بقلم الأب يسطس الأورشليمى
إن الله يُقدم لنا الذهب والفضة، أي الحياة السماوية التي يُشار إليها بالذهب، وكلمة الله التي هي مصفاة سبع مرات كالفضة، يُشبع نُفوُسنا بالجسد المُقدس ولا يتركنا جائعين إلى شيء، بهذا تُجمل النفس، وتصلح أن تدخل مملكة عريسها، كملكة مزينة ببهاء عريسها الذي يسكُبه عليها، ويصير لها اسم مسيحها القدُوس..
بعد أن قدم الرّب للنفس كُل هذه الإمكانيات، إذ بها تخُونه وتنحرف وراء عريس آخر غير عريسها، وارتباطها بالأمُور الزمنية على حساب علاقتها بالله، وكما يقُول: لأني خطبتكُم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح (2كو2:12؛ 1تي15:2)، إذا مادامت النفس مُتحدة بعريسها وتسمع كلماته، وتتعلق به تنال منه ثمر الكلمة، وتلد أولاداً للمسيح وستخلُص بولادة الأولاد، حقاً طُوبى لهذه النفس المُخصبة التي ساهمت في إنجاب كلمة الرّب وتجاوبت في أحضانه بهذا تلد ذرية أصيلة، فتخرج الطهارة والبرّ والصبر والوداعة والمحبة والاتضاع وكُل نسل جليل..
هذا هُو الزنا الرُوحي الذي ترتكبه النفس بتركها الله عريسها وتلجأ إلى إبليس وطرقه، أما ملامح هذا الزنا الرُوحي فهي:
أولاً: الكبرياء، بدء السقُوط هُو الكبرياء حيثُ يتكل الإنسان على ذراعه البشري، فتتخلى عنه نعمة الله والذي يحب الكرامة لا يستطيع أن ينجُو من علل الهوان لأنها تطلب مجدها الذاتي..
ثانياً: تدنيس الجسد، إن كانت الثياب في الكتاب المُقدس تُشير إلى الجسد، فإن الله يُعاقب الإنسان الذي يجعل من جسده مرتفعات، أي مواضع شرّ، عليها تُقدم ذبائح للأوثان، فيجد الشيطان له مواضع كثيرة في الجسد خلال العين والأذن واليد والبطن، ويتحول جسدنا الصالح إلى آلات إثم للموت، لهذا يقُول الرسُول: لا تُقدمُوا أعضاءكُم آلات إثمٍ للخطية، بل قدمُوا ذواتكُم لله كأحياءٍ من الأموات وأعضاءكُم آلات برّ لله .. وأن تُقدمُوا أجسادكُم ذبيحةً حيةً مُقدسةً مرضيةً عند الله.. راجع الكتاب المُقدس (رو13:6؛ 1:12)..
ثالثاً: تدنيس مُقدسات الله، هكذا يُعاقب الرّب عرُوسه، ليس لأنها خانته فحسب بل لأنها أخذت مُقدساته لتستخدمها في خيانتها له، أنها أخذت الأشياء من مباخر وكُؤوس ومنارة ذهبية، وصهرت هذه وصنعت لنفسها تماثيل ذكُور للفساد والزنا، فصارت نفسها زانية..
هذا عن التفسير الحرفي، أما التفسير الرمزي، فهُو استبدال مفاهيم كلمة الله بمعانٍ مزيفة، فيصهر الأشرار الكلمة الإلهية التي قدمت لهُم لمجدهُم، ويستبدلون الحقّ بالباطل، والله بصُورة أخرى..
لقد قدم لنا الله النامُوس لمجدنا الداخلي لكننا نُسيء استخدامه، تأخذ النفس الجاحدة ذهبه وفضته، أي الأمُور السماوية الإلهية، وزيته وبخُوره، لا في رفع النفس إلى الحياة العليا، بل لخدمة أفكار زمنية، ويصير الإيمان بالنسبة لها ليس اتحاد مع الله، بل وسيلة لأهداف أرضية، فدافع الحُب الذي يهبه الله للبشرية يحول إلى شهوات جسدية..
ما يقُوله عن الحُب ينطبق على الغضب، فهُو عطية به يغضب الإنسان على نفسه ضد الخطية، لكن قد يُستخدم للغضب على الآخرين..
وأخذت ثيابك المُطرزة وغطيتها بها، ما هي هذه الثياب الجميلة المُزينة بالألوان إلا أحشاء الرحمة والاتضاع واحتمال الآخرين، هذه هي الزينة التي يتحلى بها المُؤمن ويتغطى، فالشيطان كصياد العصافير يصنع طُعماً ليصطاد بسهُولة العصافير مُقدماً طعاماً شهياً، يُخلط ويشُوش الأمُور ليهلك، فلنحرص ولنحذر إلا نندفع وراء هذه الخدع..
ووضعت أمامها زيتي وبخُوري، المعنى الحرفي عُوض استخدام الزيت والبخُور للمنارة الذهبية ومذبح البخُور، اُستخدما في العبادة الوثنية، الزيت يُشير إلى مسحة الرُوح، والبخُور إلى صلُوات القديسين، فعُوض التمتع بقيادة الرُوح القُدس، ورفع القلب للصلاة كي يتمتع المُؤمن بالشركة مع الله في ابنه يسُوع المسيح، تتحول عبادته إلى إرضاء الناس، والزيت والبخُور يُشيران إلى العبادة، عوض أن تكون سُلماً رُوحياً الارتفاع نحُو الأبديات تصير شكليات تخدم مصالحها الذاتية الأنا..
أما أنواع الطعام، فهي العطايا الإلهية التي يُقدمها الله لها، فتنحرف بها عن هدفها الرُوحي، ما هُو هذا الطعام الذي يُقدمه لنا الله ألا كلمته في العهدين: النامُوس والأنبياء هي السميذ، والعهد الجديد هُو العسل، كلمة الله في العهد القديم هي خُبزنا الذي نقتات عليه بدُونه ما كان يُمكننا أن نتعرف على مسيحنا في العهد الجديد الذي هُو: مشتهى الأمم، فما أصعب أن يرى الله وسائط الخلاص تُستخدم لحساب عدُوه..
رابعاً: تحطيم طاقات النفس والجسد، لقد صنع الشعب هذا حينما قدمُوا أطفالهُم الذين هُم أطفال الله وذبحُوهم وأجازُوهُم في النار في عبادات وثنية، كانت الأمهات يأخذن أطفالهن حديثي الولادة ويقدمُوهن ذبائح للإله ملُوخ، يستلمهُم الكاهن وعلى أصوات ضرب الطبُول العالية يُلقُون على أذرع الإله النحاسية المُحماة بالنار، فلا يسمع أحد صرخات الأطفال، بل يرقص الكُل طرباً ويزنُون كعبادة للإلة، أولاد الله يقدمُون ذبائح..
أما رمزياً فالبنُون والبنات الذين نلدهُم للرّب، ثُم نعُود فنذبحهُم لحساب الشيطان، فهُم طاقات النفس والجسد التي تتقدس بالرُوح القُدس، ثُم نعُود فننجسها في رجاسات شرّيرة، فالمُؤمن إذ يقبل من يدي الرّب المحّبة ليتسع قلبه بالحُب لله والناس، صارت لخدمة مملكة الظُلمة..
خامساً: تحولها إلى هياكل وثنية (24)، عوض أن تكُون النفس هيكلاً مُقدساً لسكنى الله فيها، تصير قبة للشيطان وتُقيم له مُوضعاً في كُل حياتها، لا فكر لها سوى ملذات الجسد، ومحّبة العالم..
سادساً: تخطيء بلا شبع، مع أن مصر وأشُور كانا متضادين، لكن اليهُود في ذلك الحين كانُوا في حالة عدم شبع، يقبلُون آلهة مصر وفي نفس الوقت آلهة أشُور، كالذي تتحول الخطيئة في حياته إلى حالة مرضية، يخطيء يميناً ويساراً بلا هدف وبلا شبع، كأن يسقط الإنسان في خطيئة الكبرياء وفي نفس الوقت يلتهب قلبه بالشهوات..
سابعاً: تخطيء بلا حياء (30)، لقد شبهها الرّب بامرأة زانية سليطة، ترتكب الخطيئة بلا حياء، تطلب الآخرين بلا مقابل..
إنها تُمثل المُتدين الذي يُخطيء، ويبقى في مظهره متديناً، فالشرّير يزني رُوحياً ويعترف في خجل، أما المُتدين فيزني وفي عدم حياء يحمل مظهر المُتدين، ما هي الهدايا التي تقدمها الزانية لعشاقها؟
إنها تأخذ ما لرجلها وتقدمه للزناة هذا ما يفعله الهراطقة حين يسيئُون فهم كلمة الله وعطاياه، فيستخدمُونها لحساب مملكة الظُلمة..
كيف يستر الله على خطايانا وينصحنا خفية لعلنا ننتصح، فإن أصرّرنا على الخطأ يسمح بالتأديب العلني لا للتشهير بل للتأديب، وهُنا إذ صارت في زناها ودخلت في حالة مرضية لا تشبع ولا تكف عن ارتكاب الخطية مع كُل عابر التزم الرّب لتأديبها أن يتدخل بقسُوة لأجل خلاصها، فالرّب يترك الفساد يُحطم نفسه بنفسه، راجع (حز37:16-39)..
إذ يندفع الإنسان نحُو الشرّ يُحرم من الوجُود مع الله فيسقط تحت الغضب الإلهي، فإن كان الله يغضب علينا لأنه يحبنا ويشتهي اتحادنا معه، فإننا إذ نصّر على رفضه لا يعُود يغضب، أي يتجاهلها فتفقد كُل حُب إلهي، لأن الذي يحبه الرّب يُؤدبه ويجلد كُل ابن يقبله، فالأب يرشد ابنه، والمُعلم لا يصحح طريق تلميذه لُو لم يحبه إذ يرى فيه علامات الوفاء وحينما يتوقف الطبيب عن الاهتمام بالمريض يكُون ذلك علامة يأسه منه، وحينما يسقط المُؤمن في الشرّ غالباً ما يكُون أشرّ من غير المُؤمن، لأنه يأخذ ما لله بالإمكانيات القُوية التي وُهبت له ويستخدمها للشرّ، لهذا يصير مثلاً أمام الكثيرين، وهنا يُعاتب الشعب أنهُم تركُوا الله كأب لهم، وصارت أمهم حيثية وأبُوهم أمُورياً من خلال اشتراكهُم معه في شرهُم..