وبسبوسة!،

ومن كتبت الحمد لله أوقفت مثبطات المناعة بأوامر الدكتور الله يبارك له وواقفة على رجليا أهو وزى الفل والكلى لسه فى مكانها وبادخل الحمام كمان، وبالطبع لا تفهم المريضة أن الطرد قادم لا محالة بهذه الطريقة، وأن التدمير يحدث بالتدريج وهى لا تحس ولا تشعر على مستوى الوحدة النسيجية «النفرون»، وبعد فترة لن يصلح لها زرع، وسيكون مصيرها الموت، ونهايتها على يد الطبيب الجهبذ، الذى باعت مخها واشترت خرافاته وهبده، ما يحدث من هذا الطبيب وأشباهه جريمة، والسكوت عنها جريمة أكبر، والتواطؤ خطيئة.
نقلا عن المصري اليوم