بقلم الأب يسطس الأورشليمى
بلدة النصيرات ومخيمها: تقع البلدة والمخيم على بعد 7 كم جنوبي غربي مدينة غزة، وتشكلان معاً مدينة متوسطة الحجم يبلغ عدد سكانها 45000 نسمة. تم في سنة 1991م اكتشاف أرضية فسيفسائية في النصيرات خلال عملية إزالة إحدى الكثبان الرملية لتل أم أمير بين منطقة الزوايدة والنصيرات، واكتشف أيضا عدد من الأعمدة الرخامية البيزنطية وأساسات وتيجان كورنثية وقطع نقدية وبيوت مبنية من الحجر الرملي والكلسي ومصنوعات يدوية. بعد هذا الاكتشاف قام مكتب الاثار الإسرائيلي بالتنقيب في الموقع، وكشف النقاب عن أرضية فسيفسائية ملونة تعود لكنيسة يعود تاريخها الى ما قبل سنة 538 م.
دير البلح:
تبعد هذه المدينة الساحلية القديمة حوالي 16 كم جنوبي غربي غزة، وتبعد عن مدينة خان يونس الواقعة جنوبها حوالي 10 كم. ويقع خط سكة الحديد الذى كان يصل بين مصر وغزة، المعطل حالياً، على بعد حوالي كيلو متر واحد من دير قديم لا تزال آثاره قائمة فيها. " الداروم " كلمة سامية شمالية تعني " الجنوب "، وكانت بوابة غزة الجنوبية تسمى باب الداروم أو الدارون نسبة إلى هذا الدير. أما التسمية الحالية للمدينة " دير البلح " فهي نسبة إلى أشجار النخيل الكثيرة فيها. كان للمدينة دور مهم أثناء الحروب الصليبية، حيث كانت إحدي المدن الرئيسية في مملكة بيت المقدس الصليبية، التي ضمت أيضاً القدس وعكا ونابلس. وكان في دير البلح في هذه الفترة قلعة مشهورة أنشأها عموري ملك القدس الصليبي ( 1162 – 1173 م ). كذلك كانت المدينة محطة مهمة من محطات البريد على الطريق الواصل بين القاهرة ودمشق في العصر المملوكي. مساحة أراضي دير البلح حوالي 15 الف دونوم، وأهم أشجاره النخيل والزيتون والحمضيات والتين.
تشتهر المدينة ايضا بالمجموعة المهمة من التوابيت المصنونعة على شكل إنسان، وقد وجدت في مقبرة دير البلح التى يعود تاريخها الى العصر البرونزي المتأخر والمنسوبة إلى ما يسمي بملوك الفلسطينيين. يعود تاريخ المقبرة إلى الفترة ما بين القرن الرابع عشر قبل الميلاد و 1200 قبل الميلاد. هذه المجموعة المدهشة من التوابيت ذات أغطية الوجوه المتحركة تشكل أكبر مجموعة من التوابيت المصنوعة على شكل إنسان والتى اكتشفت في فلسطين. وجدت التوابيت في مجمونعات من ثلاثة أو أكثر،وتبلغ المسافة بين كل مجموعة وأخري بين 3 – 4 أمتار. أكتشفت هذه التوابيت في قبور محفورة من حجر الكركار أو الطين الأحمر المواجهة نحو البحر. اكتششف مع هذه التوابيت كميات كبيرة من الأواني المصنوعة من الألباستر، ومنها تماثيل فرعونية صغيرة وأختام وحلي ذهبية وخرز من الذهب والأحجار الكريمة وأشكال كثيرة من الفخار الكنعاني والمايسيني والقبرصي والمصري، ويبدو أنها كانت تستخدم قرابين للدفن., تم التنقيب في مقبرة دير البلح بين عامي 1972، و 1982 م لمصلحة دائرة الآثار في الجامعة العبرية بالقدس وجمعية استكشاف إسرائيل. ليس في الموقع اليوم شيء من هذه الاثار لأن كل المكتشفات معروضة الآن في متحف الروكفلر ومتحف إسرائيل في القدس. في العام 1971م نظم الجنرال موشيه دايان الذى كان وزيراً لدفاع اسرائيل انذاك حملة تنقيب غير شرعية عن الآثار في المنطقة، وقد ضم كل المكتشفات التي وجدها إلى مقتنياته الشخصية التى احتفظ بها حتى وفاته، وبعد ذلك بيعت جميع هذه المقتنيات التى تضم مجموعة كبيرة من آثار دير البلح من قبل ورثته لمتحف إسرائيل.
