بقلم الأب يسطس الأورشليمى
كان هناك أماكن جديرة بالزيارة في مدينة غزة قبل أحداث 7 أكتوبر 2023م.
الجامع العمري الكبير:
يقع الجامع العمري الكبير في قلب البلدة القديمة في حي الدرج، وهو ربما أهم واجمل موقع تاريخي في غزة. وقد سمي المسجد بهذا الاسم نسبة الى خليفة المسلمين الثاني فاتح فلسطين، عمر بن الخطاب. وهو من اكبر المساجد في فلسطين، إذ تبلغ مساحته 4100 م2، وهو الأكبر والأقدم في قطاع غزة. اعتبر أهل غزة هذا المكان مقدسا منذ 3000 سنة، عندما كانوا يعبدون الأوثان. ومن المرجح أنه هو نفسه معبد الإله مارناس، إله المشتري في الفترة الرومانية., كان أهالي غزة في الفترة الرومانية يؤمون بتعدد الآلهة، واعتبرونا مارناس رئيسا لآلهة المدينة. ولذلك كان معبده أكبر وأعظمه من كل معابد المدينة الرومانية السبعة الأخري، ومن الأكبر في العالم. ومعابد غزة الأخري هي: معبد هيليوس ( الشمس )، ومعبد امزدويتي ( الزهرة )، ومعابد أبولو وبرسيفون وهيكيت، وهايرويون وتايكايون. وقد ورد في بعض الأساطير أن هذا المبعد هو نفسه الذى هدمه شمشون الجبار قائلا " علي وعلى أعدائي "، كما يروي العهد القديم من الكتاب المقدس.
وفي سنة 407 م حلت محل المعبد كنيسة بيزنطية دعيت بكنيسة يودوكسيا نسبة إلى الإمبراطورية البيزنطية يودوكسيا زوجة الإمبراطور أوكاديوس. امرت يودوكسيا المهندس المعماري روفينوس الانطاكى الأصل ببناء هذه الكنيسة التي دشنت يوم عيد الفصح أي في 14 نيسان سنة 407 م. ولكن الكنيسة دمرت خلال الغزو الفارسي لفلسطين سنة 614 م. والجزء الأكبر من المبني الحالي هو كاتدرائية صليبية يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر. ويمثل الباب الغربي للمسجد الحالي صورة جيدة عن فن العمارة الإيطالي من القرن الثاني عشر. ويري الزائر للمسجد من هذا الباب نقوشا لعناقيد وأوراق العنب وزهرة الليلي محفورة في أعلي الباب ثم حولت الكاتدرائية إلى مسجد مع نهاية القرن الثاني عشر وأضاف المسلمون للمسجد بابا من الشمال وهو معروف اليوم بباب التية، وبابا آخر من الشرق، وطبعاً مئذنة وقبلة الصلاة. وتشير الكتابات المحفورة على أبواب وجدران المسجد إلى الكثير من الترميمات والإضافات التى تم إدخالها على المسجد على يد ملوك وموظفين رسميين مختلفين على مر العصور الإسلامية المتعاقبة. فمكتبة المسجد التى تضم أكثر من 20000 مجلد في العلوم والفن اضيفت في عصر المماليك، ومؤسسها هو الظاهر بيبرس السلطان المملوكي الرابع ( 1260 – 1277 م ). هذا القائد العظيم مسؤول عن بناء معظم الأبنية في غزة. لقد دمر جزء كبير من المسجد خلال الحرب العالمية الأولي، ولكن المجلس الإسلامي الأعلي أعاد ترميمه سنة 1926 م.
قيصرية غزة أو سوق الذهب:
يقع سوق عند الباب الشمالي للمسجد العمري، وهو عبارة عن شارع مسقوف بعقد أسطواني يبلغ طوله 50 م،ونعرضه أقل من 3 أمتار،وهو واحد من أقدم وأهم الأسواق في المدينة. في هذا السوق يمكن صرف النقود أو الشيكات الى اية عملة وبسعر افضل من اسعار البنوك. لا يحتوى السوق على نقوش تشير إلى تاريخ بنائه، ولكن أسلوب بنائه يشير إلى أنه مملوكي. وهناك مخطوطة من ضمن أوقاف السلطان المملوكي قايتباي ( 1468 – 1496 م ) تذكر أن القيصرية بنيت على يد الشيخ شمس الدين عبد الوفا محمد الحمصي سنة 1476 م الذي عينه السلطان المملوكي جقمق قاضياً في غزة سنة 1448 م.
