الأقباط متحدون - اليوم هُدنة.. لنتحدث فيه عن الحب!!
أخر تحديث ٠٩:٠٤ | الخميس ١٤ فبراير ٢٠١٣ | ٧ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٣٧ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

اليوم هُدنة.. لنتحدث فيه عن الحب!!

بقلم / حنان بديع ساويرس
  قررت اليوم أن أُنحى الهموم جانباً ، وأحدثكم فقط عن الحب ، فدائماً أشاطركم همومكم ومشاكلكم ، التى تشعرون بها والتى أشعر بها أنا أيضاً معكم ، ولاسيما فى ظل الظروف الصعبة المُتلاحقة التى تمر بها مصر حالياً وهذا من خلال مقالاتى التى أطرحها عليكم ، لذا قررت اليوم أن نخرج سوياً من هذه الظروف القاسية التى فُرضت علينا جميعاً ولو ليوم واحد لنتحدث فيه عن الحب يوم عيده  ، ولا سيما أننا نفتقده كثيراً فى هذا الزمن !! ، بمعنى أننا اليوم سنأخذ هُدنة من الحديث عن الأحداث المُتتالية التى تجعلنا فى دوامة لا نستطيع الخروج منها مُطلقاً وبعدها نستأنف مرة آخرى الحديث عن مشاكلنا وهمومنا التى لا حصر لها !!                                                    
 
 أريد أحبائى أن أبدأ حديثى عن الحب بشكل مُطلق ، أى الحب لكل شئ حولنا ، ولكل أحد ، الحب الذى هو سِمة من سِمات الإنسان التى خلقها فيه الله بالفِطرة قبل أن يكتسب الصفات المُجتمعية التى جعلته عنيف أوغليظ القلب أوحاقد ..ألخ من الصفات المنبوذة  ، ويتمثل فى حبه للخالق الذى أعطانا الحياة وأعطانا معها كل سُبل الراحة والسعادة التى نسعى جاهدين بأفعالنا ان نحولها لتعاسة مُفرطة !! ، وحب مخلوقات الله التى تُشاركنا الحياة سواء إنسان أو حيوان أو نبات أوطير، بل نحب الطبيعة ونشكر الله الذى أعطانا أياها لنتمتع بجمالها ، بل نحب حياتنا ذاتها فنبذل ما بوسعنا من أجلها ، وأن نحب الآخرين فَنُعطى بسخاء لكل من يحتاج إلى مُساعدتنا ولم أقصد المساعدات المادية فقط ، فحسب بل ربما الأهم منها فى كثير من الأحيان هو العطاء المعنوى ، فيجب أن نغدق على من يحتاج للمشاعر الطيبة بالحب والعطف والحنان والتعضيد والتشجيع بقدر إستطاعتنا ، وأيضاً حب الوطن وحب العمل ، فالحب هو ما يجعلنا نتشبث بالأمل ولا نيأس بل ننتظر الغد المُشرق .                                                      
 
لكن طالما أننا بصدد الحديث عن الحب  فلا يصح إذاً  أن نتجاهل الحب بين الرجل والمرأة ، أى الجانب الرومانسى والعاطفى فى حياة الإنسان ،فقد جعل الله الحب بين الرجل والمرأة بالغريزة ، فعندما خلق آدم وحيداً خلق له حواء "مُعين نظيره" ، ومن يومئذ إلى إنتهاء الدهر لا يستطيع الرجل أن يعيش وحيداً بدون المرأة أو المرأة دون الرجل ، مهما أعلن أحدهما خلاف ذلك ، فربما الرجل والمرأة يختلفان أو يتشاجران ، أو حتى ينفصلان بعض الوقت ، لكن فى النهاية لا يستطيع أحدهما أن يعيش سوى الآخر.
 
 ذو حظ سعيد من يُصادفه الحب الحقيقى ، ويعيش حزين طوال حياته من لا يتشبث به ، لأننا كثيراً ما نسمع عن أناس أحبوا بإخلاص ولكن لم يجد الحب صداه لدى من أحبوا  ، أى لم يُبادلهم الحبيب نفس المشاعر ، أو ربما يتبادل حبيبين نفس المشاعر لكن لا يستطيع أحدهما التعبير عن هذا الحب ، أو قد يهمل فى التعبير عنه ،  أو لا يعطى الإهتمام الكافِ لمن يحبه ، وحينها تكون النتيجة هى خسارة من أحبونا بإخلاص وتفانِ ، وبعد ذلك نندم فى وقت لا يجدى فيه الندم !!  
 