تل الرقيش:
موقع أثري مهم ىخر يقع على ساحل دير البلح مباشرة.كشفت عمليات التنقيب التىجرت على التل عن وجود مستعمرة فينيقية كبيرة ومزدهرة وتبلغ مساحتها حوالي ( 650 × 150 م )، وفيها أسوار دفاعية ضخمة طولها حوالي ( 1600 م ) ومقبرة ذات طابع فنيقي لدفن رماد الجثث المحروقة التي يعود تاريخها إلى العصر الحديدى المتأخر وللفترة الفارسية ( 538 – 332 ق. م ). حجم الموقع ودفاعاته توحي بانه كان في يوم من الأيام ميناء بحرييا مهما جدا على الطريق التجاري الدولي القديم. وقد كشف المنقبون هنا أنواعا عديدة من القدور المصنونعة محلياً من الفخار المسمى الرقيش، إضافة إلى قطع فخارية فينيقية وقبرصية. هذا التنوع الكبير في المكتشفات الفخارية في المدينة يعكس أهمية الرقيش كمركز للتجارة البحرية والبرية على الطريق التجاري الواصل بين مصر وآسيا. قام بعملية التنقيب في بلدة الرقيش دائرة الآثار الفلسطينية التابعة لسلطات الانتداب البريطاني سنة 1940 م، ومن قبل دائرة الآثار والمتاحف الإسرائيلية سنة 1973 م، وفى سنة 1982 – 1984 م نقبت بعثة من جامعة بن غوريون الاسرائيلية في الموقع. يمكن اليوم رؤية بعض بقايا الأبنية المصنوعة من اللبن المجفف في الموقع.
يقع جامع الخضر والدير الصليبي على بعد حوالي 200 م جنوبي مركز مدينة دير البلح. يبدو أن المسجد مبنى فوق دير أقدم لأن خطة المبنى وعناقيده المصلبة تذكر بفن العمارة الصليبي. ويؤكد ذلك بعض النقوش اليونانية والتيجان الكورنثية والأعمدة الرخامية. اسم المسجد منسوب إلى القديس جورجس، وتعني الخضر باللغة العربية، وقد يكون هذا هو اسم الدير أيضا.
خان يونس:
تقع مدينة خان يونس على بعد حوالي 25 كم جنوبي مدينة غزة، وتبلغ مساحة المدينة حوالي 3000 دونم، ومركزها القيم يبعد حوالي 4 كم عن شاطي البحر. خان يونس هي ثانى اكبر مدينة في قطاع غزة، ويصل عدد سكانها ومخيمها المجاور الى الغرب أكثر من 124 الف نسمة يخترق وسط المدينة اليوةم بقايا خط السكة الحديد الذى يصل بين مصر وغزة ويمتد حتى أقصى شمالي فلسطين. نشأت مدينة خان يونس حول الخان المملوكي المعروف بهذا الاسم، وهو الخان الذى شيده الأمير يونس بن عبد الله النوروزي الدودار، السكرتير التنفيذي للسلطان الظاهر برقوق عام 789 هجرية / 1387 م. وهكذا يمكن نسبة الخان وبالتالي المدينة الى هذا الأمير. بنى الخان لخدمة القوافل التجارية التى تسلك الطريق الساحلي الواصل بين مصر وفلسطين وسوريا المعروف ب فياماريس، وليكون محطة من محطات البريد على امتداد هذا الطريق. تشتهر أراضي خان يونس بخصوبتها، وتزرع فيها أشجار الحمضيات والنخيل والزيتون واللوز والتين والمشمش والعنب والبطيخ والشمام، إلى جانب زراعة الخضروات بأنواعهنا. لمدينة خان يونس على شاطئ البحر أراضي خصبة تعرف باسم " المواصي " وتشتهر بزراعة اشجار النخيل والجوافة وأنواع كثيرة من الخضروات. تمثل المدينة مركزاً إدارياً للمنطقة، وسوقاً تجارياً للقري المحيطة بها، حيث يحضر سكان القري المجاورة منتجاتهم الزراعية لبيعها فيها.
لاشك أن أكثر موقع مثير للاهتمام في المدينة هو خان الأمير يونس الواقع في وسط المدينة. يسمى السكان المحليون الخان بالقلعة، لأنه كان في الفترة العثمانية ( 1517 – 1917 م ) يستخدم قاعدة عسكرية لحماية الطريق التجاري على طول ساحل البحر الابيض المتوسط. بني المماليك خلال فترة حكمهم لفلسطين ( 1250 – 1517 م ) الكثير من الخانات على طل الطريق الرئيسي بين القاهرة ودمشق الذى استخدم بصورة واسعة للتجارة والنشاطات العسكرية والخدمات البريدية. بني خان يونس من الحجر الكلسي المستورد والحجر الرملي المحلي. ومازال بالإمكان اليوم رؤية ألواح زجاجية في المبني كان قد تم استيرادها من الخارج. تم تدمير أجزاء كبيرة من الخان، ولكن القسم الجنوبي من الواجهة ما زال قائماً بطول 60 م وارتفاع 10 امتار. أما مئذنة الخان فما زمالت تشير الىمركز مدينة خان يونس. اختير مكان الخان الحالي ليس بسبب موقعه الاستراتيجي الممتاز فحسب ن ولكن ايضا بسبب تربة المنطقة الخصبة، وكثرة ينابيعها العذبة، وبالإضافة إلى ذلك وجود مقالع الحجر إلى الشرق من المدينة.
