بقلم: هاني صبري – الخبير القانوني والمحامي بالنقض
نجحت وزارة الداخلية في كشف غموض واقعة اختفاء أسورة ذهبية أثرية نادرة من داخل المتحف المصري بالتحرير، حيث تبين من التحقيقات أن أخصائية ترميم بالمتحف هي من ارتكبت جريمة السرقة. وقد استغلت المتهمة وجودها في مقر عملها يوم 9 سبتمبر الجاري، وتمكنت بأسلوب المغافلة من الاستيلاء على الأسورة.
• اكتُشف اختفاء القطعة الأثرية يوم 13 سبتمبر من قبل وكيل المتحف وأحد خبراء الترميم.
• تواصلت المتهمة مع صاحب محل فضيات بمنطقة السيدة زينب، والذي باع الأسورة لمالك ورشة ذهب بالصاغة مقابل 180 ألف جنيه.
• قام مالك الورشة بدوره ببيعها لعامل بأحد مسابك الذهب بمبلغ 194 ألف جنيه، حيث أقدم الأخير على صهرها ودمجها بمصوغات أخرى، لتفقد قيمتها الأثرية والتاريخية التي لا تُقدَّر بثمن.
إن وقوع مثل هذه الجريمة داخل واحد من أهم متاحف العالم يثير الكثير من التساؤلات حول معايير الأمانة والرقابة داخل المتاحف، ويُلزمنا بضرورة تشديد الإجراءات الأمنية وتطبيق أنظمة رقابة أكثر صرامة، بما يضمن حماية كنوز مصر الأثرية من السرقة أو العبث، ويحول دون تكرار هذه الحوادث مستقبلاً.
مصر التي أكرمها الله بحضارة تمتد لآلاف السنين، وتضم ما يقارب ثلث آثار العالم، تتحمل أمام الإنسانية جمعاء مسؤولية جسيمة للحفاظ على هذا الإرث الفريد. إلا أن الواقع يشهد أن آثارنا تعرضت على مر العصور للسرقة والتهريب والإهمال، وهو ما يستوجب إعادة النظر في سبل حمايتها وتطوير آليات الحماية الجنائية بما يليق بقيمتها التاريخية والحضارية.
ومن الناحية القانونية، فإن الواقعة الماثلة تتوافر فيها الأركان الكاملة لجريمة سرقة أثر مملوك للدولة:
1. الركن المادي: تمثل في فعل السرقة الذي قامت به أخصائية الترميم، وما تبعه من سلسلة تصرفات غير مشروعة أدت إلى ضياع الأثر وصهره.
2. الركن المعنوي: توافر القصد الجنائي بوضوح، حيث كان لدى المتهمة علم كامل بأنها تختلس أثراً مملوكاً للدولة بنية تملكه، وهو ما يتأكد من قيامها ببيعه وإخفاء معالمه. كما أن باقي المتهمين كانوا على علم بطبيعة الشيء المتداول وأنه أثر مسروق.
وبموجب قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته بالقانون رقم 91 لسنة 2018، يواجه المتهمون عقوبات رادعة تصل إلى السجن المؤبد أو السجن المشدد، إلى جانب الغرامات المالية الضخمة، لما اقترفوه من جريمة خطيرة أضرت بالتراث الإنساني، وحَرمت الأجيال القادمة من كنز تاريخي لا يُعوض، كما حرمت الدولة والمجتمع من عائدات السياحة الأثرية المرتبطة به.
إن حماية آثار مصر ليست مسؤولية قانونية فحسب، بل هي واجب وطني وأمانة حضارية تستوجب التصدي بكل قوة لأي اعتداء عليها، حفاظاً على ميراث أجدادنا وصوناً لحق أبنائنا في التمتع بعظمة هذا الإرث الخالد.





