الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
تحتفل اليوم الكنيسة، وبشكلٍ خاصّ الرهبان والراهبات الفرنسيسكان والدومنيكان بعيد القدّيس فرنسيس الأسيزيّ، ذاك الرجل البسيط الذي صار إنجيلًا حيًّا، وصار علامة رجاء وفرح في الكنيسة والعالم. حين نذكر فرنسيس، يتبادر إلى أذهاننا الفقر والبساطة وحبّ الخليقة. لكن يوجد بُعدان أساسيّان لا بدّ أن نتأمّل فيهما اليوم: "الفرح الكامل" و"الزهد في السلطة.

يحدّثنا التقليد الفرنسيسكانيّ عن حوارٍ مؤثّر بين القدّيس فرنسيس والأخ ليون يشرح فيه معنى "الفرح الكامل".

(مختصر الحوار): وبينما كانا يسيران في برد الشتاء، قال فرنسيس لليون: «لو صنع الإخوة معجزات، أو عرفوا كلّ العلوم، أو اهتدى على أيديهم الجميع… "فليس هذا هو الفرح الكامل"». فسأله الأخ ليون: «فما الفرح إذًا؟». أجاب فرنسيس: «إذا وصلنا إلى الدير مبلّلين من المطر ومتجمّدين وجائعين، فطردنا الراهب البوّاب وأهاننا، وقبلنا كلَّ ذلك بصبرٍ ومحبّةٍ من أجل المسيح، فهنا الفرح الكامل».

هذا هو قلب الرسالة: الفرح لا يقوم على ما ننجز أو نملك، بل على أن نتشبّه بيسوع المصلوب الذي أحبّ حتّى النهاية (راجع رواية «الأزهار»، الفصل الثامن).

وهذا الفرح الكامل لا ينفصل عن بُعدٍ آخر في حياة فرنسيس: زهده في السلطة. حين أسّس الرهبنة الفرنسيسكانية، لم يُرِد أن يكون هو المرجع المطلق الذي يفرض سلطته على الإخوة؛ لم يشأ أن يؤسّس جماعة تتبعه هو، بل أرادها جماعة إخوةٍ رهبان يسيرون خلف المسيح وحده، داخل الكنيسة. هكذا صار فقرُه تجرّدًا لا عن المال والممتلكات فقط، بل عن التملّك الروحي واحتكار القيادة؛ ترك المكان للروح القدس ليقود الجماعة، فكانت الطاعة للمسيح أوّلًا، وللإنجيل معيارًا، وللشركة الأخويّة إطارًا.

من هنا نفهم أنّ "الفرح الكامل" عند فرنسيس يزدهر فقط حين يتحرّر القلب من تعلّقٍ بسلطةٍ أو مجدٍ شخصيّ. يَولدُ الفرح عندما نُخلي ذواتنا ونسمح للمسيح أن يقود حياتنا وخدمتنا. فالقيادة المسيحيّة ليست تسلّطًا بل خدمة، وليست امتلاكًا للآخرين بل فسح مجال لنعمة الله فيهم.

لنتعلّم اليوم من فرنسيس ألّا نفتّش عن فرحٍ زائف في الإنجازات أو في السيطرة، بل أن نكتشف "الفرح الكامل" في حمل الصليب مع المسيح، وفي عيش الخدمة والتواضع والشركة. عندئذ فقط نصير حقًّا إخوةً وأخواتٍ أحرارًا في المسيح، ونشهد لإنجيله بسلامٍ وفرح.

في عيد مار فرنسيس فلنطلب بشفاعتهأن يمنحنا الرب "فرحًا كاملاً" لا يزول، وأن يحرّر قلوبنا من حبّ السلطة، فنحيا أمناء للمسيح وحده، الذي له المجد إلى الأبد.

راجع:
I Fioretti di San Francesco, cap. VIII – Racconto della “perfetta letizia”
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