زار الكثير من الرحالة العرب والغربيين مدينة خان يونس وخانها الشهير. وقد وصفوه بأنه أفضل خان على الطريق القديم بين مصر وفلسطين. زار الرحالة الألماني شوماخر خان يونس سنة 1866 م، ووصف المدينة في مذكراته بالكلمات التالية: " فيها سوق رائع يحتوي علي كل أنواع البضائع من فواكه مجففة وحبوب وبقول إلى الخضروات بانواعها يحتل السوق القسم الجنوبي من البلدة، وهو منظم وتصميمه في غاية الدقة. أما المدينة فإن شوارعه متعامدة بعضها مع بعض وهي عريضة ونظيفة ". أما عن الخان نفسه فكتب: " هو عبارة عن مبني صغير وقديم، مربع الشكل، فيه عدد من الغرف المفروشة بفرشات لنوم الزبائن، مقابل الشارع هناك أسطبل للخيول، وغرفة معتمة لها باب واحد، وبها مدخنة وليس لها أية نوافذ، ومع ذلك فهي آمنة ومرغوب فيها للمسافرين خاصة في فصل الشتاء. إلى الشرق من الخان ترتفع مئذنة مسجد المدينة الرئيسي، والاثنان معاً، الخان والمسجد، تم بناؤهما على يد السلطان برقوق بعمارة عربية، وهما مبنيان من الحجر الرملي والرخام مع تفاصيل معمارية جميلة. يبلغ طول مبني الخان حوالي 72 م وعرضه حوالي 11.5 م عند البوابة، وهو مطوق من جهاته الأربع بأبراج دائرية. يتكون الخان من طابقين، الطابق السفلي للحيوانات، والطابق العلوي فيه غرف للضيوف وبه جامع. المبني اليوم في حالة سيئة، ويخشي أنه خلال فترة وجيزة سيصبح مغطي بأكوام من رمال الشاطئ ".
في القرن الأول من الفترة العثمانية ألي القرن السادس عشر الميلادي، استخدم الخان مكتبا للضرائب. ولكن دفاعات الخان الجيدة للغاية أهلته ليكون قلعة عسكرية خلال الفترة اللاحقة من عمر الإمبراطورية العثمانية. احتوى الخان على عناصر معمارية دفاعية جيدة كالأسوار الخارجية السميكة والأبراج وفتحات لرمي السهام ومساطب لقذف اللهب فوق المداخل، وما زال بلإمكان رؤية هذه العناصر المعمارية حتى اليوم. هذا النوع من الدفاعات يميز الخان في وسط الواجهة الأمامية، ويعلو المدخل قوس عليه ثلاثة نقوش عربية بارزة تحكي قصة البناء. في المركز نقش يحتوي على امس ولقب السلطان برقوق. وفي الأعلي اسم ولقب الأمير يونس، والحقل الأدني يظهر صورة فنجان مما يشير إلى وظيفة الأمير السابقة، وهي ساقي الخمبر للسلطان. يقع مسجد الخان في الطابق العلوي على الجهة اليسري للمدخل، وهو عبارة عن غرفة مربعة، ولكنها اليوم مدمرة كلياً تقريباً. أما مئذنة المسجد فلم يبق منها سوى جزء صغير فقط.
يقع مسجد المدينة الكبير مقابل الخان، ويمر من أمامه شارع البحر المؤدي الى الشاطئ. وفي المدينة اليوم متحف للآثار يضم عدداً من الأعمال الفسيفسائية الجميلة التى تم اكتشافها حديثا في قطاع غزة. بالقرب من خان يونس تقع المستوطنة الاسرائيلية " نيفي دكاليم " التي تشوه منظر الشاطئ الجميل، وهي واحدة من اكبر المستوطنات في قطاع غزة. الأسلاك الشائكة، وبالونات الرادار وأبراج القنص التابعة لهذه المستوطنة تذكر المرء بان غزة ما زالت بعد تحت الاحتلال رغم كل ما يقال.
