هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
تمر مصر بلحظة فارقة تستلزم وضوح الموقف ووحدة الكلمة. فالقضية الفلسطينية تواجه أخطر مراحلها، حيث يسعى الاحتلال الإسرائيلي لفرض التهجير القسري على أهل غزة، في جريمة مرفوضة دولياً وإنسانياً وفيها انتهاك سافر للقانون الدولي ، وتمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري.
وقد كان ولا يزال موقف الدولة المصرية واضحاً لا لبس فيه: رفض قاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، وهو موقفاً صلباً لا يعرف المواربة: ثابت لا يتزحزح، يصطف فيه القائد مع الحكومة مع الشعب، صفاً واحداً كالبنيان المرصوص.
لكن تصريحات وزير الأوقاف الأخيرة خرجت عن هذا الإجماع الوطني. فالمسؤول الحكومي لا يملك رفاهية إبداء رأي شخصي في قضايا سيادية تمس الأمن القومي، إذ إن كلماته محسوبة عليه وأي خروج عن الموقف الرسمي يفتح باب البلبلة في لحظة نحتاج فيها إلى تماسك الكلمة ووحدة الصف. فالوزير ليس مواطناً عادياً يتحدث في مجلس خاص، بل هو مسؤول رسمي يُفترض أن يكون لسان حال الدولة. وحين يتعارض قوله مع الموقف الوطني المعلن، تصبح المساءلة واجبة والإقالة ضرورة.
لذلك، فإن الإقالة ليست خياراً ثانوياً بل ضرورة وطنية. فالتهاون مع تصريحات تمثل تجاوزاً صريحاً للثوابت الوطنية يرسل رسالة خاطئة، بينما الحزم والمساءلة يثبتان أن مصر لا تسمح بالارتجال في قضايا مصيرية.
إن الإقالة ليست عقوبة فردية فحسب، بل هي رسالة وطنية إلى الداخل والخارج: مصر كلمتها واحدة، وموقفها واحد لا يتجزأ.
من هنا، فإنني أطالب الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، باتخاذ قرار عاجل وحاسم بإقالة وزير الأوقاف من منصبه، ليبقى الموقف المصري موحّداً قوياً لا تشوبه شائبة، وليكون ذلك عبرة لكل مسؤول يظن أنّ بإمكانه الاجتهاد في قضايا الأمن القومي أو تجاوز الخطوط الحمراء.
حين يتجاوز الوزير حدود الموقف الوطني.. الإقالة هي الحل فالكلمة هنا ليست رأياً شخصياً، بل التزاماً سيادياً، وهي أمانة تُحاسَب عليها القيادات كما يُحاسَب عليها المواطنون.
إنّ وحدة الخطاب السياسي والإعلامي للحكومة ليست ترفاً، بل هي ضرورة استراتيجية في لحظة فارقة تتعرض فيها مصر لضغوط ومحاولات مشبوهة للنيل من سيادتها ودورها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية. ولذا فإن محاسبة وزير الأوقاف وإقالته من منصبه ليست مجرد مطلب شخصي أو رأي سياسي، بل هي واجب وطني لتعزيز قوة الدولة وتماسكها أمام الرأي العام المحلي والدولي.
إنّ مصر وهي تواجه ضغوطاً دولية ومحاولات مكشوفة لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسري، لا تحتمل التناقض في التصريحات. والمطلوب الآن أن تظل كلمتها واحدة، صلبة كالجدار، لا يخرقها صوت نشاز ولا يضعفها خروج فردي. ولذا فإن إقالة وزير الأوقاف واجبة اليوم قبل الغد، حفاظاً على أمن مصر القومي، وتأكيداً على التزامها الثابت بالقضية الفلسطينية ورفض التهجير بكل أشكاله.
لقد كانت مصر – ولا تزال – المدافع الأول عن الحقوق الفلسطينية، وراعية جهود التهدئة والدعم الإنساني. لقد قدمت دماء أبنائها، ومساعداتها الإنسانية، ومبادراتها السياسية دعماً للشعب الفلسطيني، يقوم هذا الحل على أساس حل الدولتين وفقاً لقرارات الشرعية الدولية والقرارات ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.
وستظل مصر، كما عهدناها، السند والدرع، حاميةً لأمنها القومي، ووفية لقضية فلسطين، ثابتة على الحق مهما اشتدت الضغوط وتكاثرت التحديات.
ويجب على المجتمع الدولي دعم الموقف المصري ومنع تهجير الفلسطينيين وإنهاء الصراع وفقاً لقرارات الشرعية .





