محرر الأقباط متحدون
أصدر نيافة المطران دميانوس، رئيس أساقفة سيناء وفاران ورائثو ورئيس دير القديسة كاترين بجبل سيناء المعزول، بيانًا رسميًا في الرابع من سبتمبر 2025 – في عيد النبي موسى – أعلن فيه عن بدء إجراءات خلافته، مؤكدًا أنّ هذه الخطوة تأتي بالتنسيق مع البطريركية المسكونية وكنيسة اليونان، وبعلم الحكومة اليونانية.
وقال المطران في بيانه:
«لقد أبلغتُ البارحة الحكومة اليونانية بقراراتي، وهي تأتي في إطار ما سبق أن ناقشته مع البطريركية المسكونية وكنيسة اليونان… آن الأوان أن أتحمّل مسؤوليتي كاملة، وأن أضمن انطلاق إجراءات الخلافة، وهي تبدأ فورًا، وينبغي أن تُستكمل سريعًا ولكن بشكل سليم، لكي تتمكّن الجماعة السيناوية، موحّدة الصفوف، من التفرّغ لحلّ التحديات الكبرى التي تواجهها».
النقاط الرئيسية في البيان
شدّد المطران على أنّ القرار القضائي الصادر في 28 مايو 2025 في الإسماعيلية يمثّل تهديدًا وجوديًا للدير، معتبرًا أنّه يفتح الباب لتحويله إلى "متحف منزوع القداسة".
أعلن أنّ الحلّ يجب أن يقوم على تعاون ثلاثي: السلطات المصرية، الحكومة اليونانية، وكنيسة اليونان.
▫️طالب بالاعتراف القانوني بالدير تحت مسمّى "الدير الملكي اليوناني الأرثوذكسي المستقل للقديسة كاترين بجبل سيناء المقدّس"، وبمنح الجنسية المصرية لرئيس الأساقفة القائم، وتأمين إقامة للرهبان، وحماية المقتنيات والمخطوطات.
▫️أكّد أنّ القانون اليوناني الجديد (5224/2025) يضمن مستقبل الدير ويعزّز علاقته باليونان كضامن تاريخي.
▫️جدّد تمسّكه بالوضع الكنسي المستقل للدير منذ عام 1782، رافضًا أي تبعية لأي بطريركية، ومذكّرًا بدور البطريرك المسكوني كمرجع أعلى.
أشار إلى أنّ أول من دعم الدير بعد الأزمة كانوا: البطريركية المسكونية، بطريركية بلغاريا، كنيسة اليونان، وكنيسة قبرص، تبعتهم بطريركيات أنطاكية وصربيا وألبانيا، بينما اعتبر صمت بطريرك الإسكندرية «موافقة ضمنية»، وانتقد صمت بقية الكنائس الأرثوذكسية، خصوصًا موقف بطريركية القدس التي وصف بيانها بأنّه «تكريس لسياسة توسعية».
ختم بقوله:
«لقد آن الأوان أن أضمن بدء عملية الخلافة… وستُعلن التفاصيل قريبًا بعد التشاور مع الجميع، وبدعم السلطات المصرية، والحكومة اليونانية، وكنيسة اليونان. أُسامح الجميع وأطلب من الجميع مسامحتي».
قراءة تحليلية
يحمل بيان المطران دميانوس المعزول ملامح رؤية شاملة لمستقبل الدير، لكنّه في الوقت نفسه يكشف عن خلط بين الأبعاد القانونية والسياسية والكنسية. فبينما يطرح حلولًا عملية لحماية الوضع القانوني للدير ومقتنياته، إلا أنّه يتجاوز ذلك إلى انتقادات مباشرة وصريحة لعدد من البطريركيات الأرثوذكسية، بما ينذر بتحويل أزمة دير القديسة كاترين إلى ملف انشقاق كنسي أوسع.
▫️البُعد القانوني: يضع المطران الخطر الأكبر في الحكم القضائي المصري، معتبرًا أنّه يهدد الكيان الروحي للدير. هنا يظهر خطابه متماسكًا، خاصة بدعوته إلى تعاون مع الدولة المصرية والحكومة اليونانية.
▫️البُعد الكنسي: تأكيده استقلالية الدير منذ 1782 يستند إلى مرجعيات تاريخية صحيحة، غير أنّه يوظّفها لرفض أي وصاية، لا سيّما من بطريركية أورشليم.
▫️البُعد السياسي: يربط مستقبل الدير بموقف اليونان، ويستبعد أي دور غيرها من القوى الأرثوذكسية، وهو ما يعكس نظرة ضيقة قد تُدخل الدير في تجاذبات قومية لا كنسية فقط.