عبسان:
تقع قرية عبسان على بعد 5 كم جنوبي شرقي مدينة خان يونس، وترتفع حوالي 75 م فوق سطح البحر. القرية مقسومة الى قسمين، وكل قسم يشكل بلدة قائمة بذاتها: عبسان الكبيرة إلى الجنوب، وعبسان الصغيرة الى الشمال. يبلغ عدد سكان الأولي حوالي 13 الف نسمة، وعدد سكان الثانية ثلاثة الاف. لكل منهما مجلس بلدي، ولكن العمران أصبح اليوم يصل بينهما. وهما مجاورتان لبلدة بني سهيلة الواقعة في منتصف الطريق بينهما وبين خان يونس، وكذلك خزاعة الواقعة شرقيهما. تبلغ مساحة أراضي عبسان حوالي 17 الف دنم.
من المواقع التاريخية المهمة المكتشفة حديثا في هذه المنطقة أرضية فسيفسائية في عبسان الكبيرة، ومقام يعرف بمقام خليل الرحمن. يعود تاريخ الأرضية الفسيفسائية إلى بداية القرن السابع الميلادي وقد اكتشفت في وسط القرية عام 1995 م من قبل دائرة الآثار الفلسطينية. هذا الآثر مثال جيد على الأرضيات الفسيفسائية البيزنطية في منطقة غزة. إلى الشمال منه مباشرة وجد المنقبون قبراً بيزنطياً مبنياً من الحجر الرملي، وهو مثل الأرضية الفسيفسائية ياخذ اتجاه شرقي – غربي. من الممكن أن يكون الشخص المدفون هنا هو راعي الكنيسة البيزنطية او الدير، اللذان تعود لهما الأرضية الفسيفسائية. كشفت المنقبون في القبر أيضا عن مصنوعات يدوية متنوعة بما في ذلك قطع زجاجية وفخار بيزنطي بالإضافة إلى عمودين رخاميين صغيرين من أصل بيزنطي.
يقع مقام خليل الرحمن على بعد حوالي 6 كم الى الشمال من الأرضية الفسيفسائية البيزنطية تقول الروايات إن إبراهيم الخليل توقف في هذه البقعة خلال رحلته بين مصر والخليل عبر بئر السبع. يتكون المقام من ضريح مربع الشكل مبنى من الرخام والحجر، وله عمودان رخاميان لا يعرف بالضبط متي بني هذا المقام على وجه الدقة، وربما كان قد بنى في بداية هذا القرن. من الواضح أن العمودين الرخاميين على مقام خليل الرحمن قد أخذا من المبني المدمر الذى ضم الأرضية الفسيفسائية.
رفح:
تقع مدينة رفح على بعد 38 كم جنوبي مدينة غزة. يبلغ عدد سكان المدينة ومخيماتها أكثر من 92 الف نسمة. ومخيماتها اكثر من 92 الف نسمة. كانت رفح مدينة حدودية مع مصر منذ أن رسمت الحدود بين مصر وفلسطين عام 1906 م. والمدينة مشهورة بكونها المدينة التي جرت فيها الاحتفالات بعرس كليوبترا. فيها، يمكن رؤية بقايا معابد للآلهة الرومانية، أرتيمس وابولون. وهي معروفة اليوم لأن بها نقطة عبور رئيسية إلى المناطق الفلسطينية " نقطة عبور رفح "، وهي ثاني أهم مخرج من قطاع غزة للعالم الخارجي بعد بيت حانون " ايرز ". وأيضا لأن مطار غزة الدولي يقع قريباً منها، جنوبي شرقي المدينة. وفوق ذلك تعتبر شواطئ رفح بكثبانها الرملية النقية وأشجار النخيل الجميلة على أطرافها، من أجمل وأروع شواطئ القطاع. تقف هذه الشواطئ شاهداً على أن المنطقة لديها الكثير لتقدمه للسياحة الفلسطينية ولكن إمكاناتها لم تكتشف بعد.
مخيم رفح:
يمثل هذا المخيم حالة خاصة ومحزنة بين جميع المخيمات الفلسطينية، فعندما رسمت الحدود بين مصر وإسرائيل عند اعادة سيناء إلى مصر وفقاً لاتفاقيات كامب ديفد سنة 1978 م، تم شطر المخيم الى نصفين.الحدود الجديدة لم تشطر فقط البيوت بل الناس وحتى العائلات ايضا. وبالرغم من الاحتجاجات الكثيرة على هذا الوضع في جميع انحاء العالم ، وبالرغم من الوعود الاسرائيلية بجمع شمل الاف الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم في مصر، فان الكثير من العائلات مازالت مقسمة بين مصر ومناطق السلطة الفلسطينية. إن المشهد اليومي للأطفال الفلسطينيين والشيوخ والنساء يتحدثون مع أفراد عائلاتهم على الجهة الأخري عبر السياج الحديدي الذي نصبه الاسرائيليون لمنظر يجرح القلب. إلى الجنوب من رفح تقع القرية السويدية، وسميت بذلك لأنها بنيت من قبل الحكومة السويدية في الخمسينيات من القرن العشرين للاجئين الصيادين.