أحمد الخميسي 
في  28 مايو هذا العام صرح ادوارد بيد – المدير الاقليمي لليونسف في الشرق الأوسط – بأنه منذ أن بدأت اسرائيل حربها على غزة منذ عامين قتل وأصيب أكثر من خمسين ألف طفل فلسطيني، ورغم ذلك مازالت المقاومة مستمرة، ومازال العدوان لا يستطيع الوصول إلى " حنظلة " الذي يقطع الطريق كل يوم من بيته إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى أهله، وعلى كتفيه أحلام وطنه بالحرية والكرامة .
 
" حنظلة " الشخصية التي اخترعها الرسام العبقري ناجي العلي، بحيث لا نرى وجهه،  لكي يتخيل كل منا قدر استطاعته عذاب حنظلة غير المحدود.
 
لقد أخفى ناجي العلي وجه حنظلة ، ليبرز لنا آلامه وصبره وشجاعته، وفي فيلم " ذهب مع الريح " المأخوذ عن رواية مرجريت ميتشيل يتفجر حزن البطل " رد باتلور" على وفاة طفلته الوحيدة، وهنا ارتأى المخرج فيكتور فليمنج أن أفضل وسيلة لنقل أحزان الأب العميقة ليست بتصوير وجه الوالد لكن بوضعه في غرفة منعزلة بحيث لا نراه، فيتسع خيالنا لصور الحزن . بهذه الرؤية خلق ناجي العلي شخصية حنظلة الصغير الذي لا يموت، ولا ينكسر تحت وابل القنابل والهدم والقتل. وبذلك أضاف العلي شخصية فنية عالمية تقف على قدم المساواة  مع شخصية المواطن المطحون التي خلقها تشارلي شابلن، ومع شخصة اليهودي " شيلوك " الذي صوره شكسبير، وغيره من الشخصيات التي تجسد علامة وفكرة بحد ذاتها.
 
تتجدد يوميا أحزان حنظلة، ودموعه، وصبره، وشجاعته، ذلك الصغير الضئيل حافي القدمين الذي أدار ظهره للعالم كله وبقي وحده هناك في غزة. أما الرسام العبقري ناجي العلي فقد اغتالته إسرائيل في 30 أغسطس عام 1987 في لندن وقد تجاوز الخمسين عاما بقليل.
 
قبل اغتيال العلي كان له كاريكاتير يصور دبابة كاملة مصنوعة من الأحجار، أراد أن يقول بالصورة إن أحجار الانتفاضات هي سلاح الشعب الفلسطيني ودبابته ومدافعه.
 
ومع المخططات الجديدة التي تطل بها أمريكا وإسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني مازال حنظلة يجتاز الموت كل يوم نحو المدرسة، ويعلو فوق كل الطائرات، ويبقى حيا بين كل القنابل، حنظلة الذي لا يموت، ومعه نحو مليون تلميذ وطالب فلسطيني في الضفة الغربية وغزة يحلمون بالعلم والحرية في وطن مستقل، ويجتازون في سبيل ذلك كل يوم نقاط المراقبة والتفتيش والنيران حتى بعد أن صارت قوات الاحتلال تدمر كل المباني والمؤسسات التعليمية الفلسطينية، بل وصارت تتخذ من تلك المدارس مقرات اعتقال.
 
مازال حنظلة الذي لم نر وجهه إلي الآن، يحمل حقيبته، وأحلامه، ويمضغ أحزانه، وحده في غزة، لا يموت، يشق الطريق إلي العلم والمعرفة ويفتش وحيدا عن درب، يمضي من دون أن نرى وجهه، الذي نتخيله مترفعا شديد الإباء من شدة الظلم متشبثا بحلمه في الحرية والوطن رغم كل المخططات الدولية وحق الفيتو وتسليح الكيان بكل الأسلحة.
 
وسيبقى حنظلة حتى نرى وجهه ساعة النصر وهو يلتفت إلينا ضاحكا ملوحا بيده.