هاني صبري – الخبير القانوني والمحامي بالنقض
أثارت التعديلات المقترحة على نصوص مشروع قانون الإجراءات الجنائية جدلاً واسعًا داخل أروقة البرلمان، انتهى بانسحاب ثلاثة نواب ونقيب المحامين اعتراضًا على إصرار الحكومة، ممثلة في وزارة العدل، على تعديل نص المادة (105) بما يتيح للنيابة العامة التحقيق مع المتهم دون حضور محاميه. وهو تعديل اعتبره المعترضون تعارضًا صريحًا مع الدستور واعتداءً على الضمانات الدستورية لحق الدفاع.

في تقديري الشخصي إن حماية حق الدفاع ليست مجرد قضية تخص المحامين وحدهم، بل هي قضية تخص كل مواطن قد يجد نفسه يومًا ما في مواجهة اتهام جنائي. إن إقصاء المحامي من التحقيق هو إقصاء للعدالة ذاتها، وهو بداية لتقويض الثقة في دولة القانون.

إن حضور المحامي مع المتهم خلال التحقيقات ليس ترفًا قانونيًا ولا إجراءً شكليًا، بل هو حق دستوري أصيل، أكده الدستور المصري في مواضع عدة، واعتبره حجر الزاوية لضمان العدالة الجنائية ومنع أي تجاوزات قد يتعرض لها المتهم.

أولاً: الأساس الدستوري
•  المادة (54) من الدستور المصري الا تنص على أن: “حق الدفاع أصالة أو بالنيابة حق مكفول، واستقلال المحاماة وحمايتها ضمان لكفالة حق الدفاع”.
وهذا النص يُعد ركيزة أساسية في المنظومة الدستورية، حيث لم يكتفِ بالإقرار بالحق في الدفاع، بل ربطه مباشرة باستقلال المحاماة وحمايتها، ليؤكد أن هذا الحق ليس مجرد مبدأ نظري، وإنما ضمانة عملية تُلزم الدولة ومؤسساتها كافة بتمكين المتهم من الاستعانة بمحامٍ أثناء جميع مراحل الدعوى، وخاصة التحقيقات الجنائية التي تُشكّل المرحلة الأخطر في تحديد مصير المتهم.

•فالنص أولاً: يقر بحق الدفاع أصالة أو بالوكالة، أي أن المتهم يستطيع أن يدافع عن نفسه، أو أن يُنيب عنه محاميًا، مما يعني أن حضور المحامي هو حق أصيل لا يجوز التفريط

ثانيًا: يجعل من استقلال المحاماة وحمايتها ضمانًا جوهريًا، بحيث يكون أي تقييد لدور المحامي إخلالًا بمبدأ دستوري صريح.
• ثالثًا: يفرض التزامًا على السلطات القضائية والتنفيذية بتمكين المحامي من أداء دوره الفعّال، وعدم إقصائه عن التحقيقات أو الحد من سلطاته.
وبذلك فإن المادة (54) تُشكل حائط الصد الأول ضد أي محاولات تشريعية أو تنفيذية لانتقاص حق الدفاع، وهي نصٌ قاطع يُبطل أي إجراء أو تعديل قانوني يتعارض مع مقتضاها.

هناك أسس أخرى تؤكد ضرورة حضور المحامي•    
• المادة 67 من الدستور تُلزم بوجود محامٍ مع المتهم في الجنايات، ما يعكس خطورة الموقف وضرورة توفير الحماية الكاملة للمتهم.
•    المادة (98) من الدستور: تؤكد على حماية حقوق المحاماة باعتبارها ضمانة جوهرية لكفالة حق الدفاع.

ثانيًا: الأهمية القانونية
    • قانون الإجراءات الجنائية المصري ألزم بحضور المحامي مع المتهم في القضايا الجنائية، باعتباره شرطًا لصحة الإجراءات.
• محكمة النقض أكدت مرارًا أن حضور المحامي ليس مجرد مظهر شكلي، بل هو ركيزة جوهرية من ركائز العدالة الجنائية.

ثالثًا: آثار غياب المحامي
• غياب المحامي قد يؤدي إلى بطلان التحقيقات، خصوصًا في الجنايات.
• حرمان المتهم من محامٍ يُعد انتقاصًا من حق الدفاع، وقد يؤدي إلى المساس بضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها دوليًا ووطنيًا.

رابعًا: الأبعاد الحقوقية والإنسانية
• إن تمكين المتهم من الاستعانة بمحامٍ ينسجم مع التزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن لكل متهم الحق في الدفاع والاستعانة بمحامٍ يختاره.

خامسًا: تعزيز الثقة في العدالة
• وجود المحامي في التحقيقات يضمن شفافية الإجراءات ويعزز ثقة المواطن في نزاهة منظومة العدالة.
• حضور المحامي يحول دون أي تعسف في استعمال السلطة، ويحافظ على ميزان العدالة بين الدولة والمواطن.
ونري إن حضور المحامي مع المتهم في التحقيقات الجنائية هو ضمانة دستورية وقانونية وإنسانية لا يجوز المساس بها أو الانتقاص منها. أي محاولة لتقويض هذا الحق تمثل خطرًا على استقرار النظام القضائي وعلى صورة مصر أمام المجتمع الدولي.
وعليه، فإننا نناشد المشرع والحكومة بضرورة التمسك الصارم بالنصوص الدستورية، وصون ضمانات الدفاع، وتحصينها من أي تعديل حفاظًا على العدالة وسيادة القانون، وصونًا للحقوق والحربات المكفولة للجميع.

لذلك نقترح:-
1. إجراء حوار مجتمعي واسع يضم البرلمان والحكومة ونقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني قبل إقرار أي تعديلات تخص الإجراءات الجنائية.
2. تعزيز دور نقابة المحامين باعتبارها شريكًا أساسيًا في صياغة التشريعات المتعلقة بحق الدفاع.
3. توسيع برامج التوعية القانونية للمواطنين للتأكيد على أن حضور المحامي حق دستوري ودرع واقٍ من أي تجاوزات.
4. التأكيد على التزام مصر بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان بما يحافظ على سمعتها ومكانتها عالميًا.
إن التمسك بحضور المحامي ليس مجرد مسألة إجرائية، بل هو عنوان للعدالة وحماية للحقوق وصون لسيادة القانون.