بقلم منير بشاى
أحدث الفديو الذى سجل للمواطن حمادة صابر والذى يطلق عليه "مسحول الاتحادية" ضجة اعلامية كبرى على المستوى المحلى والعالمى. والفديو، الذى انتشر على شبكة اليوتوب، والذى شاهده مئات الملايين فى العالم، يصور رجال الشرطة المصرية يسحلون حمادة صابر وهو مجرد تماما من ملابسه. ومع اهدار كرامة ذلك المواطن احس كل مصرى ان كرامته قد امتهنت.. والتفاصيل المريعة لما حدث، والتى تزيد عن مجرد واقعة سحل وتعرية مواطن، قد فضحت مصر وعرتها ومرغت بسمعتها فى التراب، فكرامة الوطن هى من كرامة مواطنيه. والواقعة لها معانى كثيرة، منها ما يلى:
تعرية وطن لا يحترم حقوق مواطنيه
لم يعانى حمادة صابر ما حدث لأنه ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون. مع ان المجرمين من حقهم هم أيضا ان لا تمتهن كرامتهم. لم يقبض على حمادة وهو يرتكب جريمة اعتداء على انسان، لم يكن ضليعا فى عملية سرقة أو نهب، ولم ينسب اليه الكليشية المعتاد انه كان يخرب المنشئات العامة أو الخاصة. كل ما عمله الرجل انه اشترك فى مظاهرة للتعبير السلمى عن رأيه فى معارضة النظام. فهل أصبح هذا عمل اجرامى فى عرف من يجلسون على كراسى الحكم فى هذه الأيام؟ مع انهم هم أنفسهم وصلوا للحكم عن طريق ثورة كانت تعبر عن نفسها فى شكل مظاهرات استطاعت ان تسقط النظام السابق وتعطيهم فرصة الوصول للحكم. هذه الواقعة تثبت ان الثورة لم تغير شيئا فى مصر. لقد رجعنا الى سياسة قمع الحريات التى كانت سارية قبل الثورة والتى كانت جزءا هاما من أهداف الثورة "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة انسانية"
تعرية وطن يرغم الضحية على انكار ما حدث له
مصيبة كبرى ان يعانى المواطن فى مصر بعد الثورة من الاصابات بالطلقات الحية والضرب المبرح بالعصى والسحل والتعرية، وخاصة اذا كان ذلك من قوات الأمن التى كانت من المفروض ان تحمى المواطن. ولكن مصيبة المصائب، ان يهدد ذلك المواطن بعواقب أكثر جسامة ان لم يكذب وينكر ان ما حدث له كان بواسطة رجال الشرطة. بل ويجبر على التمادى فى الكذب بالقول ان الثوار هم الذين اعتدوا عليه وان الشرطة هى التى انقذته واعطته الحماية. وأكثر من هذا كله ان نعرف ان الرجل تلقى تهديدا ان يلبسوه جريمة فيصبح جانيا بعد ان كان مجنيا عليه ان لم يغير أقواله. وقد عبر عن ذلك ابن حمادة الذى قال ان والده أجبر على تغيير أقواله لصالح الشرطة "والا اتهمته الشرطة بحيازة قنابل غاز".
تعرية وطن فقد بوصلته
واقعة حمادة صابر تعنى ان التغيير الذى كنا نحلم به بعد الثورة كان كله سرابا. وهذا معناه ان فساد الشرطة الذى رأيناه فى فترة حبيب العادلى مايزال يجرى فى مصر من تلامذة حبيب العادلى الذين تفوقوا على معلمهم. هذا معناه ان الحكام الجدد لا يختلفون عن الحكام القدامى الا فى انهم أسوأ منهم ولكنهم يشابهونهم فى تبنى شعارات تطرب الأذان ولكنها لن تفيد شيئا. قالوا لنا انهم يحملون الخير لمصر ومع ذلك مازلنا ننتظر هذا الخير المزعوم ولا نرى غير العكس. وقالوا لنا عن مشروع النهضة ولكن مثل كل وعودهم يبدو انها كانت كذبة تهدف الى تمكينهم من الحكم.
كنا قبلا نشكو من نظام مبارك الذى ترك الامور تتردى دون ان يتدخل. والآن جاءنا نظام لا خبرة له بأمور السياسة أو نظم الحكم. وتتركز كل طموحاته على تحقيق أهداف سياسية دينية لا تتفق حتى مع رؤية غالبية المسلمين.
لا أحد يعلم الى اين تتجه مصر فى غياب وجود بوصلة توجه الوطن الى الاتجاه الصحيح النظام الحاكم لا يحمل معه مشروعا قوميا مدروسا ومحددا لعلاج مشاكل مصر. بوصلة النظام تتجه الى عكس ما تتطلبه مصلحة البلاد، ليس هناك خطة تنمية لانشاء مشروعات صناعية انتاجية لتشغيل الشباب العاطل وزيادة الدخل القومى. وليس هناك نية حتى لعلاج الاسباب التى حطمت السياحة والتى هى منجم الذهب الذى ورثته مصر من تاريخ أجدادنا العظام ثم أهدر فى لمح البصر.
لأ أعلم الى أين سيقودنا مسلسل الرعب هذا، ويقشعر بدنى كلما حاولت التفكير فى بعض الاحتمالات. ولكن الواضح ان النظام الجديد اعلن افلاسه وكشف عن عريه وعورته، وشخصيا لا أظن انه يستطيع ان يتمادى فى نفس الطريق على المدى الطويل. وان الانفجار الكبير قادم لامحالة