(د. أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك) 
لا شكّ أنّنا نحنُ –كأَحْفاد وأجيال حاضرة– نعرف أكثر من أجدادنا وأسلافنا وأجيالنا السّابقة، وندرك عنهم أكثر ممّا عرفوه هم عن أنفسهم، وعن أزمنتهم، وعن عالمهم، وعنّا. ليس لأنّهم لم يعرفوا عنّا إلَّا القليل فحسب، ونحنُ بفضل الزّمن المنصرم بعدهم نعرفهم أكثر، وندرك الكثير عن أجيالهم وأزمنتهم، ومن نواحي عدّة ومتنوّعة؛ وإنّما لأنّنا نحنُ قد سمعنا منهم وعنهم، ممّا يعمّق ويوسّع معرفتنا بهم، وأمّا هم فربّما لم يسمعوا عنّا قط. وبهذا المعنى، فنحنُ أفضل حالًا في المعرفة والإدراك، وإنْ كانوا هم قد سبقونا، وأصل وُجودنا ومعرفتنا وإدراكنا. فكما يُقال بحقٍّ، نحنُ مجرّد "أَقْزَام يجلسون على أكتاف العمالقة".

إنّ وُجودنا ومعرفتنا هما بفضل وُجودهم ومعرفتهم، ولا وُجود ومعرفة لنا بلا أجدادنا وأسلافنا. فلا ثَمّة أحفاد بلا أجداد، ولا أجداد بلا أحفاد؛ فالأجداد هم مَن صنعونا، ونحن مَن صنعنا أجدادنا. إنّها عَلَاقة جدليّة حقيقيّة وواقعيّة وديناميكيّة، فأجدادنا هم أحفاد في الماضِي وأصحاب له، ونحنُ أحفاد في الحاضِر وأصحاب له، والأجيال القادِمة أحفاد في المستقبَل وأصحاب له. ومَن لا يعرف أن يكون حفيدًا أصيلًا وأمينًا، لا يمكنه أن يكون جَدًّا أصيلًا وأمينًا. أجدادنا هم الماضِي (الذّكرى)، ونحنُ الحاضِر (الاستمراريّة والآنيّة)، وثَمّة مستقبَلٌ قادِم (مُفعم بالرّجاء) بفضل الماضي والحاضر.  

[مِن مقالٍ نُشِر في "مجلة الصّلاح"، عدد سبتمبر-أكتوبر 2024)]