بقلم الأب يسطس الأورشليمى
يرى بعض الدارسين أن هذه المزامير قد صيغت في خمس مجاميع، كُل مجمُوعة منها تضُم ثلاثة مزامير وهي كالآتي:
المجمُوعة الأولى: الشعُور بالحاجة إلى المُخلّص..
مزامير (120-122) تُمثل سفر التكُوين: فالإنسان الصالح يُعاني من الضيق بسبب لسان الأشرار المُخادع (120)، وهُو في حاجة إلى اللوغوس كلمة الله المُخلّص (121)، ليعيده إلى الفرح السماوي (122)، وفي سفر التكُوين خُلق الإنسان على صُورة الله، لكنه سقط بخداع الشيطان المُخادع بلسانه الغاش في حواره مع حواء، فوهبه الله الوعد الأول بإصلاحه وتمتعه بالنُصرة خلال نسل المرأة (تك15:3)، وهُو كلمة الله المتجسد الذي يجدّد طبيعتنا ويرفعنا إلى السماء، فنسترد حياة الفرح الحقيقي..
الدرجة الأولى (مز120): إدراك أن الله وحده قادر أن يُخلّص، فبداية الطريق هُو التعرف على حقيقة المُوقف، إننا في ضيق بل وفي حالة موتٍ وفسادٍ، نحتاج إلى المُخلّص الإلهي، ليقيمنا من الموت ويجدّد طبيعتنا الفاسدة في وسط الضيق الذي دبت جذُوره في الداخل، وأحاط به من الخارج، حيثُ شعر المُرتل أنه لا علاج للمُوقف إلاّ بمُخلّص يحمل رُوح الأبُوة مع القُدرة على الخلاص، وتقديم السلام الحقيقي للبشرية كُلها..
أنه يُقابل سفر التكُوين الذي بدأ بالخليقة الجميلة وتقديم كُل إمكانية لآدم وحواء ليعيشا سفيرين لله، ووكيلين للسماء، وأعطيت لهما إمكانية الحياة الخالدة إن التصقا واتحدا بالرّب، وأعلنا محبتهما له بقبُول وصيته..
الدرجة الثانية (مز121): الله هُو: المُعين والحافظ، ومادامت المعركة هي بين الله وإبليس، فما علينا إلاّ أن نختبيء في المُخلّص الفريد الوحيد نشعر بالحاجة إلى رفع العينين إلى الله لا إلى الناس..
ينزل إلينا من السماء نقبله في حياتنا، ونصعد فيه كما على جبالٍ مقدسةٍ هُو وحده يحفظ أرجلنا من الزلّل، يحفظنا في النهار كما بالليل، ويحوّط بنا في دخُولنا وخرُوجنا، حتى يعبر بنا إلى الأبدية السعيدة..
الدرجة الثالثة (مز122): بالتجائنا إلى المُخلّص الفريد لا نعُود نُركز أنظارنا على الضيق، بل على وعُود الله الأمينة فتتهلّل نفُوسنا، فالفرح هُو: طريق العبُور إلي بيت الرّب الأبدي، فسرّ قُوتنا الرُوحية وغلبتُنا على إبليس هُو مزج الفرح بالتسبيح والصلاة، الذي يدخل بنا إلى بيته السماُوي الأبدي حيثُ لا موضع للضيق والألم ولا مكان للموت، بل فرح لا ينقطع..
إن كان سفر التكُوين قد انتهى بطلبة يُوسف من إخُوته، سائلاً إياهُم أن يُصعدُوا عظامه معهُم حين يفتقدهُم الرّب ويخرجهُم من مصر ويعبرُون إلى كنعان، فإن هذا المزمُور الذي يُمثل نهاية سفر التكُوين، يُعلن النُصرة على الموت، والانطلاق من هذا العالم الحاضر إلى أبدية مجيدة في كنعان، يبدأ السفر بجنة عدن المفقُودة، وينتهي بوصية يُوسف والموت..
المجمُوعة الثانية: المُخلّص المُحرّر..
