ماجد سوس
في بيتٍ صغيرٍ في إحدى القرى، خيم الحزن أربعة أيام كاملة. أختا الميت جلستا في صمتٍ يائس، والبيت يملؤه البكاء والأسى. الأخ الحبيب، مات. والأمل مات معه.
 
أرسلتا من قبل إلى يسوع ليأتي ويشفيه، لكنه لم يأتِ في الوقت. بدا كأن السماء تأخرت، وكأن الله صامت في اللحظات التي نحتاجه فيها. والأمر يتكرر معك ومعي إلى هذا اليوم حين نناديه أن يأتي فلا يأتي وبينما نتفكر في نسيانه لنا، نكتشف أن التأخر لم يكن نسيانًا، بل إعدادًا لعمل معجزي عجيب فوق تصور البشر بل فوق تصور الخليقة كلها.
 
حين وصل يسوع، لم يأتِ حاملاً الحزن والأسف، بل الرجاء. اقترب من مرثا أخت الميت وقال لها: “سيقوم” فأجابته : "أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة، في اليوم الأخير"، عندها أعلن المسيح إعلانًا خالدًا: “أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا.” لم يكن يتحدث فقط عن لعازر الذي في القبر، بل عن كل يأسٍ دفناه في قلوبنا، عن كل حلمٍ مات لأننا ظننا أن الوقت فات، وعن كل رجاءٍ خمد لأن المنطق قال إن الأمل انتهى. كم من مرة أغلقت الأبواب في وجوهنا وظننا أنه لن يفتح وكم من موت أصاب أمورا كثيرة جدا متناسين معها أن أولاد رئيس الحياة.
 
في طريقه إلى القبر، بكى يسوع. بكى رغم أنه يعلم أنه سيقيم لعازر بعد لحظات. بكى ليُظهر لنا أن الله لا يقف بعيدًا عن وجعنا، بل يشاركنا دموعنا قبل أن يغيّر واقعنا. بكي ليشعرك ويشعرني أن دموعنا غالية جدا عنده وأنه يحترم مشاعرنا وفي النهاية البكاء تعبيرا عن حبه الشديد للإنسان. ما أجملك يا يسوع وأنت تشعر بنا وبأتعابنا.
 
وصل إلى القبر وقال: “ارفعوا الحجر.” وكأنّه يقول لكل قلبٍ حزين: أزلوا الحواجز، افتحوا الطريق، لا تجعلوا الخوف يغلق باب الإيمان. وهناك، وسط رائحة الموت واليأس، نادى يسوع بصوتٍ مملوء سلطانًا: “لعازر، هلم خارجاً!” فتحرّكت الحياة في الجسد الذي أنتن، وخرج لعازر ملفوفًا بالأكفان. ثم قال الرب: “حلّوه ودعوه يذهب.” كلمات بسيطة، لكنها تختصر سرّ المعجزة: فالمسيح لا يكتفي بإقامة الحياة، بل يحرّرها من قيودها. 
 
إقامة لعازر ليست قصة حدثت في الماضي فحسب، بل هي شهادة متجددة أن الله قادر أن يحوّل أي موت إلى حياة، وأي يأس إلى رجاء، وأي طريق مغلق إلى بداية جديدة. كم من إنسانٍ قال الأطباء عنه “لا أمل”، فعاد إلى الحياة لأن يد الله لمست جسده! وكم من قلبٍ تحطّم بسبب خيانة أو فشل، ثم أقامه الله بقوة محبته! بل كم من شخصٍ فقد شغفه، فأنعش الله روحه وأعاده إلى النور! المنطق يقول “انتهى”، والعلم يقول “مستحيل”، أما الله فيقول: “إن آمنتِ، ترين مجد الله.”
 
المعجزة ليست فقط في قيام جسدٍ من الموت، بل في النفس التي تُقام من رمادها، في الإيمان الذي يولد من جديد بعد الخذلان، وفي الفرح الذي يخرج من قلبٍ كان يظن أنه لن يبتسم مرة أخرى. هذه هي قوة الله: أنه يصنع حياة في المكان الذي حكم عليه الناس بالموت، ويُظهر مجده في اللحظة التي يُغلق فيها الأمل أبوابه.
 
كثيرون يتصورون أن المعجزات والعجائب يقدمها الله للأبرار القديسين فقط بينما الحقيقة التي اعلنها مرارا أن الخاطي والضعيف والمجرم وقليل الإيمان والشاكك فيه، هم موضع حبه، هم من يقف يقرع على قلوبهم كل يوم ينتظر أن ينفتح القلب فيقدم للخاطي جسده ودمه وروحه ومعهم سلطانه.
 
يا رب، نادِنا كما ناديت لعازر، وأزل الحجر عن قلوبنا، وامنحنا إيمانًا يرى النور خلف الظلام، ويثق أن الحياة لا تُقاس بطول الأيام، بل بعمق الرجاء فيك. وإن وصلت أرواحنا إلى الموت، فسنحيا، لأنك أنت القيامة والحياة.