م. شريف منصور
لكنّ الذي يتغيّر هو مدى تطوره، تبعًا لبيئته ومن يهيمن على عقله. فهناك دائمًا من يقدّم نفسه كحارسٍ مطلق للحقيقة، يقف بالمرصاد لكل محاولة إبداع أو تجديد، وكأن خلاص الإيمان مرهون بإغلاق العقول لا فتحها.
لقد رأينا كيف تُحارَب كل بادرة تفكير جديد تحت لافتة “الدفاع عن العقيدة ضد البدع”، بينما الحقيقة أن كثيرين يخشون فقط أن يفقدوا بساط السيطرة على محيطهم الاجتماعي والروحي.
ويكفينا أن نتذكر ثورة الإبداع التي قدّمها مؤسسو مدارس الأحد في القرن الماضي.
كيف تجرأ غير الإكليروس، رجالاً ونساءً، على تعليم النشء؟!
كيف سمحوا للفتيات والسيدات بدور قيادي في التربية الروحية؟!
ومع ذلك—وبعد قرن واحد فقط—أصبحت هذه “البدعة” المزعومة حجرًا أساسيًا لنهضة الكنيسة، وصار الدياكون حبيب جرجس أحد قديسي كنيستنا الأرثوذكسية.
هذه هي المفارقة التي لا نتعلم منها:
الإبداع الذي نحاربه اليوم هو نفسه الذي نمجّده غدًا.
لا يمكن أن تحيا الكنيسة لأجيال قادمة إذا خنقنا كل فرصة للتجديد.
فالإنسان—كي يظل ثابتًا في إيمانه—يحتاج أيضًا أن يكون قادرًا على التأقلم مع بيئته، وأن يستخدم كل وسيلة متاحة دون أن يمس جوهر عقيدته.
أمّا أن نرفض كل جديد رفضًا قاطعًا، بلا دراسة ولا حوار، اعتمادًا على تفسيرات قادمة من بيئات ما زالت غارقة في مفاهيم العصور الوسطى…
فهذا طريقٌ واضح نتائجه: جمودٌ فكري، وتراجعٌ اجتماعي، وانغلاقٌ لا يخدم أحدًا.