مزامير (123-125)، تُمثل فترة الخرُوج، فالمزامير الثلاثة السابقة تقابل سفر التكُوين فيها نسترد الفردُوس السماوي عُوض جنة عدن المفقُودة، أما الثلاثة المزامير التالية فتقابل سفر الخرُوج..
الله هُو الملك الجالس على العرش في السماوات له القدرة على خلاص عبيده (123)، والعدُو يُريد أن يبتلع عبيد الرّب وهُم أحياء (124)، لكن الله يُحرّر المُؤمنين به (125)، وفي سفر الخرُوج يُخلّصهُم الملك الحقيقي من عبُودية فرعُون الذي غرق في البحر، أما المُؤمنُون فخلصُوا..
الدرجة الرابعة (مز123): التحرّر من عبُودية إبليس..
يبدأ الخرُوج بقبُولنا العبُودية المُفرحة للرّب التي تحمل تحرّراً من عبُودية إبليس المملُوء هُواناً، لا يطيق العالم عبُور النفس إلى السماء، فلا تنظر إلى الأعداء، بل إلى ساكن السماء القادر على كُل شيء..
الدرجة الخامسة (مز124): إبليس المقاوم يُود أن يفترسنا، لكن الله في جانبنا، مسيحنا بصليبه وموته، وقيامته وصعُوده رفعنا فُوق الفخاخ، صرنا به كالعُصفُور الطائر بجناحي الإيمان والحياة السماوية، والله يُحرّرنا من كُل مقاومة إبليس سواء بغضبه كزلزال لا يقدر أحد على مواجهته، أو طُوفان يجتاح بسيُوله دُون مقاومة، أو الافتراس كأسد زائر..
الدرجة السادسة (مز125): المسكن الأبدي، إذ يُقابل هذا المزمُور نهاية سفر الخرُوج، حيثُ أهتم مُوسى بإقامة خيمة الاجتماع وأثاثاتها كظل للسماويات، فالله ينقذ شعبه من تجارب العدُو ومعاركه، ويدخل بهُم إلى المسكن الأبدي صهيُون السماوية أورشليم العليا، فيها يفرز أولاد الله لينعمُوا بشركة الأمجاد الأبدية، ويطرد الأشرار خارجاً..
مسكننا الأبدي يحُثنا على الاتكال على مُخلّصنا، وتمتعنا بالقداسة فيه فليس من أمان لنا إلاّ في حضن مُخلّصنا الساكن في السماء..
المجمُوعة الثالثة: المُخلّص الذبيح والكاهن السماُوي..
تُمثل المزامير (126-128)، فترة اللاويين، إذ تكشف هذه المزامير عن: عمل الله في المتعبدين الحقيقيين، حيثُ يتمتعُون بالفرح العظيم (126) وسكناه في وسطهُم بكُونهُم مقدسه الخاص (127)، وتتحقّق الوحدة القائمة على الإيمان (128)، أنها تحقّق العبادة والقداسة بالله القدُوس..
الدرجة السابعة (مز126): تُمثل سفر اللاويين سفر القداسة، كُونُوا لي قديسين كما أنا قدُوس، حيثُ العبادة المُقدسة التي جُوهرها الفرح في الرّب فيُقيم منا أنهاراً مملُوءة بالنعمة، ومن ملئه نحنُ جميعاً أخذنا نعمةً فُوق نعمةٍ (يو16:1)، فهُو النهر العظيم، والغارس الذي يُقيم منا جنة إلهية..
الدرجة الثامنة (مز127): بيت الأسرة الأبدي كيف يمكن تحقيقه؟
إن التزم المُؤمن بالعمل لبناء بيت الرّب الداخلي، فالرّب هُو باني البيت وإن كانت الحرب عنيفة والعدُو قُوي، لكن الرّب هُو حافظ مدينته وحارسها وإن كان العمل مرهقاً، فالله واهب الراحة يُعطي أحباءه نُوماً..
