محرر الأقباط متحدون
التقى البابا لاون الرابع عشر عصر الجمعة في قاعة بولس السادس بالفاتيكان المشاركين في يوبيل الفرق السينودسية، والذين توافدوا إلى روما من مختلف أنحاء العالم لمناسبة السنة المقدسة. ومما لا شك فيه أن هذا الحدث الذي سلط الضوء على أهميته الكاردينال غريش يندرج في إطار المسيرة السينودسية التي انطلقت في العام ٢٠٢١، والتي أصبحت اليوم ركناً أساسياً للحياة الكنسية.
خلال اللقاء حاول البابا الإجابة على أسئلة طرحها عليه مندوبون قدموا من القارات الخمس، مشددا على ضرورة أن تصغي الكنيسة إلى الأشخاص، أن تسير إلى جانبهم وأن تكون كنيسة مرسلة. وقد تمحورت إجابات الحبر الأعظم حول التعلّم، التعلم من الآخرين، من الثقافات، ممن يعيشون على هامش المجتمع ومن معاناة العالم أيضا.
في معرض إجابته على سؤال بشأن المسيرة السينودسية في أفريقيا، التي هي عبارة عن عملية من النمو في المشاركة، تكون منفتحة على المجتمع المدني، لفت لاون الرابع عشر إلى أن لأفريقيا الكثير من الأمور التي يمكن أن تقدّمها للجميع، وذلك بفضل حس الجماعة السائد في القارة والقدرة على الصمود والتوق إلى السلام. وقال إنه لا ينبغي على الكنيسة أن تفرض نماذج متجانسة، بل عليها أن تعزز الارتداد الروحي الذي يجعل من المؤمنين أشخاصاً مرسلين وبناةً للأخوة، حتى في المجتمعات حيث المسيحيون هم أقلية. وأضاف أن السينودسية ليست حملة، بل هي نمط حياة بالنسبة للكنيسة.
بعدها أجاب البابا على سؤال يتعلق بهشاشة المنظومة الإيكولوجية في أوقيانيا، لاسيما في جزر المحيط الهادي، وبمسيرة اشتمال السكان الأصليين في القارة. وشدد على ضرورة ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام صرخة الأرض والفقراء، مذكراً بالرسالة العامة كن مسبحاً للبابا فرنسيس. وقال بريفوست إنه لا بد أن تُترجم السينودسية إلى خطوات عملية وملموسة من أجل تحقيق العدالة المناخية والاجتماعية، وأضاف أن للكنيسة صوتاً ولا بد أن تتسلح بالشجاعة اللازمة لرفع هذا الصوت من أجل تغيير العالم.
هذا ثم سئل الحبر الأعظم عن الصعوبات التي تواجهها بعض الأبرشيات في أمريكا الشمالية، وخصوصا في كندا، على صعيد فهم السينودسية التي يُنظر إليها غالباً على أنها تهديد للسلطة، وقال إن مقاومة هذه المسيرة تنبع من الخوف ومن المعرفة المحدودة جدا، من هذا المنطلق لا بُد أن تُبذل الجهود على صعيد تنشئة رجال الدين والعلمانيين على حد سواء. وشدد على أهمية أن يسير أعضاء الكنيسة معاً جنباً إلى جنب، لا بسرعات متفاوتة تفادياً لإحداث شرخ، كما يجب أن يكون هناك إجماع بشأن قيادة الكنيسة، بين الأساقفة والكهنة والرهبان والعلمانيين الرجال والنساء.
لم تخلُ كلمات البابا من التوقف عند الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط، ففي معرض إجابته على سؤال طرحه الأسقف الماروني منير خيرالله لافتا إلى المسيرة السينودسية التي تقوم بها الكنائس الشرقية، مع أنها تعاني من تبعات الحروب والاضطهادات، شاء لاون الرابع عشر أن يثني على الشهادة التي يقدمها المسيحيون في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنها علامة للرجاء في الأرض حيث قام الرب يسوع من بين الأموات. وشجع أبناء المنطقة على بناء الوحدة من خلال الحوار والمصالحة، محترمين في الوقت نفسه اختلاف التقاليد الليتورجية واللاهوتية بين الشرق والغرب. وقال: "من دون الاحترام المتبادل لا نستطيع أن نتعرف حقاً على بعضنا البعض".