قراءة نقدية للتصريحات
١. خلط الأوراق
المطران دميانوس لم يكتفِ بتناول جوهر الأزمة التي يمر بها دير القديسة كاترين، والمتمثّل في التحديات القانونية داخل مصر، بل عمد إلى إقحام الخلافات الكنسية بين البطريركيات الأرثوذكسية في صلب البيان. هذا الخلط بين القضائي والكنسي يجعل الدير مهدّدًا بأن يتحوّل من قضية حقوقية ـ يمكن متابعتها عبر القنوات القانونية والدبلوماسية ـ إلى ملف صراع كنسي واسع يتجاوز حدوده الطبيعية. إنّ إدخال الخلافات التاريخية بين الكراسي الأرثوذكسية في مسألة تخصّ ملكية الدير وحصانته القانونية، يعرّض هذا الصرح العالمي لخطر الانزلاق نحو مواجهة لا تمتّ إلى جوهر أزمته بصلة.
٢. الانتقادات المباشرة للبطريركيات
الخطاب الذي تبنّاه المطران تضمّن انتقادات صريحة ومباشرة لعدد من البطريركيات الأرثوذكسية. فبينما اتّهم بطريركية أورشليم بما وصفه "توسعية إمبريالية"، أشار إلى صمت بطريركيات أخرى مثل الإسكندرية، موسكو، وسواها، معتبراً إياه موقفًا سلبيًا من الأزمة. مثل هذا النهج لا يخدم وحدة الصف الأرثوذكسي بقدر ما يفتح بابًا لمزيد من الانقسام. فالكنيسة الجامعة مدعوّة اليوم إلى بناء جبهة كنسية موحّدة لحماية الدير والحفاظ على مكانته التاريخية والروحية، لا إلى تبادل الاتهامات أو إحياء حساسيات قديمة. إنّ تحويل الخلافات الكنسية الداخلية إلى جزء من خطاب الدفاع عن الدير يُضعف الموقف الأرثوذكسي بدل أن يعزّزه، ويجعل من الأزمة الروحية والقانونية ذريعة لانقسام جديد في الجسد الكنسي.
٣. مخاطر سياسية:
تكمن خطورة خطاب المطران دميانوس في ربطه مستقبل دير سيناء بجهة قومية محدّدة، وكأنّ مصير الدير مرتبط حصريًا بعلاقة مع دولة واحدة أو بمظلة قومية بعينها و تسييس الدير وتحويله إلى ورقة ضمن لعبة النفوذ السياسي يجرّده من طابعه الكنسي الجامع، ويحوّله إلى رهينة لتوازنات خارجية متقلّبة.
بالإضافة الي ذلك الخطر الأكبر لا يكمن في الأحكام القضائية وحدها، فهذه يمكن معالجتها بالطرق القانونية والدبلوماسية، بل يكمن في محاولة إدخال الدير في دوامة الاصطفافات السياسية والانقسامات الكنسية. فدير القديسة كاترين ليس مجرّد ملف قضائي أو نزاع إداري، بل هو إرث روحي مسكوني يحمل شهادة حيّة للمسيحية الجامعة عبر القرون. وإنّ تحويله إلى ساحة صراع أو ورقة تفاوضية من شأنه أن يجرّد الدير من قدسيته، ويحوّله إلى رمز انقسام بدل أن يبقى منارة وحدة وتلاقي بين الكنائس والشعوب.
٤. الحلّ الكنسي:
إنّ أزمة دير القديسة كاترين، على خطورتها، ليست مسألة تخصّ كنيسة محلية بعينها، ولا ينبغي أن تتحوّل إلى مادة صراع بين الكراسي الأرثوذكسية. فالحلّ الحقيقي يجب أن يُبنى على مبدأ الشركة الأرثوذكسية الجامعة، حيث تُطرح القضية أمام جميع البطريركيات والكنائس الأرثوذكسية المستقلة بروح التعاون، بعيدًا عن النزعة الانعزالية أو الاستئثار بالقرار.
إنّ المرجعية التاريخية والقانونية لاستقلالية الدير لا تتعارض مع مبدأ الشراكة الأخوية، بل على العكس، تستدعي أن تُصان كرامته القانونية والروحية عبر دعم جماعي من كل الكنائس الأرثوذكسية. وهذا يعني أنّ التوافق الكنسي الشامل هو الطريق الأمثل لحماية الدير من محاولات التشويه أو التدخل الخارجي، ولضمان أن يبقى شاهدًا حيًّا للتراث المسيحي المشترك، لا ساحة نزاع بين الكراسي.
البيان يُظهر جدّية المطران دميانوس في ترتيب خلافته وضمان مستقبل دير القديسة كاترين، لكنّ لغته التصادمية مع بطريركيات شقيقة، وإصراره على حصر الضمانة في اليونان وحدها، يفتح الباب أمام توتّرات مسكونية جديدة. المطلوب اليوم هو معالجة الملف بروح الوحدة الأرثوذكسية الجامعة، بعيدًا عن الاصطفافات القومية أو الانشقاقات الكنسية.