حمام السمرة:
يقع الحمام في حي الزيتون بالقرب من موقع خان الزيت الذى لم يعد له وجود اليوم للأسف، وهو احلمام الوحيد الذي مازال مستخدماً حتى اليوم في مدينة غزة. كانت المدينة في الماضي تحتوي على ستة حمامات مملوكية وتركية، ولم تكن تخدم أهل غزة والمناطق المجاورة فحسب بل التجار المسافرين وزوار المدينة ايضا. ويعود تاريخ الحمام إلى الفترة المملوكية بحسب ما هو منقوش على حجر التاسيس فوق الباب الرئيسي. ومن المرجّح اتن اسم السمرة يعود إلى السامريين، الذين يعتقد بأنهم سكنونا غزة وأداروا الحمام حتى فترة قريبة. والحمام مبني من حجر رملي، ويقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: جناح الاستقبال، والغرفة الساخنة ( أو قاعة الاستحمام )، وغرف تسخين المياه ( المرجل ). وينخفض سطح الحمام اليوم بثلاثة أمتار عن مستوى الشارع، ويقع مدخله الوحيد من الشمال باتجاه مركز المدينة. يفتح المدخل على ممر معقود يؤدي إلى قاعة استقبال مربعة مغطاة بقبة. أرضية هذه الغرفة مبلطة بالفسيفساء وبها أشكال هندسية مختلفة. في وسط القاعة حوض ماء مثمن الأضلاع، يحيط بمنصة بها عد من الفتحات لحفظ ملابس المستحمين.: وتتم إضاءة القاعة من خلال فتحات زجاجية في قبة الحمام. من غرفة الاستقبال الرحبة هذه هناك باب صغير من الحائط الشمالي يؤدي عبر ممر قصير الى غرفة الاستحمام الرئيسية بها اربع غرف صغيرة للاستحمام أرضياتها من الرخام وهي مبلطة بشكل مائل لتسهيل عملية صرف المياه عبر قنوات تحت غرفة الاستقبال. وتسخن ميناء الحمام بتمرير الهواء الساخن المنبعث من الفرن في الجهة الجنوبية للحمام الى بلاط الحمام في غرفة الاستحمام الرئيسية، وهناك مدخنة في الحائط الشمالي للحمام.
قصر الباشا أو حصن نابليون أو قلعة الرضوان:
يقع هذا المبني، وهو من المواقع التاريخية المهمة وواحد من أجمل المباني في غزة في حي الدرج عند آخر شارع الوحدة من الشرق. لا يوجد في البناء أية نقوش تدل على تاريخ تأسيسه، ولذلك فإن تحديد شخصية بانيه وتاريخ بنائه بدقة غير ممكن. يقال إن السلطان المملوكي المعروف الظاهر بيبرس البندكداري (1260 – 1277م) هو أول من شيد هذا القصر. حيث يروي أن بيبرس عندما كان أميراً زمار غزة عدة مرات أثناء مشاركته في الحروب الصليبية والمغول. ويقال إنه تزوج امرأة من غزة وعاش فيها لفترة ما ومن المحتمل أنههو الذى بني القصر إما خلال إقامته في غزة أو بعد ان أصبح سلطاناً ولكن القصر هدم وأعيد بناؤه وترميمه أكثر من مرة خلال الفترتين المملوكية والتركية.
يقع المخرج الرئيسي للقصر عند واجهته الجنوبية التى يبلغ طولها 18 متراً، والواجهة والمخرج مزينتان بقطع من الرخام، وعقود بها زخارف هندسية محفورة في الصخر. تمثل عمارة القصر وزخرفته نموذجاً للعمارة والفن الإسلامي في الفترة المملوكية، وهناك العديد من الأمثلة المشابهةخ له في كل من فلسطين ومصر، وقد استمر هذا التقليد المعماري خلال الفترة العثمانية. استخدم القصر كمقر للوالي التركي خلال الفترة العثمانية، واللقب المنسوب لصاحب هذا المنصب وهو " الباشا " يفسر الاسم الحالي للقصر " قصر الباشا " يعتقد البعض أن نابليون استخدم المكان مركزاً لقيادة حملته على عكا سنة 1799م، ولذلك يسمونه قلعة نابليون. خلال فترة الانتداب كان القصر مركزاً للشرطة، أما اليوم فهو مدرسة حكومية تسمى " مدرسة الزهراء الثانوية بنات "، وهناك أفكار لتسليمه إلى دائرة الآثار وتحويله إلى متحف أثري.
مسجد السيد هاشم:
يقع المسجد في حي الدرج ليس بعيداً عن الجامع العمري. وقد سمي بهذا الاسم نسبة الى هاشم جد النبي محمد، الذى يقال انه مدفون هنا يقع ضريح السيد هاشم عند الزاوية الشمالية الغربية للمسجد وهو مربع الشكل ومغطي بقبة يعتقد أن هاشم جد النبي كان تاجراً وكان يزور غزة كل عام، ويمضى الصيف فيها، وقدمات في غزة اثناء رحلته الأخيرة ودفن في كهف بجانب سور المدينة. بدأ أهل غزة بدفن موتاهم في المنطقة المجاورة في الفترة الإسلامية المبكرة تبركاً بجد الرسول، ولكن الجامع الحالي لم يبن إلا سنة 1850م بأمر من السلطان العثماني عبد المجيد الذي تحمل معظم النفقات.
يعد مسجد هاشم واحداً من أروع المباني التاريخية في مدينة غزة، وهو مبنى من حجارة قديمة تعود لمبان سابقة جري هدمها، وخصوصًا مسجد الجاولي في حي الزيتون والبلاخية التى أحضروا منها خسمة أعمدة استعملوها في بناء المساجد، ومن أبنية أخري من غزة وعسقلان. كان المسجد في السابق يضم مكتبة كبيرة، ومدرسة دينية، ولكنه قصف وهدمت أقسام كبيرة منه في الحرب العالمية الاولي، وأعاد المجلس الإسلامي الأعلي تجديده لاحقاً. يشبه مخطط بناء المسجد الحالي الذي تبلغ مساحته حونالي 2400م2 المخططات التقليدية للمساجد القديمة، فهو يحتوي على باحة مركزية مكشوفة مربعة الشكل، محاطة بأروقة للصلاة. القاعة الرئيسية للمسجد شبه مربعة، وبها محراب يتجه نحو القبلة، ومنبر، وهي مغطاة بعقود مصلبة. تقع مئذنة المسجد على واجههة رواق القبلة، وقد اعيد بناؤها سنة 1903 م بسبب وجود شقوق خطرة وميلان بها. وأضيفت الأروقة الشمالية والغربية أيضا في هذه الفترة.