الدرجة التاسعة (مز128): جمال بيت الرّب يكمن في بركة الله الحالة فيه، فإن كانت العبادة المُقدسة هي أيقُونة السماء (مز126)، فإنه يستحيل ممارستها بدُون النعمة الإلهية (مز127)، وهذه النعمة تعمل في خائفي الله أو الأتقياء العاملين برُوح التُواضع السالكين بالطاعة لكلمته..
المجمُوعة الرابعة: الصلب مع المُخلّص..
تُمثل المزامير (129-131) سفر العدد، فالكنيسة مُضطهدة منذ بدء نشأتها، ولا سبيل لخلاصها غير بالتُوبة والاتكال على الله..
الدرجة العاشرة (مز129): مع المسيح صُلبت، فالصلب مع المُخلّص يُحوّل طبيعتنا إلى جنة مُثمرة، وسفر العدد هُو سفر الرحلة في البرية، حيثُ يسير الشعب على شكل صليب، وكأنه يتمتع بكرامة الشركة مع المصلُوب فإن كان الحرث مُؤلماً لكنه يُهيء التُربة للغُرس والتمتع بحصادٍ، الصلب حوّل الطبيعة البشرية إلى جنة مُثمرة، وقت الحرث يهيئنا للحصاد..
الدرجة الحادية عشرة (مز130): التمتع بالرجاء وسط الضيق، رحلتنا في برية هذا العالم هي تمتع بالرجاء وانتظار خلاص الرّب العجيب:
(1) الخلاص من الضيق.. (2) المغفرة من الآثام..
(3) الانتقال من الظلمة.. (4) من التغرّب عن شعبه..
الدرجة الثانية عشرة (مز131): الفرح بالصليب، رحلتنا مع المصلُوب هي رحلة الفرح والسلام وسط الآلام حيثُ نختبر فرح الصليب، يصعب على الرضيع أن يقبل الفطم، ولا يُدرك أنها الخطُوة الأولى للدخُول مرحلة النضُوج، والتمتع بالحرية، فالفطم هُو قبُول الصليب..
المجمُوعة الخامسة: المُخلّص الإلهي الصديق..
تُمثل المزامير (132-134)، فترة التثنية حيثُ تكشف فيها عن التصاق مُوسى النبيّ بالله حتى آخر نسمة، وتُعلن عن نُصرتنا بكلمة الله، وكأننا في مُوكب النُصرة، نحمل تابُوت العهد (132)، نتمتع بالوحدة الأخُوية (133) نُسبح على الدُوام (134)، وهذه هي غاية سفر التثنية..
الدرجة الثالثة عشرة (مز132): الالتصاق بالرّب في بيته وأمام عرشه وفي مدينته، تختم أسفار مُوسى الخمسة بسفر التثنية، حيثُ نلمس صداقة مُوسى مع الله، وجاءت المزامير الثلاثة الأخيرة من مزامير المصاعد تدعُونا إلى هذه الصداقة، هنا تتهلّل نفُوسنا بالالتصاق بالرّب..
الدرجة الرابعة عشرة (مز133): التصاق واتحاد كنسي جماعي، إذ نرى حضن الآب مفتُوحاً يُرحب بنا، فندخل جميعاً برُوح الوحدة الكنسية كعرُوسٍ واحدةٍ، فالتصاقنا بالرّب ليس خلال العزلة والانفرادية، إنما خلال الحُب الأخُوي الصادق، والحياة الجماعية الكنسية..
عمل عدُو الخير أن يحطم الحياة الجماعية، ولّعلنا نذكر إبراهيم الخليل أب الآباء وما حدث بينه وبين لوط، وإسحق وما حدث بين ابنيه يعقُوب وعيسُو، وبين يعقُوب وخاله لابان، ويُوسف وإخُوته..
الدرجة الخامسة عشرة (مز134): الدخُول إلى المقادس الإلهية..
غاية هذا السُلّم ونهايته أن نبلغ إلى حضن الآب، حيثُ قدس الأقداس السماُوي، فبركة الرّب هي سرّ نُورها وجمالها وسلامها..





