هاني صبري – الخبير القانوني والمحامي بالنقض
وافق مجلس النواب خلال جلسته العامة اليوم نهائيا على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بعد الاعتراضات رئيس الجمهورية فى 8 مواد، ومن بين التعديلات التى أقرها المجلس اليوم تعديل المادة السادسة (إصدار) من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وذلك استجابة لملاحظات رئيس الجمهورية بإرجاء تطبيق القانون اعتبارا من أول أكتوبر من العام القضائي المقبل 2026.

يواجه مشروع قانون الإجراءات الجنائية جدلاً واسعًا خاصة بعد التعديلات التي أقرها المجلس، ومن بينها تعديل المادة 105 التى تجيز النيابة العامة استجواب المتهم في حالات الضرورة بدون حضور محاميه.  

في تقديري ان المادة 105 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، فيها شبهة عدم دستورية قوية تحيط به، ويتعارض مع الضمانات الدستورية لحق الدفاع.

ونري إن حماية حق الدفاع ليست مجرد قضية تخص المحامين وحدهم، بل هي قضية تخص كل مواطن قد يجد نفسه يومًا ما في مواجهة اتهام جنائي. إن إقصاء المحامي من التحقيق هو إقصاء للعدالة ذاتها، وهو بداية لتقويض الثقة في دولة القانون.

إن حضور المحامي مع المتهم خلال التحقيقات ليس ترفًا قانونيًا ولا إجراءً شكليًا، بل هو حق دستوري أصيل، أكده الدستور المصري في مواضع عدة، واعتبره حجر الزاوية لضمان العدالة الجنائية ومنع أي تجاوزات قد يتعرض لها المتهم. ويمكن تفصيل شبهة عدم الدستورية فيما يلي:-

أولا : مخالفة المادة (54) من الدستور المصري التي تنص على أن: “حق الدفاع أصالة أو بالنيابة حق مكفول، واستقلال المحاماة وحمايتها ضمان لكفالة حق الدفاع”.

وهذا النص يُعد ركيزة أساسية في المنظومة الدستورية، حيث لم يكتفِ بالإقرار بالحق في الدفاع، بل ربطه مباشرة باستقلال المحاماة وحمايتها، ليؤكد أن هذا الحق ليس مجرد مبدأ نظري، وإنما ضمانة عملية تُلزم الدولة ومؤسساتها كافة بتمكين المتهم من الاستعانة بمحامٍ أثناء جميع مراحل الدعوى، وخاصة التحقيقات الجنائية التي تُشكّل المرحلة الأخطر في تحديد مصير المتهم.

•فالنص أولاً: يقر بحق الدفاع أصالة أو بالوكالة، أي أن المتهم يستطيع أن يدافع عن نفسه، أو أن يُنيب عنه محاميًا، مما يعني أن حضور المحامي هو حق أصيل لا يجوز التفريط

ثانيًا: يجعل من استقلال المحاماة وحمايتها ضمانًا جوهريًا، بحيث يكون أي تقييد لدور المحامي إخلالًا بمبدأ دستوري صريح.

• ثالثًا: يفرض التزامًا على السلطات القضائية والتنفيذية بتمكين المحامي من أداء دوره الفعّال، وعدم إقصائه عن التحقيقات أو الحد من سلطاته.

وبذلك فإن المادة (54) تُشكل حائط الصد الأول ضد أي محاولات تشريعية أو تنفيذية لانتقاص حق الدفاع، وهي نصٌ قاطع يُبطل أي إجراء أو تعديل قانوني يتعارض مع مقتضاها.

هناك أسس أخرى تؤكد شبهة عدم الدستورية، وضرورة حضور المحامي•    
• المادة 67 من الدستور تُلزم بوجود محامٍ مع المتهم في الجنايات، ما يعكس خطورة الموقف وضرورة توفير الحماية الكاملة للمتهم.
•    المادة (98) من الدستور: تؤكد على حماية حقوق المحاماة باعتبارها ضمانة جوهرية لكفالة حق الدفاع.

ثانياً    • قانون الإجراءات الجنائية المصري ألزم بحضور المحامي مع المتهم في القضايا الجنائية، باعتباره شرطًا لصحة الإجراءات.
• محكمة النقض أكدت مرارًا أن حضور المحامي ليس مجرد مظهر شكلي، بل هو ركيزة جوهرية من ركائز العدالة الجنائية.

ثالثًا:  غياب المحامي قد يؤدي إلى بطلان التحقيقات، خصوصًا في الجنايات.
• حرمان المتهم من محامٍ يُعد انتقاصًا من حق الدفاع، وقد يؤدي إلى المساس بضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها دوليًا ووطنيًا.

رابعًا: الأبعاد الحقوقية والإنسانية
• إن تمكين المتهم من الاستعانة بمحامٍ ينسجم مع التزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن لكل متهم الحق في الدفاع والاستعانة بمحامٍ يختاره.

خامسًا: تعزيز الثقة في العدالة
• وجود المحامي في التحقيقات يضمن شفافية الإجراءات ويعزز ثقة المواطن في نزاهة منظومة العدالة.
• حضور المحامي يحول دون أي تعسف في استعمال السلطة، ويحافظ على ميزان العدالة بين الدولة والمواطن.

ونري إن حضور المحامي مع المتهم في التحقيقات الجنائية هو ضمانة دستورية وقانونية وإنسانية لا يجوز المساس بها أو الانتقاص منها. أي محاولة لتقويض هذا الحق تمثل خطرًا على استقرار النظام القضائي وعلى صورة مصر أمام المجتمع الدولي.

وفيها شبهة عدم الدستورية، ويجب التمسك الصارم بالنصوص الدستورية، وصون ضمانات الدفاع، وتحصينها من أي تعديل حفاظًا على العدالة وسيادة القانون، وصونًا للحقوق والحربات المكفولة للجميع.

كما يثار تساؤل يشغل ملايين المواطنين والمهتمين بالشأن القانوني: ما الذي يحدث بعد إقرار مجلس النواب لمشروع قانون الإجراءات الجنائية ؟ 
 ويُجيب على هذا التساؤل نص المادة (123) من الدستور المصري، والتي تنص على ما يلي: "لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ المجلس إياه، فإذا لم يُرد مشروع القانون في هذا الميعاد اعتُبر قانونًا وأُصدر، وإذا رُد في الميعاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانيةً بأغلبية ثلثي أعضائه، اعتُبر قانونًا وأُصدر".

ويبين من المادة (123)  سالفة الذكر أن اعتراض رئيس الجمهورية لا يؤدي إلى إسقاط مشروع القانون مباشرة، بل يُعيده إلى مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الإبلاغ. ويمتلك المجلس حينها صلاحية إعادة التصويت عليه، ويشترط لقبوله في هذه المرحلة الحصول على أغلبية ثلثي الأعضاء، فإذا تحقق هذا النصاب، يُعتبر المشروع قانونًا ملزمًا ويُصدر حتى دون موافقة رئيس الجمهورية. أما إذا لم تتحقق أغلبية الثلثين، فيُعتبر المشروع مرفوضًا ويُستبعد من الدورة التشريعية.

وهذه الآلية تمثل تجسيدًا عمليًا للتوازن بين السلطات، إذ تتيح لمؤسسة الرئاسة التعبير عن تحفظاتها، وتُبقي في ذات الوقت للسلطة التشريعية الكلمة الفصل، بشرط تحقيق النصاب المُوصوف، الأمر الذي يعزز من الشرعية الدستورية للعملية التشريعية، من منطلق الحرص على ضمان عدم المساس بحقوق المواطنين.

إن التمسك بحضور المحامي ليس مجرد مسألة إجرائية، بل هو عنوان للعدالة وحماية للحقوق وصون لسيادة القانون.

ونؤكد: لا داعي للقلق، فما زال الأمل قائماً، والحكم الفصل سيكون بيد المحكمة الدستورية العليا، باعتبارها الجهة الوحيدة المختصة برقابة دستورية القوانين، وأحكامها ملزمة لكافة سلطات الدولة وفق المادة (195) من الدستور، ونثق جميعاً في قضاء مصر الشامخ.