الأقباط متحدون - يا كل قادة الشارع السياسي في مصر
أخر تحديث ٠٧:١٧ | الأحد ١٠ فبراير ٢٠١٣ | ٣ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٣٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

يا كل قادة الشارع السياسي في مصر

أتقدم إلى حضراتكم بكل التقدير الواجب، طالبا أن تنظروا بعين الإنصاف إلى أن مصر في حاجة إلى هدنة أقدرها بستة أشهر، تمتنع فيها كل الأطراف عن تقديم دعوات بالنزول إلى الشارع لأي سبب من الأسباب. وذلك لإعطاء أجهزة الدولة الفرصة الكافية لإعادة التفكير الهادئ بعيدا عن التأثيرات السلبية للتوتر العنيف الذي تعانيه من جراء الأحداث المحزنة المتعاقبة، كما تعطي الفرصة لأجهزة الأمن لكي تسترد عافيتها وتعود لممارسة عملها بشكل طبيعي وهو الأمر الذي سيترتب عليه بدرجة كبيرة أن يشعر المصريون بالأمن في بيوتهم وشوارعهم داخل المدن والقرى وخارجها بعد أن تحول الخوف إلى شعور دائم عندنا جميعا. إن ستة أشهر فقط من الهدوء في مصر، ربما تعطي كل الأطراف المتصارعة القدرة على اكتشاف الأخطاء التي سبق لهم ارتكابها، وتفتح أعينهم على حقائق جديدة تساعدهم على قيادة المصريين في الطريق السليم أقصد الطريق الذي لا يعرف جثث الضحايا والمصابين.

 
إنني أنظر إلى ما نمر به باعتباره جبهة قتال، وفي جبهات القتال ترحب الأطراف المقاتلة بالهدنة ليس عندما يعجزون عن مواصلة القتال ولكن عندما يصلون إلى نقطة تتكاثر فيها خسائرهم وينعدم فيها أي مكسب. إنها نقطة التعب (Fatigue) التي يبدأ عندها الإنسان بل وأقوى المعادن في الانكسار. لقد وصلنا إلى نقطة لم أتصور من قبل أن أشخاصا من بين المصريين قابلون للوصول إليها، منها أن يتجمع بشر من أحشاء المدينة ليتحرشوا بفتاة ويطعنوها في مكان استلزم أن يقوم الأطباء بعد هذه الطعنات بإزالة رحمها. إن استمرار الوضع على ما هو عليه ينذر بأن تنتقل عدوى الوحشية إلى المزيد من البشر وهو الأمر الذي أقطع بأنكم ترفضونه بحزم. أنا أريد هذه الهدنة لمدة ستة أشهر فقط لتذكيرنا بإنسانيتنا التي أوشكنا على أن ننساها. ربما تقولون: تطلب منا أن نكف عن دعوات نزول الناس إلى الشارع.. فماذا عن السلطة؟ ماذا تطلب منهم؟
 
وأرد.. لست أطلب منهم شيئا، أنا أعرف التهمة التي يوجهونها إليكم وهي أنكم «تعطون للبلطجة والبلطجية الغطاء السياسي لممارستهم» لست أوافق على هذه التهمة لأن تعبير «غطاء سياسي» يعني شرعية الفعل وهو ما أنزهكم عنه بالطبع، أنا على يقين بأنه لا أحد منكم جميعا يسمح بالجريمة أو يشجع عليها، ولكن لا بد من الاعتراف بأن نزول الناس الغاضبين إلى الشارع يساهم في صنع مناخ صالح لنشاط أحشاء المدينة من التعساء، كما يصلح أيضا لممارسة عمليات القتل والخطف.
 
جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها السياسي وزعماؤها من أعضاء مكتب الإرشاد، يحكمون مصر الآن طبقا للشرعية، شرعية صندوق الانتخابات، وحتى إذا تمكنتم من إزالتهم من أماكنهم بطريقة ما، فمعنى ذلك أن الشعب المصري والدولة المصرية سيدخلون في نفق ليس مظلما فقط بل ودموي أيضا. إذا نجحتم في ذلك - نظريا على الأقل - فستمنحونهم بذلك شرعية القتال والقتل إلى الأبد. سينزلون تحت الأرض ويتولون مطاردة الشعب المصري ويتولى الشعب المصري مطاردتهم، يا لأنهار الدماء التي ستكون في انتظارنا.
 
