د.ماجد عزت إسرائيل

غدًا.. مصر تفتح بوابة التاريخ من جديد أمام العالم.
  يشهد العالم غدًا الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير في احتفال عالمي مهيب، يحضره لفيف من ملوك ورؤساء وقادة العالم، وعدد كبير من الشخصيات الدولية، والمؤسسات الثقافية، ووكالات الأنباء العالمية. ويُعد هذا الافتتاح حدثًا تاريخيًا غير مسبوق، يجمع الشرق والغرب على أرض مصر، حيث تتجه أنظار العالم نحو أهرامات الجيزة لتشهد ميلاد أعظم متحف في التاريخ الإنساني الحديث. وتستعد مصر لتقديم احتفالية كبرى تمزج بين العرض الفني والرمز الحضاري، في مشهد يعكس عمقها الثقافي وريادتها الحضارية عبر العصور.

  وفي مشهد يختصر آلاف السنين من المجد الإنساني، شهدت مصر والعالم افتتاح المتحف المصري الكبير (GEM)، أضخم متحف للآثار المصرية في التاريخ الحديث، وأعظم صرح ثقافي شيّدته الأيادي المصرية ليحفظ ذاكرة الأمة وهويتها الممتدة منذ فجر الحضارة. جاء الافتتاح بحضور فخامة الرئيس المصري والرئيس الألماني وعدد من قادة العالم، ليؤكد أن هذا المشروع الاستثنائي لم يكن مجرد مبنى حجري يضم قطعًا أثرية، بل رسالة حضارية للعالم بأن مصر ما زالت قادرة على الإبهار وعلى صياغة المستقبل بوهج ماضيها العريق.

  ويمثل افتتاح المتحف لحظة تاريخية فارقة، فقد انتظر المصريون هذا الحدث لسنوات طويلة حتى أصبح اليوم واقعًا حيًا. بدأ الحلم في تسعينيات القرن الماضي، ووُضع حجر الأساس عام 2002 ليُشيّد المتحف على مساحة 117 فدانًا غرب القاهرة، في موقع فريد يطل مباشرة على أهرامات الجيزة، ليخلق حوارًا بصريًا بين رموز الماضي وأفق الحاضر. صمّمت شركة Heneghan Peng Architects الأيرلندية مبنى المتحف على مساحة تتجاوز 300 ألف متر مربع، مستلهمة في هندسته المعمارية أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة التي تتلاقى لتشكل كتلة المتحف، في تناغم رمزي يجسد الخلود المصري.

  ويضم المتحف المصري العريق أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية، ويُعد أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في العالم. ومن أبرز مقتنياته مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة التي تُعرض لأول مرة في قاعة واحدة، إلى جانب تماثيل مهيبة لرمسيس الثاني وملوك الدولة القديمة وعمود النصر للملك مرنبتاح، فضلًا عن نقوش ومعروضات تروي فصولًا من عبقرية المصري القديم وإبداعه عبر العصور.

  والحقيقة التاريخية، لا يقدّم المتحف هذه الآثار كعناصر جامدة، بل كحكاية حية تُروى باستخدام أحدث تقنيات العرض المتحفي، والذكاء الاصطناعي، والعروض التفاعلية التي تمنح الزائر تجربة حسية وروحية فريدة تجعل الزيارة رحلة داخل الزمن المصري الخالد. ويضم المتحف مركزًا دوليًا متطورًا للترميم يعد الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، إلى جانب متحف للأطفال ومراكز ثقافية وتعليمية وقاعات عرض مؤقتة ومؤتمرات وسينما ومناطق تجارية وحدائق ومطاعم ومرافق ترفيهية، ليشكل بذلك مدينة ثقافية متكاملة تعكس الهوية المصرية المتجددة وتربط بين التعليم والسياحة والثقافة في منظومة واحدة.

 وقد ساهمت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) في تمويل المشروع عبر قروض ميسّرة تقديرًا لأهميته الحضارية والإنسانية. وأكدت القيادة السياسية المصرية أن افتتاح المتحف المصري الكبير هو رسالة إصرار وسط عالم مضطرب، ورسالة أمل بأن مصر، رغم كل التحديات، ماضية في استكمال مشروعاتها الكبرى التي تمثل قوتها الناعمة وريادتها الثقافية. وأشاد الرئيس المصري بدور الدولة في استكمال هذا الصرح العالمي، معتبرًا أن المتحف يجسد إرادة أمة تصون تراثها وتعرض كنوزها في وقت يواجه فيه العالم تحديات متزايدة، فيما وصف الرئيس الألماني المشروع بأنه نموذج فريد للتعاون الثقافي بين الشعوب ودليل على عظمة الحضارة المصرية التي ألهمت الإنسانية عبر التاريخ.

ويُعد المتحف المصري الكبير اليوم أحد أهم إنجازات مصر الحديثة، وأكبر متحف للآثار المصرية في العالم، إذ يروي قصة الإنسان المصري الذي بنى وفكر وخلّد اسمه في ذاكرة البشرية، جامعًا بين عبق الماضي وروح المستقبل. إنه ببساطة صرح حضاري فريد ومنارة عالمية تشع بالنور من أرض الكنانة، لتبقى شاهدًا خالدًا على أن الحضارة المصرية لا تزال حية، تنبض بالحياة، وتواصل حديثها إلى العالم بلغة الخلود والجمال.ومن القاهرة، يبدأ العالم من جديد قراءة التاريخ بلغة مصرية خالدة.