بقلم الأب يسطس الأورشليمى
يقول القديس يوحنا ذهبى الفم : " نعم ، إن قراءة الكتب المقدسة هى روضه ، بل هى فردوس أيضا لا يقدم زهوراً فحسب بل وثماراً تقدر أن تفوق النفوس " ، وفى موضع آخر يقول : " طوبى للرجل الذى فى ناموس الرب مسرته وفى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً لأن من يجلس قرب ينبوع الكتاب المقدس مرتوياً من مياهه على الدوام يتقبل فى نفسه ندى الروح القدس " .
† القديس بوليكاربوس أسقف أزمير يَتضح لنا من خلال أقواله أن الشعبَ على درايةٍ تامةٍ بالأسفارِ المقدسةِ، وأن الكتابَ المقدسَ هو مَنبعُ المعرفةِ الحقيقيةِ حيث يقول فى رسالته إلى فليبى: " إننى واثق بأنكم درستم جيداً الكتب المقدسة ولذلك لا يُخفَى عليكم شيء ".
† القديس أكليمندس السكندري يتحدث عن قراءة الإنجيل يومياً قبل الوجبة الرئيسية، كما طالب الزوجين أن يدرساه معاً كل يوم.
† القديس ايرونيموس طالب الأطفال بحفظ المزامير وحفظ قطع من الكتاب المقدس.
† يقول بابياس: " أن الكلمة المكتوبة حلت محل صوت الآباء ".
† القديس إيريناوس يقول: " إن الكتب المقدسة كاملة، إذ هي صادرة من الله وروحه، حتى وإن عجزنا عن إدراك أسرارها ".
† يقول العلامة أوريجانوس فى ختام عظته الثانية على سفر إرمياء: " فلنجمع على قدر ما نستطيع كلمات الكتاب المقدس ولنضعها بأمانة في قلوبنا، ولنحاول أن نطبقها في حياتنا حتى نكون أطهار قبل موعد رحلينا، فإذا ما أعددنا أعمالنا بما يتناسب مع هذا الرحيل فسوف نكون مستحقين أن نحسب مع الأبرار (مت22: 1)، ونستحق الخلاص بالمسيح يسوع الذي له المجد والسلطان إلي أبد الآبدين آمين "
وفى العظة الرابعة على نفس السفر يقول: " فلنقرأ الكتاب المقدس، ولننظر من فيه تبرر ومن فيه قد دين، ولنتمثل بالذين قد تبرروا، ولنتحاشى السقوط في أخطاء الذين أُسلِموا إلى السبي والذين طُرِدوا بعيدًا عن الله " .
يقول القديس باسيليوس الكبير فى رسالة إلى صديقه إيوستاثيوس في سباستيا: " أول كل شيء فعلته لأصلح مساري القديم في الحياة هو: إنني أختلط بالفقراء، وأمكث أقرأ في الكتاب المقدس"، كما يصف الكتاب المقدس بالمرشد الحقيقي فيقول: " إن أفضل مرشد إلى الطريق الصحيح، تستطيع أن تجده هو دراسة الكتاب المقدس بجدية، وفيه نجد الأساس الذي يبنى حياتنا، ففيه حياة الشخصيات العظيمة التي عاشت مع الله، وهى تشجعنا للإقتداء بها."
يقول القديس أثناسيوس الرسولي: " في كلمات الكتاب الرب هناك ".
يقول القديس غريغورس النيسي: " كل ما تقوله الكتب الإلهية هو صوت الروح القدس ".
يفترض الآباء عند عظاتهم حفظ الشعب لقطع كبيرة من الكتاب المقدس.
اقتبس الآباء كثيراً من الكتاب المقدس ولا سيما العهد الجديد أمثال اكليمنضس الروماني وبوليكاربوس أسقف أزمير و أغناطيوس الأنطاكى وهرماس صاحب كتاب الراعي، لدرجة أن قال البعض لو فرض أن ضاع أحد أسفار الكتاب المقدس لأمكننا أن نعيد كتابته من الاقتباسات الكثيرة الواردة في كتابات الآباء الأولين.
يقول يوحنا الدمشقي " كل الكتاب هو نفخة الله ونافع للتعليم من كل وجه، ولعل أفضل ما يفعله الإنسان ولخير نفسه أن يفتش الكتب المقدسة".
يقول القديس أوغسطينوس "ومن أجل ذلك يجب أن نخضع وأن نقبل سلطان الكتب المقدسة التي لا يمكن أن تخدع أو تُخدع ".
وفى منتصف القرن الثاني قام الآباء بترجمات الكتاب المقدس للاتينية وللسريانية وللقبطية التي قام بها بنتينوس.
من الأمور الهامة التى أهّلت البابا بطرس خاتم الشهداء (قبل أن يجلس على كرسى مارمرقس) لرئاسة مدرسة الإسكندرية، أنه عرف كيف ينسحب من حين لآخر عن العمل الكهنوتي للدراسة في الكتاب المقدس، حتى تأهل أن يكون مديراً لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، كما استحق لقب " المعلم البارع في المسيحية ".
تزيد عدد النسخ المخطوطة للعهد الجديد عن أربعة آلاف نسخة وهى أكثر من أي كتاب في العالم.
ظهرت كتب لتفسير الأناجيل والرسائل لبابياس، اكليمنضس السكندري، أوريجانوس، ديديموس الضرير، باسليوس الكبير، كيرلس عمود الدين و يوحنا ذهبي الفم.
ويتكلم القديس مقاريوس المصري في ( العظة 46) عن الذين يسمعون ولا يعملون فيقول: "هكذا الله الملك الحقيقي قد أرسل الكتب المقدسة منه للبشر وهو يعلن عن طريقها للناس وأنهم ينبغي أن يأتوا إلى الله ويدعوه بإيمان ويسألوا ويأخذوا الموهبة السماوية من اللاهوت نفسه، ولكن إن لم يأت الإنسان ويسأل وينال فأنه لا يستفيد شيءاً من قراءة الكتاب، بل بالأحرى فأنه يكون في خطر الموت لأنه لم يرد أن يأخذ عطية الملك السماوي التي بدونها لا يمكن الحصول على الحياة الأبدية "، وهذا ما عبر عنه القديس إيلاريون قائلاً: " إن الكتاب المقدس ليس بقراءته بل بفهمه".
يقول القديس ثيئوفيلس (القرن الثانى) :" و صوت الإنجيل مازال يعلم بألحاح فيما يتعلق بالطهارة قائلاً: " وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. " .
يركز ذهبى الفم " معرفة الكتب المقدسة تقوى الروح وتنقى الضمير وتنزع الشهوات الطاغية وتعمق الفضيلة وتتسامى بالعقل وتعطى قدرة لمواجهة المفاجآت غير المستقرة ، وتحمى من ضربات الشيطان وتطلقنا إلى السماء عينها ".
غير أن القراءة فقط للكتاب المقدس لا تكفى؛ بل يجب أن تقودنا هذه القراءة إلى المسيح نفسه كلمة الله المتجسد فتكون لنا شركة معه لنتمتع بالامتيازات الخاصة والهبات الفريدة التى منحها لنا الله بتجسد إبنه الوحيد من أجلنا ومن أجل خلاصنا وهى أن نصير شركاء الطبيعة الإلهية.
ويقول القديس غريغوريوس الكبير: "إن الكتاب المقدس رسالة من الله إلى خليقته فالكتاب المقدس يحمل إلينا الله، إذن فالكتاب المقدس هو كتاب الخلاص" ، ذلك الخلاص الذى تنبأت عنه أسفار العهد القديم وتحقيقه بمجىء الرب فى الجسد وعمله الخلاصى من أجلنا واستعلنه وقدمه لنا فى العهد الجديد هو " البشارة المفرحة " بالخلاص.
العلامة أوريجينوس: بالتقليد عُرفت الاناجيل الأربعة، وأنها وحدها صحيحة .
القديس كيرلس الأورشليمى: تعلَّم بإجتهاد من الكنيسة ما هى أسفار العهد القديم، وما هى أسفار العهد الجديد.
كان على الراهب أن يحفظ ويردد أجزاء مختلفة من الكتاب المقدس، وكان على الراهب الجديد أن يحفظ 20 مزمورًا ورسالتين من العهد الجديد.
وقد أكد D. Burton على أن [ القداسة فى البرية قد أُختبرت من خلال الأسلوب الذى به يسمح الراهب لنفسه أن تؤثر فيه كلمات الكتاب المقدس بعمق].
إن اهتمام آباء البرية بأهمية ومكانة الكتاب المقدس فى الحياة اليومية للرهبان والتأثير الذى يمكن أن يمارسه النص المكتوب على حياتهم الروحية، قاد إلى ظهور ما يسمى "مختصرات الكتاب المقدس" التى كانت تحوى أجزاء مختلفة من الكتاب المقدس. وهذه المختصرات قد ساهمت بشكل فعال فى دراسة وفهم الكتاب المقدس.
وبسبب صغر حجمها (15×11سم ، 7×5سم) كان لها انتشارًا واسعًا بين الرهبان، وكان يسهل حملها معهم سواء فى الكنيسة أو القلاية أو فى العمل.
لقد كان الكتاب المقدس بالنسبة للأنبا شنودة هو المصدر الدائم الذى استقى منه تعاليمه. ولقد أشار W.E. Crum إلى أن [ الدارسون للعهد الجديد سيجدون فى إشارات الأنبا شنودة التى لا تنتهى من العهد الجديد، شهادة لا تقدر بثمن والتى لا زالت خارج نطاق البحث..].
واستخدام الأنبا شنودة للكتاب المقدس وطرق تفسيره، يرجع إلى تفضيله نمطًا للتعليم له علاقة مباشرة بالحياة اليومية للإنسان داخل أو خارج الدير.
ولقد اختبر آباء البرية ما نسميه اليوم بالإنجيل المُعاش، إذ لدينا شهادة من القرن الخامس يقول فيها القديس مرقس الناسك [ إن أهمية الكتاب المقدس توجد فى التطبيق العملى لمحتواه].
ووفقًا لذلك نجد الأنبا باخوميوس، على الرغم من أنه كان الأب الروحى لمؤسسة رهبانية كبيرة، نجده ينتقل إلى أسقفية دندرة ويتجاوب مع رغبة أسقفها لبناء كنيسة لأبناء هذه المنطقة، ويذهب إلى هناك كل سبت وأحد ويخدم كقارئ بسيط للإنجيل حتى يتم رسامة كاهن لها.
فعندما تقدم بعض الرهبان إلى الأنبا أنطونيوس وقالوا له: " قل لنا كيف نخلص"، أجابهم: [ اسمعوا الكتاب المقدس وهذا يكفيكم ].
ولهذا يقول البروفيسور D. Tsamhj [إن أعمال وأقوال آباء البرية تبين أن كلمة الله يمكن أن يُعبر عنها، وأن تُعاش داخل مشاكل وتفصيلات الحياة اليومية. وهكذا يُستعلن ملكوت الله ليس بشكل مجرد ونظرى، ولكن داخل مكان وزمان محدد
وهكذا استطاع الأنبا شنودة أن يحقق التوازن بين العمل الروحى وتتميم القوانين الرهبانية، وبين العمل الاجتماعى والاهتمام بقضايا الوطن .