التمسك بالشرعية يضمن لنا أقل الخسائر، والطريق طويل ومؤلم لأن النظام في مصر سيعمل في كل لحظة على صنع المتاعب لنفسه وللآخرين تحت ضغط التوتر العنيف الذي يشعرون به. وهو ما يحتم أن تتمسكوا جميعا بالهدوء والسيطرة على النفس في مواجهة كل أنواع الاستفزاز. والهدنة التي أطلبها من حضراتكم، ستساعدكم، أقصد ستساعدنا، على ذلك.
 
إذا رأيتم أن هذه الهدنة ستمنح جماعة الإخوان المزيد من القدرة على «التمكن» من مفاصل الدولة والمجتمع، فسأوافق على الفور، هذا هو الثمن المدفوع مقابل أن تعود الدولة ذاتها إلى نفسها، ما أبحث عنه هو تماسك الدولة الذي في غيابه يغيب كل شيء، كل ما نتشدق به من كلمات لا معنى له في غياب تماسك الدولة، وأذكركم بالمثل القديم «لأجل الورد ينسقي العليق» والعليق هو الشوك. لا أحد يرحب بأن ترتوي الأشواك بقطرات الماء الثمينة والقليلة التي يملكها ولكن الحياة تحتم علينا في أحيان كثيرة أن نروي الأشواك من أجل الحفاظ على أزهار الحديقة وورودها.
 
فلأكن واضحا أمام الجميع، ما أطلبه منكم هو نفسه ما يطلبه الأطباء، الراحة الكاملة في الفراش لفترة محددة، فبعد كل الأدوية والعقاقير، على الجسم أن يسترد - بالراحة - قدرته على علاج نفسه. لست أطلب أن تكفوا عن أن تكونوا معارضين للنظام أو أن تكفوا عن العمل لاحتلال أي مواقع سياسية تتيحها الديمقراطية، أنا أطلب فقط الامتناع عن الدعوة إلى النزول إلى الشارع.
 
إن القيادة السياسية في مصر الآن، تعاني من إجهاد عصبي شديد نتيجة لانعدام تأييد الشارع لها، بالإضافة بالطبع لقلة الخبرة السياسية أو انعدامها، كل ذلك يساهم في وضعهم في حالة مزاجية سوداوية ينتج عنها مشهد حالك السواد. ولكنه بكل سواده يجب ألا يعمي أعيننا عن حقيقة أنهم أتوا بصناديق الاقتراع، طبعا توجد ألف حجة لتفنيد كلماتي، غير أنني أرى المضي قدما فيما تحتمه اللعبة الديمقراطية وتحمل كل خسائرها، هذا موقف لا بد أن المصريين مروا به كثيرا من قبل بدليل ذلك المصطلح الشعبي الذي يقول «إحنا وقعنا ولازم نسد» و«إحنا وقعنا واللي كان كان»، لا أحد ينكر أننا قد وقعنا، المهم هو أن لا ينكسر عمودنا الفقري في هذه «الوقعة» أو الواقعة. ليبدأ التفكير منذ هذه اللحظة في.. ماذا علينا أن نفعل في الثلاثة أعوام ونصف المقبلة لنتخلص من آثار هذه الوقعة؟.. كيف نتفادى المزيد من العنف والدماء والفوضى؟
 
المشهد كما أراه الآن، ركاب طائرة اكتشفوا بعد أن حلقت في الجو أن الطيار ليس حاصلا على إجازة الطيران وأن الطائرة ترتج بشدة وكأنها على وشك السقوط، فعلت صرخاتهم وفتحوا باب كابينة القيادة وانطلقوا جميعا يشتمون ويسبون الطيار.. انزل.. انزل..
 
كل شتائم الدنيا لن تغير واقعهم، هي فقط ستنسيهم حقيقة مهمة وهي أنهم جميعا على متن نفس الطائرة، وأن إرغام الطيار غير المدرب على الهبوط الاضطراري من شأنه أن يجعله يصطدم بالأرض، ويفجر الطائرة بمن فيها. هناك لحظات في الحياة تعجز فيها عن التحكم في مصيرك ومسارك، في اللحظات من هذا النوع عليك أن تتمسك بأكبر قدر من الثبات والهدوء إلى أن تسنح لك فرصة إعادة الإمساك بزمام الأمور. أرجوكم.. كونوا كرماء مع الشعب المصري وامنحوه هذه الفرصة.

نقلاً عن الشرق الأوسط

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع