(إعداد: د. أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك)
على هامش انتصارات الـ6 من أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 1973، أعرض نَصًّا جميلًا ومُعبِّرًا لمُثلَّث الطُّوبى البابا فرنسيس، عن عَراقة وأهمّيّة وفاعِليّة بلدنا الحبيب مِصْر فيما يتعلّق بالسّلام في منطقة الشّرق الأوسط والعالم. لقد زار قداسةُ البابا بلدنا المبارك مِصْر ما بين الـ28 والـ29 من أبريل/نيسان لعام 2017؛ وهذا الحدثُ –بلا شكّ– زيارةٌ تاريخيّة. وقد تضمّنت هذه الزّيارة الرّسوليّة لمِصْرَ بدورها عدّة أحداث ولقاءات ومحاور؛ وقد جاء هذا النّصّ التّالي في كلمة قداسته أثناء اللّقاء مع السّلطات المدنيّة، بقاعة المؤتمرات بأوتيل ألماسة (28 أبريل/نيسان 2017).
«إن لمصر، بسبب تاريخها وموقعها الجغرافي الفريد، دورًا لا غنى عنه في الشرق الأوسط وبين البلدان التي تبحث عن حلول للمشاكل الملحة والمعقدة التي تحتاج إلى معالجة فورية، لتفادي الانحدار في دوامة عنف أكثر خطورة. أشير هنا إلى العنف الأعمى وغير الإنساني الناتج عن عدة عوامل: الرغبة الجامحة للسلطة؛ وتجارة الأسلحة؛ والمشاكل الاجتماعية الخطيرة والتطرف الديني الذي يستخدم اسم الله القدوس لارتكاب مجازر ومظالم مريعة [...]
لدى مصر، إذا، واجب فريد: واجب تقوية وتعزيز السلام في المنطقة أيضًا، برغم من كونها جريحة، فوق أرضها، نتيجة للعنف الأعمى. مثل هذه الأعمال تسببت، عن غير حق، في آلام للعديد من الأسر – وبعضها حاضر هنا اليوم – التي تبكي موت أبنائها وبناتها [...]
إزاء مشهد عالمي في غاية الحساسية والتعقيد، يجعلنا نفكّر في ما قد سمّيتُ "حربا عالمية على أجزاء"، يحتم علينا أن نؤكد أنه لا يمكن بناء الحضارة دون التبرؤ من أي أيديولوجية للشر، والعنف ومن كل تفسير متطرف يرمي إلى إلغاء الآخر وإبادة التنوع عن طريق التلاعب باسم الله القدوس والإساءة إليه. أنتم، يا فخامة الرئيس، قد تكلمتم عن هذا الأمر عدة مرات وفي مختلف المناسبات بوضوح يستحق كل إصغاء وتقدير.
علينا جميعا واجب أن نُعلِّم الأجيال الجديدة أن الله، خالق السماوات والأرض، ليس بحاجة إلى حماية من البشر بل، على العكس، هو الذي يحمي البشر؛ وهو لا يرغب مطلقًا في موت أبنائه بل في حياتهم وسعادتهم؛ وهو لا يمكن له أن يطلب العنف أو أن يبرره، إنما، على العكس، يرذله وينبذه. إن الإله الحقيقي يدعو للمحبة غير المشروطة، وللمغفرة المجانية، وللرحمة، وللاحترام المطلق لكل حياة، وللإخوّة ما بين أبنائه، مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين.
علينا واجب أن نؤكد معًا أن التاريخ لا يغفر لهؤلاء الذين ينادون بالعدالة ويمارسون الظلم؛ التاريخ لن يغفر لهؤلاء الذين يتحدّثون عن المساواة ويقصون المختلفين. علينا واجب أن نفضح باعة أوهام الآخرة، الذين يعظون بالكراهية كي يسرقوا من البسطاء حياتهم الحاضرة وحقّهم في العيش بكرامة، ويحوّلونهم إلى وقود حرب حارمين إياهم من إمكانيّة أن يختاروا بحرّية، وأن يؤمنوا بمسؤوليّة. وقد قلتم منذ دقائق، فخامة الرئيس، أن الله هو إله الحرّية، وهذا صحيح. يجب علينا أن ندحض الأفكار القاتلة والايديولوجيات المتطرفة، مؤكدين على أنه لا يمكن الجمع بين الإيمان الحقيقي والعنف؛ بين الله وأفعال الموت.
لكن التاريخ، خلافا لذلك، يكرِّم بناة السلام، الذين يناضلون من أجل عالم أفضل، بشجاعة وبدون عنف: "طوبى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ" (متى 5، 9)».