القمص يوحنا نصيف
    المجلس المِلِّي هو مجلس مُعاوِن للإكليروس من أبناء الكنيسة القبطيّة الأُرثوذُكسيّة، يكونون في الغالبيّة من العِلمانيين، سواء من الرجال أو السيّدات.

    تاريخيًّا بدأت خدمة هذا المجلس في عهد البابا كيرلس الخامس في أواخر القرن التاسع عشر؛ من أجل مساعدة القيادة الكنسيّة في رعاية الشئون الإداريّة للكنيسة من أوقاف قبطيّة ومدارس، وتنظيم الأمور الماليّة والقانونيّة، كما يساهم في تقوية روابط العلاقات العامّة بين الكنيسة ورجال الدولة. هذا بالإضافة إلى دوره الهام في لجنة الترشيحات لانتخاب البابا الجديد، إذ -بحسب اللائحة المعمول بها حاليًا- فإنّ نصف أعضاء لجنة الترشيحات التي تُشرِف على عمليّة انتخاب أيّ بطريرك جديد هي من العلمانيّين أعضاء المجلس الملّي وهيئة الأوقاف القبطيّة.

    المُفتَرَض أن "المجلس المِلِّي" هو مُمثِّل للشعب القبطي، يُعبِّر عن اهتماماته ويرعى مصالحه.. لذلك فمن المهم أن يتقدَّم لعضويّته مَن يتميَّزون بالكفاءة في الإدارة، وحُبّ الكنيسة والغيرة على أبنائها.

    تشكيل المجلس يكون أحيانًا بالتعيين وأحيانًا بالانتخاب، وقد يكون مزيجًا من الاثنين. وربّما يكون من المناسب الآن مراجعة لائحة المجلس من كلّ ناحية، من جهة طريقة التشكيل ووظيفة المجلس والشروط اللازمة للعضويّة.

    يمكن اعتبار المجلس المِلِّي جزءًا من القيادة الإداريّة للكنيسة؛ أو لِنَقُلْ أنّه مجلس شمامسة كالذين اختارتهم الكنيسة ووضع الرسل الأيدي عليهم (أع6) ليقوموا بالخدمة الإداريّة للشعب المسيحي، من أجل أن يتفرَّغ الرسل للصلاة وتعليم كلمة الله.. وهنا ينبغي أن يفهم الجميع رسالة المجلس، فهي ليست للوجاهة أو للتسلية أو للشُّهرة، بل هي خدمة روحيّة حتّى وإن كان لها الشكل المادِّي في ظاهرها!

    مَرّ المجلس المِلِّي منذ إنشائه وحتى اليوم، بفترات متفاوتة من جهة النجاح والفشل في خدمة الكنيسة.. فكانت هناك فترات إيجابيّة أثمرَت أعمالاً مُمَيَّزة في صالح الكنيسة، وجاءت أيضًا فترات تَتَّسِم بالسلبيّة والتصرُّفات غير المنسجمة مع روح الخدمة ولا بتوافُق مع قيادات الكنيسة الروحيَّة من الإكليروس.. بينما ينبغي أن يكون الهدف الواحد للجميع هو خدمة الكنيسة ورعاية مصالحها وارتفاع شأنها.

    لعلّي الآن أعرض بعض الصفات التي ينبغي أن تتوافر كلّها، أو أغلبها على الأقل، في المرشَّح لعضويَّة المجلس المِلِّي، لكي تكون هذه العضويّة بنَّاءة ومُثمرة.. وهذه الصفات أهمها:

   1- أن يكون له علاقة حيّة مع الكنيسة في شركة العبادة والخدمة.. ويحترم الكنيسة عقيدةً وقيادةً وإكليروسًا، ويشعر بالمسؤوليّة عن سلام الكنيسة وبنيانها.

   2- أن يكون صاحب خبرة سابقة مشهود لها في الخدمة الكنسيّة، مُقَدِّمًا نفسه قدوة.. وحبّذا لو له خبرة ناجحة أيضًا في مجال تخصّصه، سواء كان في الإدارة أو في الأمور القانونيّة أو الهندسيّة أو العلاقات العامّة.

   3- أن يُتقِن العمل الجماعي ضمن فريق، ولديه قلب متّضع، مستعدًا باستمرار لتقديم الآخَرين عن نفسِهِ؛ وأن يكون مُخلِصًا في توجُّهاته بعيدًا عن طلب المديح أو المال أو الكرامات الدنيويّة، مُنكِرًا لذاته قبل أن يتقدَّم لحمل الصليب.. وهذه في الواقع من الصفات الجوهريّة التي لا غِنى عنها في أيّ عضو.

   4- أن يكون مُتفاعِلاً مع الناس، لكي يتلامس مع احتياجات الشَّعب وآلامهم.. ولديه رغبة حقيقيّة في خدمة الكنيسة وشبابها.

   5- أن يجيد فَنّ العلاقات مع الآخرين، بعيدًا عن التصادم أو التعالي أو المظهريّة أو الانفعالات الصّاخبة.

   6- ألاّ يكون مشغولاً بأعماله الخاصّة بشكل كبير، بحيث يكون له الوقت المناسب الذي يستطيع تقديمه لخدمة الكنيسة.. في حين أنّه لا مانع أبدًا من التفرُّغ الكامل أو الجزئي لخدمة الكنيسة بمرتّب مناسب.

   7- أن يكون صاحبَ رؤيةٍ مستقبليّة مُتّسعة، وذهنٍ مُستعِدٍّ للتطوُّر بشكل إيجابي، من أجل مواكبة كافّة متغيِّرات العصر، الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو السياسيّة أو التكنولوجيّة!

    أخيرًا، أودّ أن أنوِّه أنّ اسم "المجلس الملّي" في الحقيقة هو اسم قديم، وربّما حان الوقت لتغييره إلى اسم يناسب الوقت الحالي، ويُعبِّر بصورة أفضل عن وظيفته؛ خاصّةً أنّنا ككنيسة قبطيّة أُرثوذكسيّة لَسنا مُجرَّد مِلّة أو طائفة، بل نحن كنيسة عريقة يعرفها ويحترمها الآن العالم كلّه. لذلك فإنّني أطلب من حضراتكم أن تضعوا مشكورين في تعليقاتكم على هذا المقال، بعض الأسماء الأُخرى التي يُمكِن اقتراحها لتسمية هذا المجلس.

"ولْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ" (1كو14: 40).

"أعضاء كثيرة، ولكن جسد واحد" (1كو12: 20).

القمص يوحنا نصيف
أكتوبر 2025م