بث مباشر لا يتجاوز نصف ساعة

في الأشهر الأخيرة، شهدت منصة "تيك توك" تدفقاً كبيراً للهدايا الافتراضية، التي قد تصل قيمتها إلى مئات الدولارات في دقائق معدودة.
 
لم تعد هذه الرموز مجرد وسيلة للتعبير عن الإعجاب، بل تحولت إلى أداة مالية مثيرة للجدل في المغرب، حيث يثير مستخدموها الشبهات حول استخدام التطبيقات كآلية لتحويل أموال مجهولة المصدر أو تمرير تحويلات مالية خارج النظام البنكي الرسمي.
 
من تفاعل بريء إلى تحويلات مالية مشبوهة
في بث مباشر لا يتجاوز نصف ساعة، يتلقى بعض صانعي المحتوى المغاربة هدايا مثل "ورود"، "أسود"، وسمك” بقيمة تتجاوز 300 دولار من حسابات مجهولة. يبدو المشهد عادياً، لكنه يخفي ما يعتبره خبراء "اقتصاداً رقمياً رمادياً"، قد يتحول إلى وسيلة لغسل الأموال والتسول الإلكتروني.
 
رصدت مراسلة "العربية.نت" تحولات مثيرة في البثوث المباشرة، التي لم تعد وسيلة للتسلية أو التعبير الشخصي، بل تعتمد على قصص واقعية مثل الزواج، بيع مواد غذائية بأسعار مرتفعة، أو نساء يروين قصص نجاح وسط أزمات عائلية لجذب التفاعل والمشاهدات.
 
موجات هدايا متزامنة وحسابات وهمية
كشف المرصد المغربي لحماية المستهلك، في معطيات خاصة لـ «العربية.نت»، أنه قدم للسلطات أكثر من 50 حساباً على "تيك توك"، "لايكي"، و"بيغو لايف"، بعد رصدها وهي تتلقى هدايا بمبالغ مرتفعة من حسابات مجهولة، مما يثير شبهات حول تحويل أموال مجهولة المصدر أو غسل أموال رقمي.
 
وأظهرت متابعة 6 حسابات تتلقى هدايا تصل أحيانا إلى 30 هدية خلال بث واحد من حسابات بأسماء عشوائية وخالية من الصور أو المحتوى، ما يوحي بأنها حسابات وهمية ُدارة بشكل منسق.
 
حاولت "العربية.نت" و"الحدث.نت" التواصل مع مؤثرين مغاربة حول الهدايا الرقمية، لكنهم لم يردوا. في المقابل، أعلنت صانعة المحتوى سكينة بنجلون عبر حساباتها أنها قدمت شكاية لإدارة تيك توك، مؤكدة تعرضها لحملة تشهير واستعمال صورها دون إذن، ومشيرة إلى تأثير الاتهامات المتعلقة بغسيل الأموال على صناع المحتوى.
 
خبراء يحذرون: علامات لغسل الأموال الرقمي
أوضح حسن خرجوج، خبير الهندسة الاجتماعية والرقمنة، أن الهدايا الرقمية تتحول إلى أموال قابلة للسحب عبر شراء "Coins" وتحويلها إلى أرصدة “Diamonds”، مما يتيح تمرير مبالغ مجهولة المصدر تحت غطاء الدعم الرقمي.
 
يرى أمين سامي، خبير اقتصادي، أن التدفق المتزامن للهدايا الرقمية قد يعكس تلاعباً أو تدوير أموال، ويشكل مؤشراً لغسيل أموال رقمي وفق معايير FATF، خصوصاً مع غياب الرقابة على المنصات الرقمية.
 
ماذا يقول القانون؟
قال محمد بن دقتق، محامي وخبير قانوني، إن غياب تشريعات واضحة للمعاملات المالية الرقمية يسهل استغلال الهدايا الرقمية لغسل الأموال أو إخفاء عائدات مشبوهة. وأكد أن المسؤولية القانونية تقع على المؤثر، داعياً إلى تحديث القانون المغربي لمواكبة الجرائم المالية الرقمية.
 
تحذر التقارير من أن الهدايا الرقمية تحولت إلى وسيلة لغسيل الأموال، داعيةً إلى حماية المستخدمين ووضع سقوف مالية. وحذر المرصد من استخدام الحسابات الوهمية لتبادل الهدايا بهدف تضخيم الأرباح خارج الرقابة المصرفية، داعياً إلى توثيق الهويات ومراقبة التحويلات المالية.