بقلم الأب يسطس الأورشليمى
ميلانية :
أسبانية الهوية غريبة اللغة وكانت متزوجة، ولكن لم يلبث أن مات زوجها، فأصبحت أرملة ولكنها لم تخلد إلى الحزن واليأس بسبب موت زوجها كما الأرامل، بل إستطاعت أن تجعل من حادثة موت زوجها عزاء لنفسها ولغيرها من الأرامل بل وللضعفاء والمساكين وأيضا لرهبان وقديسين بل لأساقفة ومتوحدين، وعاشت في مصر لا كسائحة للنزهة بين الآثار ومتعة الجسد ولكن سائحة في البراري والجبال، وبذلك كانت مثال للأرملة القديسة ذات القلب المحب المتألم مع المضطهدين وكانت تذهب إلى جماعة المنفيين القديسين فأصبحت سنداً للأساقفة وغيرهم ممن في إحتياج للمساندة والمساعدة.
ولدت هذه القديسة في أسبانيا من أصل روماني وهي حفيدة أحد القناصل ويدعى مارسيلينوس، ثم تزوجت بأحد الرجال الأفاضل وفي سن الثانية والعشرين إنتقل الزوج تاركا شريكه حياته أرملة في ريعان الشباب ...، فجمعت كل ودائعها وأموالها وأبحرت إلى الاسكندرية مع كثيرين من النساء الفضليات، وهناك باعت كل ممتلكاتها وأستبدلت ودائعها بعملات ذهبية، وقد ذهبت إلى صحراء جنوب الاسكندرية التي كانت في ذلك الحين وطنا للرهبان، وهناك قابلت القديس (بموا) والقديس سرابيون الكبير والأنبا ايسيذوروس المعترف، وقد أمضت هناك قرابة نصف عام بين النساك تبحث في الصحراء عن القديسين.
وحدث لما أقتحم والي مصر برية الأباء ونفي القديسان ايسيذوروس وبموا وكل الأباء الذين قابلتهم القديسة إلى الاراضى المقدسة بالقرب من قيصرية، أن ميلانية ذهبت إليهم وكانت تخدمهم من مالها الخاص، وإذ منع عنهم الخدم كانت ميلانية تتزيا بزي عبدة في كل مساء وتحضر لهم طلباتهم، ولما علم والي الاراضى المقدسة بأمرها أراد أن يبتز أموالها فألقاها في السجن غير عالم أنها إمرأة حرة من أصل روماني، فأعلمته في الحال بنسبها ونسب زوجها وأنها حرة من أصل روماني وقالت له: " أنني أوضحت لك ذلك حتى لا تتصرف تصرفا لا يقره القانون وأنت على غير علم بالحقيقة "، وعندما سمع ذلك أطلق سراحها وفتح لها مجالا لكي ترافق القديسين المسجونين.
وبعد أن إستدعي أباء مصر القديسون من المنفى، قامت ميلانية ببناء دير في أورشليم للعذارى وعاشت في ذلك الدير سبعة وعشرون عاماً مدبرة لخمسين من العذارى، وبحسب جيروم أستقرت ميلانية في جبل الزيتون، وبالقرب منها كان يقيم القديس (روفينوس) الذي كان من أحدى بلاد إيطاليا، وفي الغالب سافر روفينوس معها عام 379م وأستقرا هناك لمدة 18 عاماً حتى عام 397م، وهناك رسم روفينوس شماساً وجعلوا العمل الأساسي لرهبانهم هو الدراسة والأعمال الفكرية ونسخ المخطوطات، وكان هذا الأب يماثلها في أسلوب حياتها حتى أنه استحق أن يأخذ نعمة الكهنوت.
وهكذا استمرت هذه الأم القديسة تجاهد وتدبر من معها من العذارى حتى أكملت كل أيامها بسيرة صالحة مرضية ثم تنيحت بسلام.
روفيـــنوس :
ولد تيرانيوس روفينوس بالقرب من مدينة اكويليا بشمال إيطاليا نحو عام 344: 345 م من أسرة مسيحية، وسافر إلى الشرق حوالي سنة 371م، وزار مصر وبراريها وأراد أن يبقى في البراري، إلا أنه حدث أن شن أسقف الإسكندرية الأريوسي لوسيوس إضطهاداً ضد مستقيمي الإيمان بتأييد من الحاكم, فسجن روفينوس لفترة من الوقت.
ويذكر في دفاعه أنه أقام في مصر لمدة 6 سنوات, وأنه عاد إليها ثانية وأنه قضى فيها عامان وأنه كان تلميذاً للقديس ديديموس الضرير كما تتلمذ للقديس ثاؤفيلس الذي صار فيما بعد بطركاً للإسكندرية.
ذهب إلى الإسكندرية وبقى بها زماناً ثم سافر إلى أورشليم وفي سنة 397م عاد إلى إيطاليا حيث رسم قساً على اكويليا.
وتنحصر أهمية روفينوس في كونه اساساً مترجماً لكتب اللاهوت اليونانى إلى اللغة اللاتينية في الوقت الذي كانت فيه معرفة اللغة اليونانية آخذة في الأفوال عند الغرب وأن ترجمته لكتاب أوريجانوس هي النسخة الكاملة الوحيدة التي مازالت باقية حتى الأن من هذا الكتاب، وكان هدفه هو تزكية أرثوذكسية أوريجانوس إلا أنه دخل بسببها في جدال عنيف مع القديس جيروم وقد ترجم أيضا عدة تفاسير كتابية لأوريجانوس وكتاب المعارف لإكلمندس وبعض مؤلفات للقديس باسيليوس والقديس غريغوريوس النزينزي، كما ترجم بتصرف التاريخ الكنسي ليوسابيوس القيصري مع إضافات ويعتبر تفسيره لقانون الرسل الذي بناه غالبا على أساس محاضرات القديس كيرلس الأورشليمي، أما أشهر كتبه كان كتاب الهستوريا موناخورم (تاريخ الرهبنة في مصر)، وهو عبارة عن وصف لرحلة رئيسية طويلة لبراري مصر تفرعت منها رحلات جانبية كثيرة للمناطق الرهبانية المتعددة في وادي النيل قام بها رحالة يظن أنه روفينوس المؤرخ المشهور وبصحبته سبعة رفقاء وذلك في شتاء سنة 394: سنة 395م واصفاً فيها كثيراً من النساك والمتوحدين في أقصى الصعيد حتى أقاصى الشمال، وكانت الجماعة في ضيافة القديس يوحنا الأسيوطي بجبل اسيوط، ثم بدأت رحلتهم صوب أليم نيتريا في الشمال التي بلغوها بعد نياحة القديس مقاريوس الإسكندري مباشرة، وكان المعتقد أن لغة الكتاب هي اللاتينية وأن كان العالم كوتليه ظن أنها كانت اليونانية وسجلها في الباترولوجيا على هذا الأساس وهي تعتبر النسخة الأصلية التي أذعنت عنها الترجمات الأخرى ويستعرض هذا الكتاب أحاديث عن أباء صعيد مصر والأباء القديسين في نتريا والقلالي وشهيت مع وصف لأقاليم البهنسا ونتريا ومنف وبابل والرهبان المقيمين بها ومجموع عدد الأباء الذين ذكروا في الهستوريا موناخورم خمسة وعشرون أبا والمعروف أنه تنيح سنة 394م.





