محرر الاقباط متحدون
 
استقبل البابا لاوُن الرابع عشر اليوم مجلس شباب المتوسط والذي تأسس كمبادرة للقاء أساقفة ورؤساء مدن دول البحر المتوسط الذي عُقد من ٢٣ حتى ٢٧ شباط فبراير ٢٠٢٢ في فلورنسا. ورحب الأب الأقدس في بداية كلمته بالجميع معربا عن سعادته لاستقبالهم في الفاتيكان، في بيت القديس بطرس، يرافقهم الأمين العام لمجلس أساقفة إيطاليا. ثم قال لضيوفه الشباب إنهم يأتون من دول مختلفة، من لغات وثقافات متعددة، إلا أن هناك رغبة كبيرة تجمعهم ألا وهي التعايش السلمي بين الشعوب وخاصة تلك المطلة على البحر المتوسط. وأضاف أنهم يمنحون هذه الرغبة جسدا وروحا من خلال نشاطهم والكثير من المشاريع سواء في جماعاتهم أو على الصعيد الأوروبي، وذلك في حوار مع المؤسسات الكنسية والسياسية. ثم شكر البابا الشباب على ما يقومون به مشيرا إلى أنهم يُثْبتون كون الحوار ممكنا وأن الاختلافات هي مصدر ثراء وليست مبررا للتضاد، أن الآخر هو دائما أخ وليس أبدا غريبا أو، والأسوأ من هذا، عدوا.
 
وواصل قداسة البابا أن مجلس شباب المتوسط هو أحد ثمار مسيرة تأمل وروحانية أطلقها مجلس أساقفة إيطاليا في باري سنة ٢٠٢٠ ثم في فلورنسا سنة ٢٠٢٢، وأضاف أن الحدثين قد جمعا أساقفة بعض دول المتوسط انطلاقا من الوعي بأن هذا البحر يمكنه ويجب أن يكون فسحة لقاء وتقاطع أخوّة، مهد حياة لا مقبرة للموتى. وأعرب قداسة البابا عن رجائه أن تتواصل هذه الخبرات التي أطلقتها الكنيسة في إيطاليا كعلامات رجاء. ثم ذكَّر الأب الأقدس بالمكرَّم جورجو لا بيرا، السياسي الإيطالي الذي انطلق من فكره لقاءا باري وفلورنسا، فقال إنه كان مقتنعا بأن السلام في المتوسط يشكل بداية وأساس السلام بين جميع بلدان العالم. وأضاف البابا أن هذه الرؤية تحتفظ اليوم بكل قوتها وطابعها النبوي في زمن تمزقه النزاعات والعنف الغلبة فيه لسباق التسلح ومنطق الهيمنة وذلك على القانون الدولي والخير المشترك. ولكن علينا ألا نيأس وألا نستسلم، قال البابا، ويمكنكم أنتم الشباب بأحلامكم وإبداعكم أن تقدموا إسهاما أساسيا، اليوم لا غدا، وذلك لأنكم حاضر الرجاء.
 
وواصل البابا لاوُن الرابع عشر قائلا لضيوفه إن مجلسهم هو مشروع وعلامة في الوقت ذاته. فالمشروع، والذي كلف به البابا فرنسيس كنائس المتوسط، هو وكما قال البابا فرنسيس إعادة بناء الروابط التي تفكّكت، وإنشاء المدن التي دمّرها العنف، وإقامة حديقة مزهرة حيث توجد أراضٍ قاحلة اليوم، وإعادة الرجاء إلى من فقده، وحث المنغلقين على أنفسهم على عدم الخوف من إخوتهم وأخواتهم. أما العلامة، حسبما واصل البابا لاوُن الرابع عشر، فهي أنتم أنفسكم، إنها علامة جيل لا يقبل بدون نقد ما يحدث، لا يُبعد أنظاره أو ينتظر الآخرين بل يأخذ هو الخطوة الأولى. وقال قداسته للشباب إنهم يمثلون جيلا يتخيل مستقبلا أفضل ويختار المساعدة في بنائه، وأضاف: أنتم علامة عالم لا يستسلم للمبالاة بل يشمر عن ساعديه للعمل من أجل تحويل الشر إلى خير.
 
ثم تحدث قداسة البابا عن السلام فقال إنه على طاولات الزعماء الدوليين وهو موضوع نقاشات عالمية، ولكن ومع الأسف غالبا ما يُختزل إلى مجرد شعار. وتابع أن ما نحتاج إليه هو إنماء السلام في قلوبنا وفي علاقاتنا وجعله يزهر في أفعالنا اليومية، العمل من أجل المصالحة في بيوتنا وجماعاتنا ومدارسنا وأماكن العمل، في الكنيسة وبين الكنائس. وذكَّر البابا بكلمات يسوع: "طوبى للساعين إلى السلام لإنهم أبناءَ الله يُدعون" (متى ٥، ٩). وواصل الأب الأقدس أنه ليس من السهل أن نكون ساعين على السلام، فهذا يخرحنا من مساحات راحتنا المؤلَّفة من الالتهاء واللامبالاة، كما وأنه يواجَه مِن قِبل مَن لديهم مصالح في استمرار النزاعات.
 
دعا قداسة البابا بعد ذلك الشباب إلى أن يواصلوا كونهم علامات رجاء، الرجاء الذي لا يخيِّب والمتجذر في محبة المسيح. وأضاف أن الكون علامات للمسيح يعني أن نكون شهودا له وأن نعلن إنجيله في حوض هذا البحر الذي انطلق من ضفافه التلاميذ الأوائل. وأضاف البابا أن المستقبل بالنسبة للمؤمنين ليس مستقبل جدران وأسلاك شائكة بل قبول متبادل، ومن هذا المنطلق فإن الإرث الروحي للتقاليد الدينية الكبيرة التي وُلدت في المتوسط يمكنه أن يواصل كونه خميرة حية في المنطقة وما وراءها، ينبوع سلام، انفتاح على الآخر، أخوّة وعناية بالخليقة. وتابع البابا لاوُن الرابع عشر أن هذه الأديان قد تم ولا يزال في بعض الحالات استغلالها لتبرير العنف والنزاعات المسلحة وشدد أن علينا نبذ كل أشكال التجديف التي تهين اسم الله وأن نفعل هذا من خلال أسلوب عيش حياتنا. وأضاف البابا أننا مدعوون، وإلى جانب الأفعال، إلى تعزيز الصلاة والروحانية كينبوع سلام ونقاط تلاقي بين التقاليد والثقافات.
 
لا تخافوا! قال البابا لاوًن الرابع عشر للشباب في ختام كلمته، كونوا بذور سلام حيثما تكبر بذور الكراهية والضغينة، كونوا نساجي وحدة حيثما يغلب الاستقطاب والعداوة، كونوا صوت مَن لا صوت له للمطالبة بالعدالة والكرامة، كونوا نورا وملحا حيثما يطفَأ شعلة الإيمان وحس الحياة، لا تيأسوا إن لم يفهمكم البعض. وذكَّر قداسته هنا بحديث القديس شارل دو فوكو عن أن الله يستفيد حتى من الرياح المعاكسة ليقودنا إلى المرفأ. ثم ختم البابا مشجعا ضيوفه على السير قدما بخبرة مجلس شباب المتوسط، وتضرع كي يباركهم الرب وتحرسهم مريم العذراء سلطانة السلام.