محرر الأقباط متحدون
تمر اليوم اثنان وخمسون سنة على معجزة السادس من أكتوبر 1973، يوم انتفضت فيه القوات المسلحة المصرية لتستعيد أرضها وكرامتها، وتطيح بأسطورة لا تقهر.
لم يكن النصر مجرّد حسابات عسكرية أو خططٍ دفاعية فحسب؛ بل كان تحوّلاً جذريًا في موازين القوى واستيقاظًا لإرادة شعبية وعسكرية متجددة، من تخطيط طويل بدأ بعد هزيمة 1967 وحروب الاستنزاف التي صقلت خبرات الجنود، إلى تنفيذ عمليّات هندسية وميدانية متقنة — كاستخدام المضخات المائية لهدم الساتر الترابي، وفرق الصاعقة التي تعطلت أمامها سرية دبابات إسرائيلية، وإجراءات محكمة لخداع الاستخبارات المعادية.
كل هذه المفردات شكّلت لوحة عسكرية متكاملة أثبتت أنّ النوعية القتالية للمقاتل المصري باتت عاملًا حاسمًا في الحسابات الاستراتيجية، وأنّ الروح المعنوية والتدريب والابتكار قادرة على قلب الموازين، كما أقرّ خصوم يعترفون بفارق النوع والجودة بين جندي 1973 ونظيره في أعوام سابقة.
وأعادت حرب أكتوبر للعالم العربي ثقة ضائعة منبوذة منذ 1967، وأدخلت أدوات ضغط استراتيجية جديدة كالتحكّم في مصادر الطاقة، ومهدت الطريق لنقاشات سياسية ومفاوضات مباشرة لم تكن متاحة سابقًا.
داخليًا، أثبتت خطة الخداع والإعداد شموليتها: من إخلاء المستشفيات عبر سيناريوهات مزيفة، إلى استيراد سلع استراتيجية بهدوء تام، وتوفير معدات هندسية بذرائع مدنية، كلها إجراءات مكنت القوات من الانطلاق بفعالية دون كشف النيات.
باختصار، لم يكن انتصار أكتوبر لحظة عابرة، بل نقطة فاصلة صنعتها إرادة إنسان، وتخطيط عميق، وابتكار تقنيّ ولوجستيّ حوّل الهزيمة السابقة إلى درسٍ تاريخيّ أعاد تشكيل السياسات والمفاهيم العسكرية والإقليمية لعقود لاحقة.