فيما يتعلق بأمريكا اللاتينية عبر الحبر الأعظم عن امتنانه لروحانية الجماعة في القارة والتي تشكل مصدر إلهام بالنسبة للكنيسة كلها. ودعا المؤمنين هناك إلى إعادة اكتشاف حماسة الإيمان، الذي يولد من الإصغاء إلى كلمة الله، ويقود إلى الشركة والسلام. وقال بهذا الصدد إن الأشخاص الذين يعيشون إيمانهم بشجاعة يشكلون بالنسبة له مصدر إلهام أكثر من العمليات بحد ذاتها.
بعدها تناولت الحديث اللاهوتية المجرية كلارا شيزار التي تحدثت عن دور المرأة في الكنيسة وعن ضرورة إحداث تغيير ثقافي في الكنيسة. وأجاب البابا مستذكراً الأثر الذي تركته في حياته والدته والراهبات المرسلات في بيرو، مسلطاً الضوء على قيمة شجاعة المرأة في الحياة الكنسية. ولفت إلى وجود أحكام مسبقة ثقافية وتمييز وهي ممارسات تتعارض مع روح الإنجيل، متمنيا أن تصبح الكنيسة قوة للتبدل الثقافي، وأن تكون قادرة على تعزيز كرامة الأشخاص ومواهبهم. واعتبر أن المشكلة لا تكمن في غياب الفرص، بل في الحواجز الثقافية التي تمنع النساء من ممارسة مواهبهن، مشددا على أهمية أن ترافق الكنيسة هذا التغيير بشجاعة.
بالنسبة للقارة الآسيوية أجاب البابا على سؤال طرحه كاهن من ماليزيا بشأن حيوية المسيرة السينودسية في قارة تتميز بالتعددية الدينية والاجتماعية. ولفت لاون الرابع عشر إلى أن آسيا هي أرض مقدسة لا بد أن تُحترم، وحيث الحوار بين الأديان يكتسب معنى عميقا. وأكد على ضرورة أن يكون هناك تقاسم أكبر للموارد بين كنائس العالم، كي تتحقق المساواة وتُطبق العدالة ويُبنى التضامن. وأشار إلى أهمية أن تولّد السينودسية شركة ملموسة، على الصعيد الاقتصادي أيضا، لأن بناء كنيسة أخوية يعتمد على تقاسم الخيور المادية والروحية.
مما لا شك فيه أن اللقاء مع المشاركين في يوبيل الفرق السينودسية سلط الضوء على نظرة البابا لاون الرابع عشر إلى كنيسة سينودسية، إرسالية، تشمل الجميع، قادرة على أن تكون جسراً بين الثقافات والأديان. كما لا بد أن تصغي إلى صرخة الأرض والفقراء وأن تثمن مواهب جميع الرجال والنساء. وشدد الحبر الأعظم أيضا على أن السينودسية ليست نهجاً تنظيمياً، بل هي موقف روحي يرتكز إلى الإصغاء والشركة والمسؤولية المتقاسمة.
ومن خلال حوار البابا مع المندوبين الوافدين في القارات الخمس ظهرت فسيفساء من الخبرات المختلفة لكنها تلتقي مع بعضها البعض، إذ توحدها الرغبة في السير معاً في الإيمان وفي خدمة البشرية. في ختام كلمته شاء الحبر الأعظم أن يوجه دعوة بسيطة إلى الحاضرين طالباً منهم أن يتركوا الإصغاء يبدلهم، لأنه من خلال التعلّم من الآخرين تعلن الكنيسة البشارة، تبني السلام وتحافظ على بيتنا المشترك.




