بقلم :عادل شاكر
أعلن الرئيس الأمريكي خطة جديدة للسلام تهدف إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة وتحرير الرهائن الإسرائيليين، واقتراح تشكيل إدارة انتقالية للقطاع برئاسة أمريكية وبمشاركة دولية. تتضمن الخطة بنودًا صريحة لتفكيك القدرات العسكرية لحماس وتسليم السلاح، مقابل تهدئة فورية وإجراءات لإعادة الإعمار وإدخال المساعدات. هذه الوقائع لم تأتِ من فراغ — الإعلان لاقى صدى دولياً واسعاً واهتماماً من الأمم المتحدة والدول الإقليمية. 

لكن السؤال الأعمق والأكثر إيلامًا هو: لمن ستكون غزة بعد هذا كله؟ تحت حُجَّة "ترسيخ الأمن" و"منع التهديد"، تتحوّل الخطة عمليًا إلى تصفية لخيارات الفلسطينيين السياسية، إلى مشروع يزيح حماس من المشهد ويعيد ترتيب السيادة على الأرض بآليات دولية ومحلية قد تُنتج واقعًا جديدًا لا يشبه الماضي. كما أن قيود التفويض والأدوات الأمنية التي تُقترح قد تقود إلى وضعية شبه حكم احتلالي أو انتقالي تُسيطر عليها قوى خارجية أو قوى محلية موالية لجهات الضامنة، بعيدًا عن حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. 

المخرج الذي تطرحه الخطة — قبوله أو رفضه من قبل حماس — يُصوّر كخيار ثنائي مبسّط: إما قبول للخطة وترك الساحة، أو رفض يُفضي إلى مزيد من المأساة. في هذه المقاربة، تُحمَّل المقاومة وحدها مسؤولية استمرار نزيف الدم، بينما تُعرض الدولة الوطنية الفلسطينية نفسها كضحية لصفقة استراتيجية تُحتكم فيها المصالح الكبرى. حتى لو أنهت الخطة القتال مؤقتًا وأفرجت عن رهائن، فإنها قد تُنهي أيضًا إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة أو على الأقل تُؤخرها سنوات طويلة وتحوّل مطالب الحقوق الوطنية إلى ترتيبات أمنية تقنية. 

النتيجة المرجّحة — إن سارت الأمور وفق ما تُرسمه الدول الكبرى — أن الخاسر الأكبر سيكون الشعب الفلسطيني. خسارة الأرض لا تُقاس بالبنايات المهدمة أو بالحدود وحدها، بل بفقدان الأفق السياسي: بعد تفكيك البنية العسكرية لحماس وإخراجها من المعادلة، وبعد إدارة قطاع تُدار بنفوذ خارجي أو عبر سلطة مُشكّلة بشروط مُعيّنة، سيصير من الصعب استعادة أي مشروع سياسي تحرري أو دولة قابلة للحياة. وفي مقابل ذلك، ستُروّج الخطّة دوليًا كـ"حل واقعي" لإنهاء المعاناة — لكن من سيقيس المعاناة الجديدة التي تفرضها خسارة الحقوق والسيادة؟ 

ليس هذا دفاعًا عن العنف أو تجسيدًا لمشروع عسـكري؛ بل إدراك منطقي لمآلات الحلول التي تضع الأمن قبل العدالة. لا يمكن فصل المعادلة: أمن مستدام يُبنى عبر حل سياسي عادل يُعيد الحقوق ويعالج أسباب الصراع — لا عبر إدارة مؤقتة تُبعد الشعب عن قرار مصيره. إذا ما كانت غزة ستصبح "أمرًا واقعًا" محكومًا بشروط دولية وأدوار خارجية، فإن هذه الخطة ستكتب فصلًا واضحًا في تاريخ من فقدوا دولتهم قبل أن يبنوا سلامًا حقيقيًا.

في نهاية المطاف، عنوان هذا المقال ليس نبأ بل نذير: "غزة لن تعود" تحذير من أن السلام الذي يُفرض من الأعلى، دون مشاركة حقيقية وإنصاف، قد يصبح غطاءً لطمس الحقوق. وإذا كان الهدف حقًا إنهاء المعاناة، فيجب أن يبنى الحل على مبادئ العدالة والكرامة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وليس مجرد ترتيبات إدارية أو أمنية.