 الحب بالنسبة للمرأة هو كل حياتها ، لكنه بالنسبة للرجل  جزء من حياته ، فربما ما يشغل الرجل أكثر من الحب هو بناء مستقبله وإهتمامه بعمله لذا يكون الحب جزء من هذه الإهتمامات ، لكنه ليس كل شئ بالنسبة له ، لكن المرأة عندما تحب فربما تترك كل شئ من أجل هذا الحب !! فالمرأة عندما تحب تخلص لمن تحب ويكون الحبيب شغلها الشاغل ، فلاتُفَرِط فى حبها له بسهولة ، إلا إذا إضطرها هو لذلك ، فنصيحة لك عزيزى الرجل .. فعندما تلاحظ  أن مشاعر حبيبتك قد فَتُرَت .. وشعرت أنها لم تَعِد تهتم بك كالسابق .. ولا تُعبر عن مشاعرها الجياشة تجاهك كعادتها معك ، فاعلم جيداً أنك السبب فى ذلك ، وإنك أنت من ساعدت بكل جوارحك على إنهيار هذا الحب لأن الإنسان بطبيعته لا يعرف قيمة الأشياء التى فى يده إلا إذا فقدها !!                              
 
  فكم من الأحباء تألموا وتجرعوا لوعة عدم شعور الحبيب بهم  !! ، وربما هم يفعلون نفس الشئ مع آخرين يحبونهم وهم أيضاً لا يشعرون بهم ويتسببون فى إيلامهم .                                            
 
    * هناك حالات من الحب لإناس  شعروا بالحب تجاه من أحبوا ، لكن لم يشعر بهم الأحباء  ، بل إنشغلوا عنهم بحب آخر ، وربما حدث معهم نفس الشئ  مِمَن أحببوا ، فخسروا من أحبوهم ، وذهبوا للبحث عن سراب!   فقد عبر الشاعر الكبير "نزار قبانى" عن ذلك من خلال أبيات شعرية وضح فيها كيف كان ألمه من محبوبته التى قابلت حبه وإشتياقه لها بالجفاء والتجاهل مُبرزاً قسوتها ، سائلاً إياها أن تعلمه كيف يقسو عليها وينساها كما إستطاعت هى ذلك من خلال هذه الأبيات الشعرية .            
 
   إشتقت إليك فعلمنى أن لا أشتاق .. علمنى كيف أقص جذور هواك من الأعماق .. علمنى كيف تموت الدمعة فى الأحداق .. علمنى كيف يموت الحب وتنتحر الأشواق .                                      
 
 فحقاً متى وُجِدَ الحب ، فنشعر أنه سر عميق ، فلم يستطع الإنسان فك  طلاسمه ، أو حل ألغازه ،  فعجيب الإنسان حينما يحب ، فيتحول الشرس منه إلى ملاك!! ، فربما نحب ما لم يكن يَخطُر ببالنا يوماً أن نحبه!! وربما أيضاً يُحبنا ما لم نكن نتوقع منه ذلك  !!  فعجيب أمر هذا الحب ، فربما نستطيع العيش بدونه سنوات طويلة ، تلهو بنا الحياة ، وننشغل بهمومها ، لكن حينما نحب "حب حقيقى" لا نستطيع حينها العيش بدونه لحظة ، وإن لم نجده نشعر دائماً بأننا نفتقده ، وربما نبحث عنه ، فى وجوه كل من حولنا إلى أن نجده ، وبالطبع سعيد من يجد حباً حقيقياً فى زمن غلبت فيه المصالح على المشاعر ، وسادت فيه لغة العقل على لغة القلوب ، فقلما نجد أحباء حقيقيون ، فما أسهل كلمة " أحبك" فى هذا الزمن التى تخرج من أفواه كاذبة وغاشة ، فأرى الكثيرون ممن يقولونها يصطنعون الحب لمُجرد الوصول لهدفاً ما ، فالأمور إختلطت ولم نعرف الحقيقى من الخادع ، فنجد الفتيات والشباب يستخدمونها بداعِ وبدون داعِ أى للإستهلاك المحلى !! فمثلاً نرى شاب يلقيها على مسامع أكثر من فتاة فى آن واحد !! وهذا من نطلق عليه " الدينجوان" .
 
