بقلم الأب يسطس الأورشليمى
     سابا العلمانى : كان هذا القديس رجلا متزوجا وله امرأة، وكان يحب الرهبان كثيراً، لدرجة أنه كان يذهب ليلا ويتجول في البرية، ويمر على قلالي المتوحدين، ويترك لكل منهم خارجها كيلة من التمر والخضروات لسد حاجة كل منهم، لأن الرهبان الذين كانوا يعيشون بجانب نهر الأردن لم يكونوا يأكلون الخبز.

بينما كان القديس يحمل حملاً من الطعام للرهبان حسب عادته، حاربه عدو الخير، وأرسل له اسداً قابله وارعبه، وحاول منعه من توصيل الطعام إلى الرهبان وأبعده الأسد – نحو ميل – بعيدا عن قلاليهم، وأمسك بيده والذي حفظ دانيال في جب الأسود (دا22:6 ،عب33:11)، حفظ هذا الأخ القديس المحب للإحسان من الأسد الذي كان جوعانا جداً، ولكنه أخذ القليل مما معه من الطعام وأكمله ورحل عنه، واللـه الذي حفظ ابنه هو الذي اشبع هذا الحيوان ومنعه من إيذاء هذ الإنسان.

     القديس سيسيوس : كان تلميذا للقديس البيريوس، عبداً بالمولد، حراً بالإيمان، من كبادركية (بآسيا الصغرى)، وبعد أن تتلمذ على يد معلمه 7 سنوات، حبس نفسه في قبر ثلاث سنوات، وجاهد وأحتمل المتاعب في جهاده الروحي، فلم يكن يجلس ولم يكن يرقد ليلا ونهار، ولم يخرج من القبر طوال هذه المدة، فإستحق أن ينال موهبة إخراج الشياطين، ولما عاد إلى بلاده استحق الرسامة في سلك الكهنوت، وأقام جماعات (أديرة) للرجال والنساء، الذين شهد الناس لهم بأنهم عاشوا حياة النقاوة والعفة وعاش هذا القديس في حياة الطهارة، ومحبة الغرباء بشدة، والفقر الاختياري (لم يمتلك شيئا من حطام الدنيا)، مما كان مثلا عملياً يبكت الأغنياء والبخلاء في العطاء.

    القديس استاثيوس : كان هذا القديس أخا للقديس البيديوس، وقد عاش حياة الزهد والتقشف الشديد، حتى أنه صار جلداً على عظم، من الجهاد، حتى أنه كان يمكن رؤية الشمس من ضلوعه!! وقد حكى الأخوة الذين كانوا معه هذه الصفات العجيبة.

     القديس إيليا المتوحد : عاش هذا القديس في كهف قرب البحر الميت وأمضي حياته كلها في الجهاد الروحي فاستحق المديح (من المسيح إلهنا)، وذات مرة ذهب إليه جمع من الأخوة، يقدر بعشرين رجلا وكان (بلاديوس) واحد منهم، وأراد القديس أن يطعمنا في كهفه هذا ولم يكن لديه سوى ثلاث خبزات، ولكننا ببركة الرب أكلنا جميعا وشبعنا، وتبقى رغيف واحد قيل أنه أشبعه لمدة خمسة وعشرين يوما آخرى.

     القديس أوريليوس : جاء من مدينة طرسوس إلى أورشليم ووضع لنفسه قواعد نسكيه صارمة، حتى أن الشياطين كانت تهابه، ولم تستطع أن تقف أمامه، وقد هزل جسمه فصار كالظل لأنه كان يقضي كل أسابيع الصوم الكبير بدون طعام، عندما يجتمع الأخوة في الكنيسة للصلاة المسائية، كان يصعد على قمة جبل الزيتون، في المكان الذي صعد منه رب المجد إلى السماء، وكان أوريليوس يقف على قدميه، ويتلو كل أجزاء الصلاة ومهما كان الجو مطراً أو يسقط الجليد فلم يترك مكانه، وبعدما ينتهي من كل صلواته، يأخذ مطرقة ويقرع على لوحة ويوقظ النائمين، ثم يدور على حجرات الرهبان ليذهبوا للصلاة، وعند طلوع النهار يمضي إلى قلايته ويخلع ملابسه المبللة ويرتدي غيرها ويستريح حتى الساعة الثالثة (9 صباحا)، ثم ينزل إلى القداس ويمكث بالكنيسة حتى يحل المساء، وظل مواظبا على هذا الأسلوب، حتى تنيح بسلام، وتم دفنه في أورشليم.

