الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
يقطع البابا لاوُن الرابع عشر تقليدًا حبريًّا مستمرًّا منذ عقود خلال زيارته الحالية لتركيا بعدم زيارته آجيا صوفيا. فالبرنامج الرسمي، الذي يورد زيارته للمسجد الأزرق القريب منها، لا يذكر أيّ توقّف في هذا الموقع التاريخيّ، وهو خروجٌ لافت أثار اهتمام المراقبين الدينيين والصحافيين.
وتزداد دلالة القرار لأنّ كلّ بابا منذ بولس السادس زار الموقع.
تقليدٌ مُنقطع: السوابق
بدأ تقليد الزيارة الحبريّة إلى آجيا صوفيا مع البابا بولس السادس سنة ١٩٦٧، الذي —حسب الشهود— غلبتْه الانفعالات فركع وبكى داخل البناء.
وبعده واصل بابواتٌ ثلاثة هذا التقليد فيما كانت آجيا صوفيا متحفًا:
زارها البابا يوحنا بولس الثاني عام ١٩٧٩.
وزارها البابا بندكتوس السادس عشر عام ٢٠٠٦.
وكان أحدث الزائرين البابا فرنسيس عام ٢٠١٤.
البابا لاوُن الرابع عشر هو البابا الأوّل منذ أكثر من نصف قرن يحذف زيارة هذا الموقع التاريخيّ من جدوله الرسميّ.
البابا لاوُن الرابع عشر يتجنّب «حقل ألغام» دبلوماسيًّا بتخطّي زيارة آجيا صوفيا
السبب الرئيس لهذا الإغفال هو التحوّل الحسّاس في وضع آجيا صوفيا من متحفٍ علمانيّ إلى مسجد فاعل عام ٢٠٢٠.
كانت ردّة فعل الڤاتيكان الأولى على إعادة تحويل آجيا صوفيا عام ٢٠٢٠ من متحفٍ إلى مسجدٍ فاعل محمّلةً بخيبة أمل عميقة وحزن. ففي ١٢ تموز/يوليو ٢٠٢٠، وبعد أيامٍ قليلة من صدور المرسوم، خرج البابا فرنسيس عن صمت الڤاتيكان العلنيّ الأوّل ليعلّق بكلماتٍ مرتجلة بعد صلاة البشارة الملائكيّة يوم الأحد قائلًا: «توجّه فكري إلى إسطنبول. أفكّر بآجيا صوفيا، وأنا حزين جدًّا».
وبالامتناع عن زيارة الموقع بصفته الراهنة مسجدًا، قد يسعى البابا لاوُن الرابع عشر إلى تعزيز ذلك الموقف السابق الرافض. بكلامٍ آخر، قد يكون يشير إلى أنّ الڤاتيكان لم يطبّع مع تغيير ٢٠٢٠ ولم يقبله.
وفي حديثٍ إلى «روم ريبورتس»، يرى فيليبو فورلاني، المؤرّخ في جامعة سانتا كروتشيه الحبرية، أنّ الصعوبة تكمن في الحوار بين الأديان: «الذهاب إلى مكان عاد مسجدًا قد يكون، من منظور الحوار بين الأديان، ولا أدري، معقّدًا بعض الشيء. ولهذا أتخيّل أنّ البابا لاوُن فضّل عدم الذهاب».
ويرى خوان أنطونيو كابريرا، من المعهد الحبرّي الآبائي الأغوسطينيّ، أنّ الخطوة فعلُ تحفّظٍ وحكمة. وهو يشير إلى الجوانب الجدليّة في المسألة، وبخاصّة تغطية الفسيفساء الأيقونية منذ عادت آجيا صوفيا مسجدًا. يقول كابريرا: «السبب على الأرجح دبلوماسيٌّ، تفاديًا لجرح حساسيّات معيّنة».
إنّ هذا الإغفال يسلّط الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب على الڤاتيكان أن يحفظه بين تأكيد التاريخ المسيحيّ وتعزيز علاقاتٍ إيجابيّة بين الأديان مع تركيا.
دلالة آجيا صوفيا للمسيحيّة
تُعدّ آجيا صوفيا («الحكمة الإلهيّة» باليونانية) للعالم المسيحيّ، ولا سيّما الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقيّة، أكثر من مبنى؛ إنّها معلمٌ عميق الرمزيّة.
كنيسة «الواحدة غير المنقسمة»: شادها الإمبراطور البيزنطيّ يوستنيانوس الأوّل في القرن السادس الميلاديّ، وكانت أكبر كنيسة مسيحيّة نحو ألف عام، وقامت رمزًا معماريًّا قويًّا لوحدة الكنيسة المسيحيّة الأولى.
وكانت الكنيسة مسرحًا لأحد أكثر الأحداث حسمًا في تاريخ المسيحية: الانقسام الكبير بين الكنيستين الشرقيّة والغربيّة. ففي سنة ١٠٥٤ وضع الكاردينال هومبرت، باسم الكنيسة الرومانيّة، مرسوم الحرمان على مذبح آجيا صوفيا، مثبّتًا الانقسام الدائم بين الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة.
وعليه، فإنّ قرار البابا لاوُن الرابع عشر عدم الزيارة ليس مجرّد اختيارٍ في الجدول، بل هو رسالةٌ ثقيلة الوزن تُقِرّ بتعقيدات التاريخ وطبقاته المؤلمة وهويّة المكان الدينيّة كما تتشكّل اليوم.
ترجمة الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ عن الإنجليزيّة، المصدر من هنـــــا