وقد رأيت فتاة تحاول إختيار شاب للزواج وكلما أعجبت بشخص لا تتورع فى أن تشعره بأنها تحبه إلى أن تمت خُطبتها على أحدهم ورأيتها تنادى خطيبها بكلمة "حبيبى" !! وهنا تعجبت من سهولة  الكلمة فى فَمِها فلا تتردد فى قولها لأى شخص طالما أنه هدف صوب عينيها  !! بمعنى أنها لم تتزوج شخص لأنها أحبته ، بل أستخدمت كلمة "الحب" كوسيلة لإجتذاب من تريد الزواج به !! فأصبحت كلمة حب لها معنى وهدف آخر كمُحاولة إيقاع طرف للطرف الآخر ، سواء بهدف التسالى من جانب بعض الشباب ، أو بهدف الزواج من جانب بعض الفتيات ، فأصبحت كلمة حب كأنها تمثيلية ، أو شِبَاك منصوبة لصيد طرف للطرف آخر!!            * لكن لا تيأس عزيزى القارئ لأنه لابد أن يكون هناك حب حقيقى يتسم بالعطاء وبدون مُقابل ، وهذا من السهل علينا أن نعرفه إلا إذا كانت التمثيلية أوالشباك المنصوبة لنا جاءت على هوانا !!
 
   جلست أفكر كثيراً ما هى قصة الحب التى أقدمها لكم اليوم فى عيد الحب فلم أجد أروع من قصة الحب التى كانت بين الشاعر اللبنانى "جُبران خليل جُبران" والأديبة الكبيرة " مى زيادة" فهو من شعراء المهجر فكان يعيش بأمريكا ، وهى كانت تعيش بالقاهرة ، فكان حبهم فريد لا مثيل له  ، فيَعِد حب نادر مُتجرد من كل ما هو مادى أو سطحى ومُتجرد من أى أهداف أو منافع ، فقد دام الحب بينهما أكثر من عشرون عاماً إلى أن توفى جُبران ، بل قد أحتفظت مى فى قلبها  بهذا الحب طوال عشرة سنوات عاشتهم بعد وفاة جبران إلى أن لَحِقت به فعاشت بعد وفاته على ذكراه فى حالة سيئة جداً بسبب فقدانها له  ، رغم أنهم لم يلتقيا إلا فى عالم الفكر والروح فقد أحبوا بعضهما البعض عن طريق المُراسلات  الأدبية الطريفة والمُساجلات الفكرية والروحية العميقة ، التى ألفت بين قلوبهم ، ورغم عدم إلتقائهم إلا أنهم كانا أقرب قريبين وأشغف حبيبين ، وهذا يتضح من الرسائل الشهيرة النابضة بالحياة والصدق المُتبادلة بينهما ، التى أستخدمت فيما بعد فى دراسة الأدب العربى  ، فكان حبهما عظيماً لأنه قد تخطى حدود الزمان والمكان والحواس ، وحتى عندما كانا يختلفان كأى حبيبين ، كان الحب الذى يجمعهما والذى بلغ ذروته وشدة ولع كل منهما للآخر يدفعهما للتصالح مجدداً .  فلم يخُاطبها باللغه المألوفة للعشاق ، بكلمة " حبيبتى" بل عبّر عن حبه بما هو أبلغ عندما قال " أنت تحيين فيّ .. وأنا أحيا فيكِ " ووصف علاقته بها " بأنها أصلب وأبقى بما لايقاس من الروابط الدموية والأخلاقية "وبعد أن باح لها ، رجاها ان تُطعم النار رسالته إذا لم تجد لبوحه الصدى المرجوا في نفسها!!
 
فإليكم أروع ما قال جبران عن الحب والذى لخص فيه جميع أنواع الحب وكانت فى الكلمات التالية: 
نحبهم لكن لا نقترب منهم ، فهم فى البعد أحلى ، وهم فى البعد أرقى ، وهو فى البعد أغلى !!
والبعض نحبهم ، ونسعى كى نقترب منهم ، ونتقاسم تفاصيل الحياة معهم ، ويؤلمنا الإبتعاد عنهم ، ويصعب علينا تصور الحياة حين تخلو منهم !!
والبعض نحبهم .. ونتمنى أن نعيش حكاية جميلة معهم ، ونفتعل الصُدف لكى نلتقى بهم ، ونختلق الأسباب كى نراهم ، ونعيش فى الخيال أكثر من الواقع معهم .
 
