كريم كمال يكتب:الأنبا مينا آفا مينا أول رئيس لدير مار مينا تلميذ البابا كيرلس وحبيب البابا شنودة
في مثل هذا اليوم، ١١ ديسمبر، نُحيي الذكرى التاسعة والعشرين لرحيل أحد أعمدة الرهبنة القبطية في العصر الحديث: نيافة الأنبا مينا أفامينا، أول أسقف ورئيس لدير الشهيد مارمينا العجائبي بمريوط. رجلٌ عاش في صمت، ورحل في صمت، لكنه ترك أثراً لا يُمحى في تاريخ الكنيسة القبطية.
تلميذ البابا كيرلس السادس:
وُلد نيافة الأنبا مينا في كنف الحياة الرهبانية، وتتلمذ على يد القديس البابا كيرلس السادس، الذي كان له بمثابة الأب الروحي والمعلّم الأول. لم تكن العلاقة بينهما مجرد علاقة رئيس وتلميذ، بل كانت علاقة محبة روحية عميقة، مبنية على الطاعة والثقة. وقد اختاره البابا كيرلس بنفسه ليكون أول رئيس لدير مارمينا بعد إعادة إحيائه في صحراء مريوط، واضعاً بين يديه مسؤولية تعمير الدير وبناء مجتمع رهباني حيّ.
باني الدير في قلب الصحراء:
حين تسلّم الأنبا مينا مسؤولية الدير، لم يكن سوى أرض قاحلة وبعض الأبنية البسيطة. لكن بعزيمته وإيمانه، تحوّل المكان إلى منارة روحية يقصدها الزائرون من كل مكان. لم يكن البناء حجارة فقط، بل كان بناءً للنفوس، حيث احتضن الرهبان وعلّمهم بروح الأبوة والقداسة.
علاقة محبة مع البابا شنودة الثالث:
تميّزت علاقة نيافة الأنبا مينا بالبابا شنودة الثالث، قديس العصر، بمحبة خالصة واحترام متبادل. كان البابا شنودة يقدّره كثيراً، ويصفه بأنه "رجل الله الوديع"، وقد عبّر في أكثر من مناسبة عن إعجابه بروحه الهادئة وقلبه النقي. لم تكن العلاقة رسمية، بل كانت أخوية روحية، جمعت بين قديسين في زمن واحد.
قلب شفاف وقصص من نور:
كان نيافة الأنبا مينا صاحب قلب شفاف، يرى الناس بعين الله، ويعامل الجميع بمحبة خالصة. يُروى أنه في أحد الأيام، جاءه زائر يشكو من ضيق الحال، فابتسم له الأنبا مينا وقال: "ربنا مش هينساك"، ثم أعطاه ما كان يملك في جيبه، رغم بساطة حياته. وفي مرة أخرى، شوهد وهو يسقي الزرع بنفسه في الدير، قائلاً: "الرهبنة خدمة، مش رئاسة".
رحيل قديس؛
في ١١ ديسمبر ١٩٩٦، انتقل الأنبا مينا إلى السماء، بعد حياة حافلة بالعطاء والصلاة والصمت المقدّس. لم يكن رحيله نهاية، بل بداية لتاريخ من الذكرى الطيبة، التي ما زالت تعطر أرجاء دير مارمينا، وتلهم الأجيال الجديدة من الرهبان.
في ذكراه التاسعة والعشرين، نرفع قلوبنا شاكرين الله على عطية هذا الأب القديس، الذي عاش متخفياً، لكنه صار منارة لا تنطفئ.





