كمال زاخر
الخميس 23 أكتوبر 2025
في واحدة من الإضاءات وسط صخب الجدل دعاني إبني لحضور احتفالية يتشارك فيها مع رفاقه من الشباب تشهدها قاعة الأنبا رويس بمقر الكلية الإكليريكية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بالقاهرة، وهي القاعة التي شيدها البابا يوساب الثاني وسميت وقتها "القاعة اليوسابية"، ثم صارات "القاعة المرقسية"، لتستقر مؤخراً باسم قاعة الأنبا رويس، وتغيير المسمي يكشف عن توجه الكنيسة في مراحله الثلاث.
شهدت هذه القاعة فاعليات روحية ثقافية عديدة، لعل ابرزها اللقاء الإسبوعي لأسقف التعليم ـ وقتها ـ الأنبا شنودة، في واحدة من تطور وتوسع هذا اللقاء، الذي بدأ على استحياء اجتماعاً محدوداً في مطعم الكلية الإكليريكية في منتصف ستينيات القرن العشرين، يضم طلبة الإكليريكية وأصدقائهم، ثم شهد إقبالاً متزايداً من الشباب فهو يشرع أبوابه للكل، سرعان ما ضاقت القاعة عن استيعاب الحضور المتنامي، لينتقل إلي تلك القاعة، كان السر في لغة المحاضر وثقافته التي تمزج بين الخلفية الروحية والعامة وقدرته علي عرض رؤيته بلغة تناسب العصر وقد تخلصت من سمات لغة وطرق الوعظ السائدة، لتقدم اسلوبا أكثر حميمية يجمع بين انضباط اللغة وبساطتها وقد اضفى عليها قدرات التواصل والتأثير التي يمتلكها، ربما واحدة من اسباب نجاح وتطور اللقاء هو طبيعة الموضوعات التي يطرحها، والتي كانت تتناول ما يشغل بال المتلقين من اشكاليات وأسئلة، وتبحث عن رؤية الكنيسة فيها.
كانت الإحتفالية التي ذهبت إليها مع ابني، تنظمها "مدرسة الكتاب" في مناسبة انقضاء موسم دراسي، وافتتاح موسم جديد، هذه المدرسة اسسها وتابعها الأب القس بولس حليم، عام 2002 عقب رسامته بنحو ستة أشهر، وهي تنويعة مُحَدَّثة على مدارس الأحد، بطبيعة متخصصة، غيماناً منه بالدور المحوري للكتاب المقدس في حياة الإنسان المسيحي وكدعامة تنير الطريق للإنسان القبطي الأرثوذكسي لفهم عقائده وطقوسه وليتورجيته لصيقة الصلة بالكتاب المقدس، والذي يمثل أحد أهم ممارساته الكنسية.
وفي كلمته الإفتتاحية أكد الأنبا رافائيل ـ الذي تقع الكنيسة صاحبة الاحتفالية في دائرة رعايته وخدمته ـ أكد على أهمية الكتاب المقدس في حياتنا، وفي تشكيل وعينا المسيحي، أشاد بدور مدرسة الكتاب التي تتطور وتنمو عاماً بعد عام، وبامتداد نحو ربع قرن، في تنشئة أجيال واعدة تجمع بين الوعي الكتابي والممارسة الكنسية باعتبارهما توأمان لا يمكن فصلهما، يُعلن المسيح بخبر البشارة المفرحة، والذي استنار ذهنه به عبر دراسته، وبالضرورة قراءته للكتاب المقدس، وبين ترجمة هذا عبر التسبيح الشخصي والجمعي فى صلوات وطقوس الكنيسة التي تتقدمها الليتورجية، قداساً وتسبحة. كما يقول الكتاب "أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ الْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ." (مز 22: 22).
كان مشهد الإحتفالية باعثاً للأمل، في مواجهة تيارات التشكيك، ومعاول الهدم، وجاءت لتؤكد أن الكنيسة أم ولود، مازالت عفية وفتية، فقد كان طابور خريجيها، بمستوياتها ومراحلها المتدرجة، متنوعاً بشكل يستحق الإنبهار، إذ جمع بين أطفال في المرحلة الإبتدائية، وصبية وشباب وفتيات في المراحل الأكبر سناً، حتي إلى مستوى الجامعة، اللافت أنها ضمت سيدات تجاوزوا مراحل التعليم هذه، ويعملن في وظائفهن أو من ربات البيوت، هذه التوليفة تؤكد عمل الكنيسة الجاد ووعيها بأهمية كلمة الله في ضبط بوصلة الحياة، والتي افاض في بيانها القديس بولس الرسول في رسالته للعبرانيين "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ." (ص 4 : 12)، وأوصي تلاميذه عبر رسائله بأن يعكفوا علي قراءة الكلمة القادرة أن تقودهم للخلاص.
ما هذه الطاقة المبدعة التي يتمتع بها شباب الكنيسة في ترتيب هذه الإحتفالية واخراجها بكل هذه الدقة والإبهار والعمق، سواء في ديكورات المكان والمسرح أو في انضباط ادارة المشهد، أو في ابداعات ما قدموه من فقرات، وبالأكثر المسرحية التي قدموها، ثمثيلاً وحواراً وإخراجاً وموسيقي وخلفيات سنيمائية، تنافس المحترفين وتكشف عن مواهب حقيقية، ووعي روحي وثقافي يبنيه فيهم كهنة وخدام مدرسة الكتاب بإبوة عكستها التفاف المشاركون حولهم.
وجاء شعار مدرسة الكتاب معبراً عن عملها وهدفها المدرسة، والذي صيغ في كلمات وقُدِّم ملحناً بين فقرات الإحتفالية تقول كلماته:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لحيرتى وشكوكى وأسألتى لفيت كتير ما لقيت جواب
لكن إلهى بنفسه جاوبني جوه عهدين الكتاب
وبقيت قارى وفاهم حافظ
وبقيت عايش دايق كارز
كل ده لما كنيستى رمتني فى حضن مدرسة الكتاب
***************
مع كل كلمة بتخرج من فم المسيح بعيش حياة
يوماتى باكل منها وبمشي وراه محدد الاتجاة
وبقيت ناصح مش متكاسل
قلبي معاه ناجح مش فاشل
كل ده لما كنيستى رمتني فى حضن مدرسة الكتاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأجد أن من حقي، بل ومن واجبي، أن أشيد بإبني مرقس كمال زاخر، الذي كتب ولحن وأدي هذا الشعار.
تقديري أن هذه الاحتفالية مساحة ضوء تبعث الأمل وتؤكد ما ذهبت إليه من تفاؤل وثقة بأن الغد محمل بما هو أفضل، وأن الكنيسة قد تمرض ولكنها أبداً لا تشيخ ولا تموت، بل يتجدد مثل النسر شبابها، فهي جسد المسيح "أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه".