والبعض نحبهم .. لكن بيننا وبين أنفسنا فقط ، فنصمت برغم ألم الصمت ، فلا نجاهر بحبهم حتى لهم ،لأن العوائق كثيرة ، والعواقب مُخيفة ومن الأفضل لنا ولهم أن تبقى الأبواب بيننا وبينهم مُغلقة !!
والبعض نحبهم فنملأ الأرض بحبهم ، ونحدث الدنيا عنهم ، ونثرثر بهم فى كل الأوقات ، ونحتاج إلى وجودهم كالماء والهواء ، ونختنق فى غيابهم أو الإبتعاد عنهم !! 
والبعض نحبهم .. لأننا لا نجد سواهم ، وحاجتنا إلى الحب تدفعنا نحوهم ، فالأيام تمضى ، والعمر ينقضى ، والزمن لا يقف ، ويرعبنا بأن نبقى بلا رفيق !!
 
والبعض نحبهم .. لأن مثلهم لا يستحق سوى الحب ، ولا نملك أمامهم سوى أن نحب ، فنتعلم منهم أشياء جميلة ، ونرمم معهم أشياء كثيرة ، ونعيد طلاء الحياة من جديد ، ونسعى صادقين كى نمنحهم بعض السعادة !!
 والبعض نحبهم .. لكننا لا نجد صدى لهذا الحب فى قلوبهم ، فننهار وننكسر ، ونتخبط فى حكايات فاشلة ، فلا نكرهم ولا ننساهم ، ولا نحب سواهم ، ونعود نبكيهم بعد كل مُحاولة فاشلة !!
 والبعض نحبهم .. ويبقى فقط أن يحبوننا ، مثلما نحبهم !! عزيزى القارئ أى نوع من الحب أنت تعيشه  ؟!
         *قد تعجبت كثيراً عندما سمعت أن هناك جماعات مُتشددة تهدد المواطنين وتحذرهم من الإحتفال بعيد الحب ، فقد قرأت خبر نُشر على المواقع المُختلفة منقول من صفحة مجهولة بالفيس بوك يقول " سنجوب الشوارع  فى يوم ما يسمى "عيد الحب" ومن تظهر عليه علامات الإحتفال به سنجلده 80 جلدة على الملأ ولقد أعذر من أنذر.
 
* فعجيب أمر هؤلاء ، فبالطبع هم لا يعرفون الحب النقى ، لأنهم لا يعرفون سوى الجنس فهذا شغلهم الشاغل ، أما المشاعر السامية الرقيقة النبيلة فلا يدركونها ، لأنهم لم يحبون ، ولن يُحبهم أحد .
* فلا أدرى ما هى علامات الإحتفال بعيد الحب التى ستظهر على المُحبين !! ، فهل مثلاً هى .. إرتفاع فى درجة الحرارة ورعشة فى اليدين ولمعان فى العينين وإحمرار الوجنتين ؟!!!                  
 
عزيزى المُحب والمحبوب .. حذارى أن تظهر عليك أعراض الحب " السالفة الذكر" وحذارى السير بالشارع ومعك باقة ورود حمراء أو دبدوب أحمر ، قد تذهب بهم لمحبوبتك ، أنصحكم أن تقضونها ورود بيضاء ودباديب بأى لون غير الأحمر، حتى لا تتعرضوا للجلد ؟ 
 رغم أنى أعلم جيداً أنكم جميعاً لن تنصتوا لنصيحتى وستنزلوا الشوارع يوم عيد الحب وتحتفلوا به وتسيروا حاملين الورود والدباديب الحمراء بكل حب وإشتياق لمُقابلة الأحباء ، حتى لو كان الثمن هو الجلد ثمانون جلدة ، ألم  أقل لكم عجيب أمر هذا الحب !!
 
أحبائى وقرائى الأعزاء كل عام وأنتم بخير ، أنتم وكل أحبائكم ، وأهدى إليكم باقة من الورود بكل الحب ، وبهذا أكون قد ظهرت علي أعراض الإحتفال بعيد الحب .. كل عيد حب وأنتم دائماً فى حب . 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter