الأقباط متحدون - المسئولية الكرازية للكنيسة الأرثوذكسية 1- التعليم الأرثوذكسي
أخر تحديث ١٣:٠٥ | الاثنين ١١ فبراير ٢٠١٣ | ٤ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٣٤ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

المسئولية الكرازية للكنيسة الأرثوذكسية 1- التعليم الأرثوذكسي


 Oliver كتبها

بعيداً عن السياسة حيث المقاييس عالمية و الحسابات وفقاً للمصالح يبقي للكنيسة القبطية دوراً كبيراً يستحق إهتماماً كبيراً إذ هو وصية إلهية من الوصايا

القليلة التي حرص المسيح له المجد عليها ضمن وصايا ما بعد القيامة.ألا و هو الكرازة.
و مع بداية حبرية البابا تاوضروس الثاني الذي بوداعة و هدوء يتحسس صوت الله في خضم الضوضاء التي تمر بها البلاد و المنطقة.نجد أن دور الأقباط لا يجب أن ينحصر في الشئون السياسية و ينسوا مستقبل كنيستهم الروحي الذي فيه أبديتهم أيضاً.
لسنا هنا بصدد حساب كنيستنا فنحن لها مدينون .لكننا بصدد دعم دورها الروحي الذي يتركز في البشارة.بشارة للبعيدين و تعليم للمؤمنين بكل صور التعليم ( القدوة و التفسير و الوعظ و الإرشاد الروحي والبحث الأكاديمي و العمل الفردي و غيره)
و لتسهيل البحث تم  تقسيم المقال علي جزئين الأول يخص التعليم داخل الكنيسة الأرثوذكسية و الآخر سيكون عن الدور الكرازي للذين هم خارج المسيح.
أولاً التعليم الأرثوذكسي
التعليم الأرثوذكسي يرتبط  جداً بشخصية السيد المسيح وفقاً لأعماله و أقواله في الكتاب المقدس.لا يوجد من يحكم التعليم الأرثوذكسي قدر ما يحكمه الكتاب المقدس.فالكتاب المقدس ليس مرجعاً فحسب بل هو نبعاً يغذي كل الأفكار و التعاليم و الطقوس و الأسرار و الألحان و المفاهيم الأرثوذكسية و لو ضعف عند الأرثوذكس هذا الإرتباط الكتابي تحولت الممارسات إلي عبء ديني و فريسية و تدهورت روحياتها و تعثرت.
-التعليم الأرثوذكسي أو التقليدي بصفة عامة يتميز بالمرجعية الآبائية.و التغذي علي التفاسير القيمة لمشاهير المعلمين في الكنيسة خصوصاً في القرون الخمسة الأولي. حيث الوجبة روحية مثمرة أعمق من التشبيهات المستحدثة.
-التعليم الأرثوذكسي يمزج اللاهوتيات بالروحيات و الطقوس بالمعايشة الروحانية .
-التعليم الأرثوذكسي يبعد عن التنظير الشخصي و ينتسب للمبادئ و ليس الأفراد.فليس في التعليم الأرثوذكسي خبرة فردية تقدم كنموذج  عام بل يأخذ المعلم خبراته و يضعها في قالب عام و يقدمها ممزوجة بخبرات آخرين معها.فالتعليم الأرثوذكسي ليس تعليماً فردياً و لا فيه مدارس خاصة بل تعليماً جماعياً بخبرات جماعية.
-التعليم الأرثوذكسي يخاطب الروح و القلب أكثر من العقل.هنا التعليم مصدره الروح القدس الذي يخاطب داخل الإنسان.أما التغذية بالمعارف و المعلومات فليس هذا هو منهج الأرثوذكسية.
-التعليم الأرثوذكسي يضبط الوعظ و التفسير و يقننه .فلا تفسير شخصي.و لا رأي فردي يعد تعليماً.هذه الآراء تجد لنفسها مكاناً تحت بند التأملات و ليس التعليم.أما التعليم فيجب أن يلتزم بتفاسير الآباء و يسير في إتجاهها مع إضافة الخبرات المعاشة.
-التعليم الأرثوذكسي لا يستمد تاثيره من الواعظ أو المفسر بل من الروح القدس الذي يخاطب الكنيسة بكل الصور.فلا أفضلية للمعلم.و الشهرة تتجه عكسياً ضد الثمر.
- التعليم الأرثوذكسي لا ينفصل عن أعمال المحبة.لكنه منفصل تماماً عن الأنشطة  أي المشروعات الإجتماعية أو المدرسية أو الطبية.ليس في هذا أي علاقة بينه و بين التعليم الأرثوذكسي. بل هو عملياً يتسبب في إضعاف الدور الروحي للكنيسة.و الحل  ليس في إهمال هذه المشروعات الخدمية المفيدة للمجتمع العام بل هو في الفصل التام بين إدارة هذه الأنشطة و بين العمل الروحي و عدم التصريح مطلقاً لأي خادم بأي رتبة كهنوتية كانت  بأن   ينشغل بهذه الأنشطة.فليس هذا ما أقيموا لأجله.
- التعليم الأرثوذكسي لا ينفصل عن الإرشاد الروحي و التلمذة.فهو ليس تعليم منابر بقدر ما هو تسليم فكراً روحياً معاشاً من خلال تعامل مباشر بين مثلث أضلاعه الروح القدس والمرشد الروحي والمتدرب الروحي أي التلميذ المتعلم.و من هذا المثلث تأسست الرهبنة كتعليم أرثوذكسي معاش.هذا المثلث المقدس هو مقياس عمق الرهبنة.إن إبتعد أحد أطرافه ضعفت الرهبنة و تعثرت و إن تماسك المثلث هذا إنتعشت الرهبنة بمقياس العمق و ليس الإنتشار.
- التعليم الأرثوذكسي لديه أدوات يتميز بها منها الأسرار المقدسة و الطقوس و الألحان و الأيقونات و الرهبنة و جميعها وسائط روحية لو مورست بعمق ستكون وسائل تعليم تنطبع في النفس و الروح قبل أن تمارس بالجسد.

   هل هذه التعاليم أرثوذكسية؟
- التعليم الذي يتجه للشخصنة و التسطيح أويحاول ربط التعليم بالأحداث الجارية و تطويع النبوات لتتوائم مع مسار الأحداث هو منهج تعليمي فاشل غير أرثوذكسي.
- التعليم الذي يخلط بين التأمل و التفسير هو تعليم محفوف بالمخاطر.و يضع عثرة أمام الغير متعمقين فيظنوا التأمل الشخصي تعليماً مسلماً به و ما هو إلا أفكار روحية مفيدة لكنها لا ترقي لمستوي تسليمها كتفسير عام تعتقده الكنيسة.
- حشو عقول الخدام الجدد بالمعلومات و القصص و الألحان  دون ترجمة هذه المعرفة إلي علاقة روحية مع المسيح بالروح القدس . إعداد خادم روحياً ليس بحشو معلومات في راسه يمتحنها ثم يتخلص منها أو ينساها مثل أي منهج عقيم.و بعدها يتبقي لنا خادم أجوف فارغ من كل عمق. هذا الأجوف هو من يتولي تربية الأجيال الجديدة فماذا ننتظر لمستقبل الكنيسة من مثل هؤلاء.

- الإرثوذكسية ليست مفردات و مصطلحات نحشو بها التعليم لكي نصدق أنه أرثوذكسي. و لكي يرضي عنه المتفذلكون أياً كانت رتبهم الكهنوتية.الأرثوذكسية منهج و إتجاه تفكير روحي دسم . لذا أصبح البعض يخشي أن يتصيد له المتربصون ألفاظاً وسط كلماته فإنزوي يختبئ في التعليم السطحي نجاة بنفسه منهم.هذا التعليم الخائف لا يفرز إيماناً راسخاً و لا عقيدة ثابتة. و هذا التربص من البعض ليس سلوكاً مسيحياً مطلقاً.
علي الكنيسة أن تتيقن  من رسوخ علاقة  خاصة عميقة مع المسيح للخدام الجدد و الكهنة الجدد. لا تكتفي بمنهج سطحي نمطي تمتحن فيه الدارسين ليتخرج جيلاً جاهلاً بالروحيات .فالمعلومات وحدها فريسية حقيقية تضرب جذور الكنيسة بتخريج أجيال من الخدام الواهين غير الدارسين و لا الفاهمين لعمق الكتاب المقدس و معايشته كما فعل الآباء القديسون.

العيب ليس في منهج إعداد الخدام وحده.و لا في مناهج الإكليريكيات الساذجة وحدها.المأساة الحقيقية هي في الآباء الكهنة فاقدي القدرة علي التعليم و التلمذة.هؤلاء هم الذين يخرجون لنا خداماً جدد مثلهم.فهم الإعاقة الحقيقية في التعليم الأرثوذكسي الذي يجب أن يعاد بناءه بالإختيار الصحيح غير المجامل للآباء الكهنة و الأساقفة و أساتذة الإكليريكيات و البحث العلمي.
إذا راجعنا عظات القديس أثناسيوس و القديس أنطونيوس و القديس مكاريوس و فليكسينوس و ذهبي الفم و غيرهم فلن نجدها بهذه الفريسية الجوفاء .سنجدها أرثوذكسية التعليم دون حاجة لإظهارها أرثوذكسية بحشوها ببعض المفردات التي تستجدي رضا البعض عن أرثوذكسيتها. .
- إنحراف كبير عن الأرثوذكسية هو العقوبات العلنية و العقوبات الجماعية.أما العقوبات العلنية فهو مثل نقد علني من اسقف لكاهن أو لأسقف غيره.أو إستخدام المنابر للهجوم علي الآخر ممن لا نفهم منه بعض مما يقول أو يفعل.هذا هو المعني الحقيقي للإدانة و هو مميت.هذا التعليم هو نوع من التشهير و هو ليس روحياً علي الإطلاق.

أما عن العقوبات الجماعية فهي أحد نتائج التشهير.إذ ينتج عنه تخوف من التعامل مع أحد الذين تم التشهير بهم دون سند حقيقي و التوقف عن التعلم منه.فيحدث تحقير لهؤلاء بحجة أن الأسقف فلان هاجمه و الأسقف علان حكم علي ما يقوله أنه غير أرثوذكسي.فتنقسم الكنيسة .
أو يحدث عقوبة جماعية من جماعة ضد فرد لأنه منبوذ و غير مرضي عنه  من أحد أصحاب الحظوة و السلطان؟ فيشعر هذا المفرز - بغير جريمة - بأنه مباع من كنيسته التي كانت يوماً ما أمه.و يسقط في صغر النفس و تضيع نفوساً كثيرة بسبب العقوبات الجماعية.
كلا النوعان من العقوبات لا يبني.و هو منهج غريب علي الأرثوذكسية.

ماذا تحتاج كنيستنا الأرثوذكسية؟
 - تحتاج إلي إعادة دور المرشد الروحي ( غير أب الإعتراف) لكي يعوض الخبرات الناقصة بشدة عند كثير من آباء الإعتراف.و بالتالي نحتاج إلي التدقيق في السماح للكاهن بأن يأخذ إعترافات حتي نتيقن من تأهيله لهذا العمل الروحي الهام.
- تحتاج إلي بناء منهج جديد للتعليم الإكليريكي يبني الخادم روحياً .مع إلغاء الإكليريكية المسائية حيث أنها مجرد حشو معلومات و توزيع شهادات ليس إلا.و هي تعليم كاذب لا يخاطب سوي الخارج دون العمق.
- تكويين هيئة مجمعية رقابية علي مناهج المعاهد الإكليريكية المنتشرة تضمن توافر أسس تكوين خادم روحي سوي.
- من الضروري إعادة إحياء منهج التسليم في معظم دروس الإكليركية .و إشراك رهبان متفرغين للبحث في التعليم الإكليريكي.علي الرهبنة أن تتولي نفس دور مكتبة الإسكندرية القديم في دعم الكنيسة في التعليم و المنهج الروحي و تخريج الخدام الروحيين.
- النظر بعين الإهتمام إلي معهد الدراسات القبطية الخالي من الدراسات الحقيقية.و لو إضطر الأمر إلي إستيراد مشرفين أجانب لإعادة هيكلة المعهد الذي هو إسم ليس علي ما يسمي.

- إجبار الآباء الكهنة علي البحث الدائم في تعاليم الكتاب المقدس و تفاسيرها الآبائية و ذلك بتكليفهم بأبحاث حقيقية عميقة تجبر بعضهم علي القراءة و التعلم و تدارك ما فاتهم لكي يكونوا مفلحين في الكتاب المقدس كما فهمه القديسون.حتي لا يكتفوا بممارسة الكهنوت كوظيفة دون الدخول في العمق الروحي الذي يؤهلهم لهذه الوظيفة.
- تغيير مناهج التربية الكنسية لتعتمد علي الجانب التطبيقي للكتاب المقدس و ليس الشق المعرفي.و تدريب الخدام الجدد علي كيفية ترجمة التعليم المبسط إلي تداريب روحية تقوي صلة المخدوم بالله و تضع لحياته أساساً روحياً ثابتاً.
- الكف عن المهرجان السنوي الذي يؤصل فكرة مسابقات حشو العقول.و قد تحول إلي منافسات ليس لها سند في الفكر الأرثوذكسي.و الأصل أن يكون التنافس في البذل و خدمة الآخرين.و ليس في تفوق كنيسة علي كنيسة و أيبارشية علي إيبارشية؟
لم أقرأ عن هذا في تاريخ الكنيسة و لا في تعاليم الآباء مطلقاً.
حولوا المهرجان إلي مجموعات تنزل قري معدمة لتنظفها و تخدم الفقراء فيها و تصلح مرافقها بسواعد الشباب و تطبب مرضاهم .حولوا المهرجان إلي سلوك محبة و ليس معلومات عن المحبة. هذه هي المسيحية الحقيقية و الخدمة الإيجابية.
علي أقباط المهجر أن يستعدوا للخدمة الروحية في مصر.ينزلوا ليخدموا بروحهم المريحة.و ينقلوا لهم محبة أخوتهم خارج مصر.و يساهموا فيما يستطيعونه.في هذا نتنافس.

كانت هذه مساجلة سريعة تخص التعليم داخل الكنيسة الأرثوذكسية و يتبقي الحديث عن الدور الكرازي للكنيسة الأرثوذكسية مع غير المؤمنين.
و يتبقي لنا في المسيح هذا الرجاء
أيها الرب الروح القدس الذي يجدد الأحشاء.ننتظرك تجدد أحشاء كنيستنا.تضع فيها قلباً جديداً يشبع بك.لا يلهيه عن قيادتك أي معرفة جوفاء باطلة.بل منك يأخذ العلم و بك يحيا و يتحرك دوماً في إتجاه قيادتك.
أيها الرب الروح القدس أنعش كنيستك بالزيتون الذي هو النفوس التي تشبعت بزيت نعتمتك فتأهلت بك لتنقل منك النعمة إلي من يقبلها.
أيها الرب القدوس الروح الذي فيه تتحرر الأفكار كما في السماء.منك نطلب تعليماً مغذياً دسماً .عظ في داخلنا.و تكلم في قلوبنا .
يا روح الله القدوس أنت الذي أوحيت بكلام الحياة فكن أنت مفسر الوحي الحقيقي.إذا ملنا عن مفاهيمك فلتبكتنا و إذا خضع لك إنساننا الداخلي فأنت يا روح المجد تنقلنا من مجد إلي مجد وأنت يا روح الحب تنمينا من حب إلي حب أعمق.
يا روح الرب  لنا زمن لا نعرف كيف نطأطئ الرأس لك .لا نعرف كيف نسجد بك.كيف نصلي بك.كيف نحب بك.لنا زمن لا تحسبه من أعمارنا.و الآن حان زمن الحب.فتحنن و شاركنا كل أفعال الروح.كل وظائف النفس.و بك يا قدوس يتقدس الجسد.
أيها الرب الذي عمل في آبائنا القديسين لا تكف عن العمل معنا حتي و نحن غير أمناء.نحن معترفين بخطايانا بكل الصور.لكنك رب التوبة أيضاً و روح التوبة الحقيقية.أنت تصنع منا خليقة جديدة كأنها لم تخطئ بغفرانك الأبدي.
يا محول الزناة إلي بتولين.و القتلة إلي زاهدين.و الضعفاء إلي أبطال.و القصبة المرضوضة إلي صولجان ملك.ها نحن خزف بين يديك فإصنع منا ما يترائي لك.
يا رب كل نفس و رب الكنيسة أيضاً.ننتظرك تفتح أعين كل قلب فيها.الكبير و الصغير لكي يكون لك فيها شعباً مستعداً.ننتظرك يا من لا تبطيء.ننتظرك و أنت داخلنا.ننتظرك و أنت قدوس في الآب و الإبن.يا روح الله.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع