سعيد عبد الحافظ
كانت أحداث ١١ سبتمبر وحربي افغانستان والعراق نقطة التحول الرئيسيه في سياسة الولايات المتحدة تجاه حركات الإسلام السياسي والتى أعتقد انها تحوت من منهج المواجهه الى مرحلة الإحتواء على أرضية الصفقات المتبادلة وهى تلك الفترة التى شهدت ميلاد أطروحة "نواه فيلدمان" من رحم السياقٍ المشحون عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من غزو أفغانستان والعراق. وهى الأحداث التى دفعت الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في علاقتها بالعالم الإسلامي وكان السؤال الكبير الذى يبحث عن إجابه هو هل يمكن تصدير الديمقراطية إلى مجتمعاتٍ مسلمة بالقوة، أم الأفضل أن يتم ذلك من خلال قوى محلية إصلاحية؟ وكانت محاولة الإجابه على هذا السؤال هى نقطة انطلاق فيلدمان لصياغة رؤيته عن «الإسلام والديمقراطية» بوصفها إجابة فكرية على مأزق ما بعد الجهاد، أي كيفية بناء شرعية سياسية جديدة لا تعادي الدين وفي ذات الوقت تضمن مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط
ويعد المفكر الأميركي نواه فيلدمان أحد أهم الأصوات التي حاولت إعادة صياغة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية. في كتابه بعد الجهاد، وكان جوهر ماطرحه فيلدمان أن الولايات المتحدة يجب أن تتوقف عن تحالفها التقليدي مع الأنظمة العسكرية، وأن تراهن بدلًا من ذلك على التيارات الإسلامية غير العنيفة، باعتبارها الأكثر تمثيلًا للشعوب والأقدر على إنتاج ديمقراطية مستقرة داخل بيئتها الدينية!!
وكان فيلدمان يرى أن الإسلام في جوهره لا يعارض مبادئ الشورى والمساءلة، وأن الشريعة يمكن أن تُعاد صياغتها في إطارٍ دستوري معاصر. واعتبر أن دمج الإسلاميين المعتدلين في العملية السياسية سيقلل من التطرّف ويُضعف حجج الجماعات العنيفة ولا شك ان هذه الفكرة وجدت ترحيبا واسعا في دوائر صنع القرار الأميركية، خاصة في عهد باراك أوباما وتحديدا
في خطابه الشهير في القاهرة عام 2009، والمحطه الثانية حين اندلعت ثورات الربيع العربي، تعاملت واشنطن بمرونة بل ودعم كامل لفكرة صعود الإسلاميين في مصر وتونس، معتبرة غير أن الواقع الذى فرضته ثورة ٣٠ يونيو .
في مصر أجهضت تماما تلك النظرية بل وهدمت اركانها، لا سيما أن تجربة الإخوان المسلمين في حكم مصر كانت بائسة وجاءت بنتيجة عكسية تمامًا لما توقّعه فيلدمان. وفشلت التجربة بسبب بنية جماعة الإخوان الفكرية التي لا تعترف بالآخر إلا كخصمٍ يحتاج إلى هداية أو إقصاء.
أما في تونس، فقد بدت حركة النهضة أكثر اعتدالًا من نظيرتها المصرية، وشاركت في صياغة دستورٍ توافقي عام 2014. لكن بعد سنواتٍ قليلة، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم الخلافات داخل مؤسسات الدولة، بدأت النهضة تُتَّهم بالتحكّم في مفاصل الإدارة والبرلمان عبر الولاءات الحزبية. وانتهت التجربة تماما بفوز الرئيس الحالى قيس بن سعيد عام 2021
وهو ما أثبت انه. حتى النموذج الأكثر “اعتدالًا” لم يستطع أن يتجاوز أزمة الفكر المغلق الذي يُخضع السياسة لهويةٍ دينية لا لعقدٍ أجتماعى يؤمن بالحقوق والحريات
وفي تركيا، أُعيد إنتاج النموذج نفسه ولكن بخطوات أكثر بطئا فحزب العدالة والتنمية، الذى بدا في بداياته مثالًا على “التوفيق بين الإسلام والديمقراطية”، قدّم خلال عقده الأول نموذجًا اقتصاديًا ناجحًا وإصلاحاتٍ قانونية جعلت الغرب يراه النسخة الواقعية من حلم فيلدمان.
غير أن تراكم السلطة بيد رجب طيب أردوغان منذ 2013 كشف الوجه الآخر: هيمنة على القضاء، تقييد للصحافة، وتطهير للمعارضة، حتى تحوّلت تركيا إلى نظامٍ رئاسي مركزي يختزل الدولة في شخص الزعيم. وهكذا انتهت التجربة من “الإسلام الديمقراطي” إلى “الإسلام السلطوي”، مكرّسةً الفكرة القائلة إن الديمقراطية لدى الإسلاميين تنتهي عند لحظة الفوز في الإنتخابات.
وكشفت هذه النماذج الثلاثة عن عن أن مشروع “الإسلام الديمقراطي” يعاني تناقضًا داخليًا لا يمكن تجاوزه بمجرد النوايا أو الخطاب المعتدل.