كريم كمال يكتب: فاروق حسني والمتحف المصري الكبير: دراسة في الرؤية الثقافية والإنجاز المؤسسي

يسرني أن أقدم هذا المقال الذي يتناول شخصية فريدة في تاريخ الثقافة المصرية المعاصرة، وهو الوزير الفنان فاروق حسني، الذي شغل منصب وزير الثقافة في مصر لمدة تجاوزت العقدين، وترك بصمة لا تُمحى في المشهد الثقافي الوطني والدولي.

يركز هذا العرض على مشروعه الأبرز والأكثر طموحًا المتحف المصري الكبير، الذي يُعد من أكبر المتاحف الأثرية في العالم، ومن أهم الإنجازات الثقافية التي شهدتها مصر في العصر الحديث. سنستعرض سويًا كيف تحولت فكرة هذا المتحف من حلم إلى واقع، وكيف لعب فاروق حسني دورًا محوريًا في تأسيسه، بدءًا من وضع الرؤية المعمارية والثقافية، مرورًا بتأمين الدعم الدولي، وصولًا إلى مراحل التنفيذ.

كما سنرصد أبرز إنجازاته خلال فترة توليه وزارة الثقافة، والتي شملت دعم الفنون، ترميم الآثار، وتوسيع البنية التحتية الثقافية في مختلف المحافظات، مما ساهم في ترسيخ مكانة مصر كمركز حضاري عالمي.

الدور المحوري الذي لعبه الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة المصري الأسبق، في إطلاق وتأسيس مشروع المتحف المصري الكبير، أحد أكبر المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين. تستعرض الورقة الخلفيات الفكرية والثقافية التي دفعت الوزير إلى تبني هذا المشروع، وتوثّق المراحل الأولى من التخطيط والتنفيذ، كما ترصد أبرز إنجازاته خلال فترة توليه الوزارة (1987–2011).

يُعد فاروق حسني من أبرز رموز الثقافة المصرية المعاصرة، إذ امتد تأثيره إلى مجالات الفنون التشكيلية، والسياسات الثقافية، والبنية التحتية للمؤسسات الثقافية. ومن بين مشاريعه الكبرى، يبرز المتحف المصري الكبير كأحد أعظم إنجازاته، ليس فقط من حيث الحجم، بل من حيث الرؤية الحضارية التي يحملها.

أولًا: الخلفية الثقافية لفكرة المتحف.
- جاء التفكير في إنشاء المتحف المصري الكبير نتيجة إدراك فاروق حسني أن المتحف المصري بالتحرير لم يعد قادرًا على استيعاب الكم الهائل من القطع الأثرية.

- استلهم الفكرة من زياراته لمتاحف عالمية كبرى، حيث لاحظ أن مصر، رغم غناها الأثري، تفتقر إلى متحف يليق بعظمتها الحضارية.

- أطلق المشروع رسميًا عام 2002، وبدأت المسابقة العالمية لتصميمه عام 2003، بمشاركة أكثر من 1,500 مكتب هندسي من 82 دولة.

ثانيًا: مراحل التأسيس ودور فاروق حسني.

- اختيار الموقع:
 أصر فاروق حسني على أن يكون المتحف في الجيزة، ليكون امتدادًا بصريًا وثقافيًا لأهرامات الجيزة.

-المسابقة المعمارية:
أشرف على تنظيم مسابقة دولية لتصميم المتحف، فاز بها مكتب Heneghan Peng الأيرلندي.

-الدعم السياسي والتمويلي:
نجح في تأمين تمويل ياباني بقيمة 300 مليون دولار، عبر قرض ميسر من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA).

-التخطيط المتكامل:
وضع رؤية شاملة للمتحف كمجمع ثقافي متكامل، يضم مركزًا للترميم، ومركزًا للمؤتمرات، ومكتبة، وحدائق أثرية.

ثالثًا: المتحف كرمز للهوية الثقافية.
- اعتبر فاروق حسني المتحف مشروعًا وطنيًا يعكس هوية مصر الثقافية أمام العالم.

- قال في أحد تصريحاته: "المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى، بل هو رسالة حضارية من مصر إلى الإنسانية".

- المشروع يعكس فلسفة حسني في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين العرض المتحفي التقليدي والتقنيات الحديثة.

رابعًا: إنجازات فاروق حسني في وزارة الثقافة.
-ترميم الآثار*: أطلق مشاريع كبرى لترميم معابد الأقصر والكرنك، ومقابر وادي الملوك.

-توسيع البنية التحتية:
أنشأ أكثر من 30 قصر ثقافة ومكتبة عامة في المحافظات.

-دعم الفنون: 
أسس صالون الشباب، وافتتح بينالي القاهرة الدولي للفنون التشكيلية.

-الانفتاح الثقافي الدولي*: نظم سنوات ثقافية لمصر في فرنسا، إيطاليا، الصين، واليابان.

خاتمة
يُعد المتحف المصري الكبير تتويجًا لرؤية فاروق حسني الثقافية، التي جمعت بين الطموح الوطني والانفتاح العالمي. لقد تجاوز المشروع كونه مجرد مبنى أثري، ليصبح رمزًا للنهضة الثقافية المصرية في العصر الحديث. وتبقى بصمة فاروق حسني محفورة في ذاكرة الثقافة المصرية، كأحد أبرز من جسّدوا فكرة "الوزير الفنان".