الأقباط متحدون - دعوة للسرقة!
أخر تحديث ٠٥:٤٨ | الاثنين ١١ فبراير ٢٠١٣ | ٤ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٣٤ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

دعوة للسرقة!


  كتب : ماجد سوس
 تعتصر قلوبنا وهي ترى أوطاننا تتمزق وشعبنا يذل ويهان. بات القلب يئن ويتأوه من فرط الآلام الجسدية والنفسية التي تحيق بالمصريين وتحول فرحهم إلى نوح وبكاء وعويل في غد غير واضح المعالم. وفي ضوء هذه الاحداث الجسام غادر مصر العديد من أبنائها متغربين لا بإرادتهم بل بأقدارهم والقوا بأنفسهم في مجتمع جديد لا يعرفون عنه الكثير بعضهم أتى بلا مال أو أقرباء  أو بلا لغة تسنده للتعامل مع المجتمع ، فتكدست الكنائس بأهالينا وأحبائنا وباتت الكنيسة هي ملجؤهم الوحيد.

وأمام الأعداد الهائلة ظهرت الحاجة الشديدة لأن نقف جميعنا بجانب الكنيسة ونقدم ما نستطيع أن نقدمه قدر استطاعتنا.
     أعرف أن المجتمع هنا أيضا يمر بظروف اقتصادية عصيبة ولكن الله يحتاج اليوم منّا على الأقل عشور مالنا وأوقاتنا بل وأفكارنا كيف نساعد هؤلاء الأحباء، لذا أريد أن أطرح عليكم فكرة بسيطة تسمى "خدمة الآباء الرسل" وفيها نقدم كل ما لا نحتاج إليه من أجهزة منزلية أو أثاث أو كتب أو أجهزة الكترونية وغيرها. ويكون هناك أمين لهذه الأسرة في كل مكان ومن يستطيع أن يعطي عشور وقته ليدرس أحباؤنا اللغة الإنجليزية أو من يتبرع بساعات قليلة يخدم بها الأحباء بسيارته. أفضل أيضا أن يكون هناك مخزن صغير في كل كنيسة للمعلبات الغذائية لمن يريد شراءها و يضعها هناك فلا يسبب حرجًا للأحباء  القادمين من مصر.


    أناشد أصحاب الأعمال بتشغيل أخوتنا القادمين من مصر ولا تقل أنني لا افضل تشغيل المصريين لأنك عندما جئت كنت تشتهي أن يمد أخوك يديه لك وأني اتعجب من أن الكثيرين الذين يرددون هذه المقولات بدأوا حياتهم بعد أن وقف بجانبهم اخوتهم المصريون .
    أرجو أن تدرس الإيبارشيات فكرة إنشاء أعمال أو مدارس أو شراء مجموعة محلات أوفندق كبير مثلا وتشغيل المصريين فيه وهو أمر لا يقل أهمية عن شراء كنيسة جديدة.


     أما ضيافة الغرباء فهو عمل عظيم جدا وله بركة ومن يضيف الغريب فهو يضيف الله عنده والكتاب يتحدث عنها فيقول أيوب "غريب لم يبت في الخارج، فتحت للمسافر أبوابي" ( أي 31 : 32 ). وأبونا ابراهيم أضاف الغرباء الثلاثة فنال بركة عظيمة كل أيام حياته (تك 18 ). وفي سفر اللاويين يقول الله "إذا نزل عندك غريب.. تحبه كنفسك لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر" (لا 19: 33، 34). وقد تكلم بولس الرسول عن هذا حينما قال: "لا تنسوا إضافة الغباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون". على أننا في النهاية يجب ألا ننسى قول رب المجد "بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (مت25: 40)


   قد تكون هناك ظروف قاهرة لا تستطيع معها إضافة الغريب في بيتك فربما تستطيع أن تستضيفه على وجبات أغابي "محبة"، أو تهتم به حتى لا يشعر بالغربة أو تهتم بأولاده. أو حتى تتكلم معه بعد القداس أو في التليفون وتشجعه وتعضده.
  في عملي يوجد معي كثير من الأخوة السودانيون، لم أر في حياتي إرتباط شعب ببعضه بهذه القوة حتى أنني لولا أنني رأيت بعيني لتصورت أنها قصص مبالغ فيها. حكى لي صديقي السوداني قائلا: أن بيوتنا مفتوحة لبعضنا البعض في أي وقت قد يأتيك سوداني يأكل معك أو يحتاج إليك، فنحن نساعد بعضًا في كل شيء فعندما يقرر شخص النزول إلى الوطن في زيارة يذهب إليه كل السودانيين ويعطونه ظرفًا به بعض المال سواء له أو لمساعدة اخوته في السودان. لو حدث لشخص أي مكروه أو أصابه مرض أو كانت في عائلته حالة وفاة يتكفل السودانيون بكل شيء؛ الطبيخ اليومي والمساهمة في كل المصاريف. يقومون بعمل نظام الجمعيات المالية ويعطونها للشخص المحتاج أولا. وقد حكى لي هذا الشخص عن شخص وقع له حادث ولم يكن له أصدقاء أو أقارب فطلب من أحد المتواجدين أن يبحث عن أي سوداني ويعطي له إسمه وعنوانه ليساعده، وبالفعل عندما وصلت بياناته لأحد السودانيين امتلأت المستشفى بأبناء شعبه دون أن يعرفوه شخصيا. ياللعجب!.


  أخي الحبيب.. هل تتذكر قول الكتاب أن "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم" (يع1: 27).. فلنتذكر دائماً أن كلمات المُجاملة لا تكفي ولا تجدي نفعاً، فالمحبة الحقيقية تظهر في تضحية حقيقية من الوقت والجهد ومن المال أيضاً، وإلا فإننا في واقع الأمر نصبح أنانيين وغير مُحبين، بل كل الخوف أن ينكرنا المسيح  ويقول أنه لم يعرفنا لأنه كان جوعانًا أو مريضًا أو محتاجًا ولم نقدم له العون بسبب تركنا لأولاده حتى ولو كانت كلماتنا تفيض رقة وحنانا.


            في منتصف عام 2007 انتقلت والدتي إلى السماء في حادث سيارة أليم وكنت أعمل في ذاك الوقت في ولاية هاواي فتوجهت مباشرة إلى مصر حيث وصلت الطائرة في يومين بعد رحلة شاقة غيرت فيها العديد من الطائرات على أنني عندما وصلت إلى بيت والدي وجدت أمرا عجيبا، حيث انتشر خبر إنتقال والدتي بسرعة إلى مناطق كثيرة في الاسكندرية وبدأ الكثيرون  يتوافدون من الأرامل و الفقراء والمحتاجين إلى بيتها ببكاء وعويل وبدأت أسمع عنها قصصًا عجيبة جدا؛ عن كيف كانت تهتم بفقراء المسلمين والمسيحيين وتهتم بالملاجئ والأيتام وكانت تساعد الفتيات في تجهيز زفافهم. ولكن العجيب في كل هذه القصص أن معظمها كان يحدث في الخفاء فلم تتباهى يوما بعطائها للمحتاجبن و لم تقل عنه لأقرب الناس إليها. وكانت تزور المرضى وتسهر بجانبهم خاصة كبار السن منهم في عائلتنا، فسرقت الملكوت وسط أتعاب العالم وهمومه.


 كانت أمي تحب رئيس الملائكة ميخائيل جدا وكانت تهتم بالمحتاجين من شعب كنيسته فأراد الله بشفاعة الملاك أن يظهر لنا قداستها فبعد إنتقالها  وفي أول عيد للملاك ميخائيل كان غيابها صعبًا علينا وعلى أحبائها ولكن حدث أمر غريب فبينما كان كاهن الكنيسة القس أغسطينوس موريس يبخر في ليلة عيد الملاك رأى والدتي تقف في مكانها التي كانت تفضل الوقوف فيه وهي تشترك في تمجيد الملاك ككل عام فتصور أنه مجرد خيال فعاد إلى الهيكل ثم خرج مرة أخرى وشاهدها تسبح فتعجب واتصل بأخي وحكى له  ما رآه فعرفنا مكانتها عند الله لأنها أحبت المحتاجين وأنكرت ذاتها.
أنه وقت العمل الجاد. وقت يحتاج فيه الله إلينا حتى يبارك فينا وفي أولادنا.. انه وقت للعمل في حقل الرب. إنه وقت لسرقة الملكوت... إنها دعوة للسرقة.   


 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter