بقلم الأب يسطس الأورشليمى
تُمثل مزامير المصاعد (120- 134) وهي صدر المزامير في تسبحتي الغرُوب والنُوم، غايتها أن يقف المُؤمن مع نهاية كُل يوم يُحاسب نفسه ويُقيم حياته، ليتعرف إن كان في الطريق السليم لم ينحرف شمالاً ولا يميناً، وما هذا الطريق إلاّ انطلاق الإنسان كُل يوم صاعداً كما على سُلّم يعقُوب مرتفعاً من مجدٍ إلى مجدٍ، متمتعاً بالرّب القائم من الأموات..

حياتنا عبارة عن رحلة صعُود للنفس من وادي البكاء إلى أورشليم العليا وهكذا نشعر مع نهاية اليوم أننا في حضن إلهنا يصعد بنا إلى بيتنا الأبدي حيثُ قال لنا: في بيت أبي منازل كثيرةٌ، أنا أمضي لأعدّ لكُم مكاناً، حتى حيثُ أكُون أنا تكُونُون أنتمُ أيضاً، أنظر (يو2:14-4)، فعيُوننا تتركز على مُخلّصنا الذي يفتح أحضانه لنا، ويشتاق إلى تمتعنا بشركة أمجاده..

مزامير المصاعد (120-134)..

اسُتخدمت كلمة: مصاعد، ذلك في صعُود الملائكة على السُلّم الذي رآه يعقُوب، وفي صعُود مُوسى وهرُون على جبل الله.. 

يرى البعض أن كلمة: مصاعد، تُشير إلى التغنّي بهذه المزامير بصُوت مرتفع، وآخرُون يرُون أنها مزامير تصدر عن نفُوس مُتهلّلة مرتفعة نحُو السماويات، ويرى البعض أنه كان يُوجد مكان بجُوار المذبح حيثُ يُقام فيه منبر، يصعد عليه الكهنة خلال درجات وهُم يسبحُون بهذه المزامير..

قيل إن حزقيا الملك بعدما شُفي، وفي بهجته بعمل الله العجيب معه، نظّم عشرة مزامير ليقارنها بعشرة درجات دُوران الشمس..

هذه العلامة التي قدمها إشعياء النبيّ إلى الملك حزقيا بأن الرّب يشفيه أنظر (2مل8:20-10؛ إش38)، ثم أضيف إليها أربعة مزامير كتبها داود النبيّ ومزمُور كتبه سليمان الحكيم، ليصير المجمُوع خمسة عشر مزمُوراً تُقابل الخمس عشرة سنة التي أضافها الرّب لحياة حزقيا الملك..

أن هذه التسابيح دُعيت تسابيح الدرج، لأن العبرانيين كانُوا يترنمُون بها عندما عُتقوا وتحرّرُوا من أسر بابل، وصارُوا يصعدُون إلى أورشليم التي هي أعلى مكاناً من بابل القائمة على سطح الوادي..

يرى البعض أن هذه المزامير سُميت مزامير المصاعد، لأنها كانت تُنشد بواسطة الكهنة عند صعُودهُم درجات الهيكل الخمس عشرة كُل عام أثناء عيد المظال، منها سبع درجات تُؤدي إلى الدار الخارجية، وثماني درجات إلى الدار الداخلية، كما قيل إن فرق التسبيح المكُونة من اللاويين كانت تقف على كُل درجة لتُرنم أحد هذه المزامير كجزءٍ من الخدمة الدينية..

فقد كان القادمُون إلى أورشليم للاحتفال بالأعياد الثلاثة السنُوية الكبرى ينشدُونها، وهُم في طريقهُم صاعدين إلى هيكل أورشليم..

يتطلع الآباء إلى هذه المزامير بكُونها السُلّم الرُوحي، الذي تصعد خلاله النفس في الإلهيات من مرحلة إلى أخرى، تنطلق نحُو حضن الآب وتستقر فيه، أنها تصعد من أرض الغربة، وتتجه نحُو أورشليم العليا، وفي رحلتها هذه تتعرض لمعارك رُوحية من الداخل والخارج، لكنها تّتمتع بانتصارات تهبها رُوح الفرح بالرّب، حيثُ يُقدم المُؤمن تسبيحاً لله مُوحي به ويُمارس حياة تعبدية حتى يبلغ بيته الأبدي، ويلتقي بالأحضان الإلهية..