     القديس جاد (جداي) : كان عظيما في الروحانية، يعيش بلا مأوى، وقد ظل على هذه الحال طوال حياته، وذات مرة ثار عليه اليهود، بالقرب من البحر الميت ورفع أحدهم سيفا عليه، فارتجفت يداه وسقط منه السيف فوراً، فمضى اليهودى عنه دون أن يؤذيه، وعاش أيضا في أماكن كثيرة على جانب نهر الأردن، وسار بالأستقامة فأعطاه اللـه المعرفة، ونما في حياة القداسة والعفة، وقد إضطر للخروج من قلايته عندما عمت مدينة اديسا مجاعة عظيمة، وكان حنوناً على الذين عانوا منها، وأهاب بالذين يخزنون الحبوب، بدون رحمة، للتوزيع على المحتاجين ليساعدوهم في محنتهم، وقال لهم "إلى متى تنسون حنان اللـه؟" وإلى متى تسمحون لثرواتكم أن تكون وسيلة لاتهامكم وأدانتكم " فتشأوروا معا وقالوا: " لا يوجد إنسان نثق فيه لتوزيع الإحتياجات على الذين يموتون من الجوع، لأن الجميع نصابون ثم أتفق رأيهم على القديس افرايم لتوزيع المساعدات، فقام بهذا العمل بأمانة، لما أنتهت المجاعة، وحل الرخاء في العام التالي.

     القديس البيديوس : جاء من كبدوكيا وسكن في المغارات المحيطة بمدينة أريحا، ثم عاش في دير الخوري ابسكوبس تيموثاوس، ولأنه رجلا مباركا، فقد رسُم كاهنا، وعاش في المغارة المذكورة، وأظهر جهاداً وصبراً فاق به كثيرين، وظل في جهاده لمدة خمسة وعشرين عاماً، وكان يأكل طعأمه يومي السبت والأحد فقط، وكان يصلي بصفة مستمرة طوال الليل، وكان مثل خلية نحل في نشاطه وسط قلالي الرهبان والمغارات.

وقد أقام معه ( القديس بلاديوس )، حيث جعل الجبل يحيا في سلام وتكاثر سكانه الرهبان حتى صاروا كمدينة، وكان المرء يشاهد الرهبان وهم يمارسون أعمالهم النسكية المختلفة بالليل، وذات ليلة، بينما كان القديس البيديوس يصلي، لدغه عقرب فرسها بقدمه ولم يتحرك من مكانه، أو يتألم مثل اي إنسان يعاني من لدغة العقرب، وذات يوم أخذ أخ من أحد الأخوة غصنا من كرمة كان بيد القديس البيديوس وهو جالسا على جانب الجبل، فحفر الأخ حفرة في الصخر ووضع فرع الكرمة ولم يكن هناك أوان للزراعة، ولكنه نما بسرعة وغطت أوراق الكرمة كل الكنيسة المجاورة. 

     القديس بوسيديونيوس الصعيدي : كان ما ذكره ( القديس بلاديوس ) من أمور تتعلق بالقديس بوسيدونيوس عديدة جداً ولا تدخل تحت حصر، وقد كان رقيقا ومحتملا ويتمتع بروحه طيبة. وقد عاش ( بلاديوس ) معه في بيت لحم لمدة عام في دير الرعاة، بالقرب من المدينة وكانت له صفات جميلة،  فقد ذكر لي أنه لم يتحدث مع أحد سنة كاملة، وكذلك لم يستمع لكلام الناس، ولم يأكل خبزاً، ولكنه كان يأكل قلب النخل المنقوع في الماء وأن وجد عسلا بريا كان يأكله، وأضاف القديس بأنه لم يجد طعاماً ذات مرة، وعانى بشدة من الجوع ورغم أنه خرج من قلايته في البرية ليسير إلى اقرب سكن للأباء، لم يستطع أن يمشي ميلين طوال يوم كامل!!، فعاد ووجد وراءه فارساً، وفوق رأسه شبه خوذة، ولما ظن أنه جندي روماني، عاد إلى مغارته فوجد بداخلها سلة مملوءة بالعنب والتين الجديد، وشكر اللـه وتعزى، وكفاه هذا الطعام لمدة شهرين!!، وقد أجرى القديس معجزة في بيت لحم فقد كانت هناك امرأه حبلى بها روح نجس، ولما اقترب موعد الوضع عانت بشدة من آلام المخاض من الروح النجس أيضا!!، فذهب زوجها إلى القديس وحثه أن يصلي على رأس زوجته، فذهبا معه ليصلي في بيته، وبعدما صلى وسجد مرتين طرد الروح النجس، ووضعت وليدها بسلام وقد قال بلاديوس بأن القديس العظيم يوسيدونيوس، قال أنه لم يأكل خبزا لمدة أربعين سنة وأنه لم يغضب أبدا من اي إنسان.