ماجد سوس
في زمنٍ تزدحم فيه الأخبار العابرة، يطلّ علينا اسم شاب مصري من أسيوط، اسمه أنيس حنا، ليذكّرنا بأن في هذا الوطن جذورًا تضرب في التاريخ، وأن أبناء مصر ما زالوا يحملون في جيناتهم شيئًا من عبقرية الأجداد الفراعنة، الذين شيّدوا المعجزات وتركوا للعالم ما لا يزال يُقرأ ويُدرس حتى اليوم. وُلد أنيس في صعيد مصر، ثم حملته الأيام إلى الإسكندرية حيث درس الطب في جامعتها العريقة، وتخرّج عام 2017 ليبدأ رحلة لم يكن يدري أنها ستجعله يومًا ما في مصافّ كبار روّاد طب القلب في العالم. كان شابًا هادئًا، يسعى وراء المعرفة بصمت، لكن خطواته كانت تمهّد لمجد علمي سيضع اسمه بين الأسماء اللامعة.
بعد التخرج، اختار أنيس طريق البحث العلمي، الطريق الذي لا يسلكه إلا من يحمل شغفًا حقيقيًا لفهم ما وراء الظاهر. حمل حلمه ورحل إلى نيويورك لينضم إلى فريق بحثي مرموق في Albert Einstein College of Medicine، وهناك وُلدت صفحة جديدة من قصته. في هذا المكان الذي تُصاغ فيه نظريات الطب الحديث، كان أنيس يعمل بإصرار مع مجموعة صغيرة من العلماء من دول العالم. أسفرت جهودهم عن اكتشاف علمي أثار اهتمامًا عالميًا، بعدما أعلنوا عن تحديد جينات تتحكم في شفاء نسيج القلب بعد الجلطة، وعلى رأسها الجين Smad3 الذي كان يُعتقد أنه المسؤول الأول عن التليف.
غير أن أنيس وفريقه كشفوا وجهًا جديدًا لهذا الجين: إمكانية تحويل استجابة القلب من التليف والموت البطيء، إلى شفاء نشط يعيد للعضلة بعضًا من قوتها. وعبر تجارب دقيقة على نماذج حيوانية، أثبتوا أن تعديل هذا الجين يحفّز خلايا الجهاز المناعي داخل القلب للعمل بتناغم: تنظيف موضع الضرر ثم البدء في إعادة البناء وجاءت النتائج مذهلة: انخفاض في التليف، تحسن ملموس في وظائف القلب، وانخفاض حاد في معدلات الوفاة.
هذه النتائج انتشرت عالميًا كشرارة أمل جديدة. منظمات طبية، مجلات علمية، وقنوات عالمية تحدثت عن البحث باعتباره خطوة قد تغيّر مستقبل علاج الجلطات القلبية لتفتح أملا جديدًا نحو المستقبل. بصوت هادئ وباتضاع يقول د. أنيس، أننا “ما زلنا في البداية” وأن هذا الاكتشاف مهما بدا صغيرًا، قد يصبح بذرةً لثورة طبية تشفي ملايين البشر..
إن قصة أنيس حنا ليست قصة اكتشاف علمي فقط، بل قصة مصري سفير لمصر يصرف عمره في خدمة البشرية. إنها قصة شعبٍ يعرف كيف يقفز من قلب الصعوبات إلى قلب العالم. قصة شاب حمل في داخله طاقة الأسلاف، أولئك الذين عرفوا أسرار الجسد والروح، الذين وضعوا أولى لبنات الطب، والذين آمنوا بأن العلم هو البوابة إلى الخلود. لذلك فإن أنيس ليس مجرد باحث، بل هو امتداد لسلسلة طويلة من العباقرة المصريين الذين أثبتوا أن عظمة الفراعنة لم تنتهِ، بل تجري في دماء أبنائهم حتى اليوم.
وهكذا، حين نقول إن أنيس حنا قد يكون “مجدي يعقوب الجديد”، فإننا نقول في الحقيقة إن مصر لم تفرغ يومًا من العلماء، وإن أبناءها قادرون أن يكتبوا فصلًا جديدًا من فصول المجد. إنها قصة شاب مصري امتد بجذوره إلى أعماق التاريخ، ثم حمل عقله إلى حدود المستقبل، ليقدّم للعالم ما يليق بمصر: علمًا، أملًا، وإشراقة قلب لا يتوقف عن الخفقان.





