شارل فؤاد المصري يكتب عن : جمال البنا .. المفكر المثير للجدل
ما اصعب ان تكتب عن مفكر مثير للجدل بحجم جمال البنا لانك عندما تتكلم عن جمال البنا، ذلك المفكر الإسلامى المرموق لا تستطيع ان تلخصه او تختصره في مقال محدودة عدد كلماته .

جمال البنا الذي توفي عن عمر ناهز 93 عاماً، بعد معاناة مع المرض يعتبر المفكر الإسلامي صاحب الكتابات الجدلية في القضايا الإسلامية .

هو من مواليد 1920، والشقيق الأصغر لحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين- الارهابية  - ولكن فكره يختلف كلياً مع فكر هذه الجماعة.

جمال البنا الذي تجاوزت مؤلفاته و ترجماته الـ150 كتاباً عمل محاضرًا في الجامعة العمالية والمعاهد المتخصصة منذ سنة 1963، وحتى سنة 1993 و خبيراً بمنظمة العمل العربية.

التقيته كثيرا جدا في مكتبه الذي يحوي مكتبة ضخمة لا مثيل لها وصادقته لسنوات .

كان لجمال البنا العديد من الآراء الفقهية التي يعتبرها بعض العلماء مخالفة؛ فهو يرى أن المرأة أحق بالإمامة من الرجال إذا كانت أعلم بالقرآن كما يرى أن الحجاب ليس فرضاً على المرأة.

اذكر انه قال لي في حوار منشور ان" مصر مش ناقصها دين ..مصر ناقصها علم".

وان حزب «الحرية والعدالة» هو حزب يستهدف السلطة، ومن يقل غير ذلك فهو مخادع .

جمال البنا المثير للجدل دائما كان يري ان الحزب السياسي ذو المرجعية الدينية ستكون مرجعيته الدينية على حساب الدولة المدنية.

ولأن الدين -- كما يقول - ليس مرجعية لكل شىء تقوم عليه الدولة، فالبحث العلمى والرياضة والهندسة مثلا لا علاقة لها بالدين، ومع هذا فإنها من كبرى مرجعيات الدولة مثلها مثل الفنون والآداب.

 وفي كل مرة التقيه ونتناقش يؤكد علي ثوابت فكره وهي ان المرجعية الدينية هى كارثة بمعنى الكلمة، وهى التخلف وإعمال النقل وإهمال العقل .

وهى القضاء على الحرية والفنون والآداب، لأن الدين بهذه الطريقة ليس هو بالضرورة ما جاء به القرآن أو ما طبقه الرسول، ولكنه فهم الأسلاف للقرآن ولتطبيق الرسول وهو فهم تم فى عصور مغلقة كانت وسيلة الثقافة هى الكتاب المنسوخ باليد، وكان الحكم استبداديًا، وهم بعد كل شىء ومهما كانت عبقريتهم بشر فيهم نقص وقصور البشر، فالأخذ بكلامهم لن يقدمنا إلى الأمام ولكن سيؤخرنا إلى الخلف، كما يلحظ أن كلام الأئمة متعدد، ومتناقض، والأحكام تقبل الأمر وضده .

كان جمال البنا شقيق مؤسس جماعة الاخوان الإرهابية يري وقتها ان استعلاء الإخوان وصل الي ذروته وقت ان كانوا في الحكم .. اذكر انه قال لي بالحرف الواحد : انظر إلى الدكتور سعد الكتاتنى، أو الأستاذ صبحى صالح، وهما يتكلمان وتأمل وجه كل واحد منهما، فهما يبتسمان فيما يشبه الرثاء وكأنهما يقولان لنا «انتم مش عارفين حاجة، ومفيش غير الإخوان فى الساحة»، وهذه طريقة لا تليق أبدًا، ولا تصب فى مصلحة الوطن الذى يحتاج إلى حوار لين وهادئ واستشهد بالاية الكريمة :«وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.

جمال البنا كان  يرى أن الحل هو تطبيق الديمقراطية وأنه مع فصل الدين عن الدولة 
كان جمال البنا المفكر المثير للجدل يعارض الاصوات التي تطالب بتطبيق النظام التركي تلذي روجوا له  بعد 25 ويناير وكان يري انه من الصعب أخذ نموذج سياسى لتطبيقه فى دول أخرى.. وان النموذج التركى لا يصلح للتطبيق فى مصر، لأن الأوضاع مختلفة، و اننا لسنا فى حاجة لتقليد تركيا لأن مصر لها التجربة الخاصة بها وهى المرحلة الليبرالية من سنة 1919 وحتى عام 1952 ورغم عيوبها كانت ناجحة وكل أمجاد مصر تحققت فى هذا العهد، فى كل المجالات من إنشاء الجامعة المصرية وظهور قامات فكرية وفنية مثل توفيق الحكيم وطه حسين والعقاد وأم كلثوم، حتى أصبحت مصر واحة الحرية للعالم العربى، وكان لها التأثير الأكبر فى الشرق، وهى المحطة الأساسية لكل من يأتى من الغرب ومن أنحاء العالم المختلفة.

وليس من المفارقة أنها الحقبة التى سمحت بظهور الإخوان والوصول إلى الانتشار.

لايعترف جمال البنا بانه توجد دولة دينية أو حكم دينى لان الدين هداية، أما الحكم فهو ممارسة، فهناك اختلاف فى الطبائع، فضلاً عن الاختلاف فى الوسائل والأهداف، فالدين يستهدف الهداية ويتجه إلى الفرد ويُعنى بالقلب ويحرص على الإيمان والرضا النفسى، أما الدولة فهى ممارسة عملية بوسيلتين القهر أو الإرشاد، وهى تستهدف النظم وليس الأفراد، ولم يحدث حكم دينى فى العالم بأسره ونجح

رحم الله جمال البنا المفكر المثير للجدل
كاتب وصحفي وباحث في السياسة الدولية