بقلم الأب يسطس الأورشليمى
الترجمة المحبُوبة للكتاب المُقدس :
   حدث ان وقف أربعة خدام للكلمة أمريكيُون يتشاورُون، أية ترجمة للكتاب المُقدس يفضلُونها ؟! قال أحدهُم: إني أفضل ترجمة King James، لأن للغة الإنجليزية القديمة طابعها الجميل، وهي تُقدم صُورة وقُورة تقية حية للكتاب المُقدس، وقال آخر: إني أفضل New American Standard Bible، فإنني أشعر أنها قريبة جداً للنصين اليُوناني والعبري، وقال ثالث: إنني أفضل: Living Bible لأني أخدم بين الشباب، وهُم يحبُونها لأنها عملية في الحياة، أنتظر الثلاثة خدام زميلهُم الرابع ليبدي رأيه، لكنه وقف صامتاً وأخيراً قال لهُم: إذ نحنُ نتحدث عن الترجمات، فأنني أحب وأفضل ترجمة والدي، لأنه ترجم" الكتاب المُقدس" عملياً في حياته وكُل تصرفاته، وإني مُقتنع بهذه الترجمة التي لمستها بنفسي فيه..
 
حقاً ما أحُوجنا إلى ترجمة آبائنا الذين ترجمُوا كلمة الله في عبادتهُم الخاصة والعامة، وفي سلُوكهُم الخارجي، ومشاعرهُم الداخلية، لنعد إلى كتابات الآباء، ولنتلامس مع تاريخ حياتهُم، وننظر إلى نهاية سيرتهُم ونتمثل بإيمانهُم (عب7:13)، فنقرأ إنجيلاً مفتُوحاً يمس كياننا، ويلهب قلُوبنا بالحُب إن ما يشُوه الكتاب هُو: العثرة في حياة بعض المسيحيين الذين يتمسكُون ويحتفظُون به ويزينُونه، وقد يفسرُونه، لكنهُم ينكرُونه بسلُوكهُم الخارجي فالمسيحي الفاسد في حياته أخطر من المُلحد المقاُوم للكلمة..
 
يقرأ" الكتاب المُقدس" بلسانه !!
أصيب رجل في أحد أحياء مدينة " كنساس" بأمريكا في انفجار، ففقد فيه يديه وأصيب وجهه بجراحات خطيرة وفقد عينيه، ولم يكن قادراً على القراءة، ووسط مرارة نفسه اشتاق أن يقرأ "الكتاب المُقدس"، قيل له إنه تُوجد سيدة في إنجلترا تستمتع بقراءة الكتاب المُقدس بواسطة شفتيها، إذ تستخدمها بدلاً من الأصابع لتقرأ بالحرُوف البارزة Braille ، أرسل إلى هيئة الكتاب، لكي تُرسل له الكتاب المُقدس البارز ليتعلم القراءة بشفتيه، لكن قبل أن يصل إليه الكتاب أكتشف أن أعصاب شفتيه قد فقدت بالكامل، وإذ وصله الكتاب المكتُوب بحرُوف بارزة، بدأ يتعلم القراءة بلمس الكتاب بلسانه، وكان يجد عذوبة في قراءته، وفي تعليق له يقُول: لقد قرأت" الكتاب المُقدس" كله أربع مرات، وقرأت بعض الأسفار المُقدسة مرات ومرات..
 
هكذا تحُولت ضيقة هذا الإنسان إلى خبرة التمتع بكلمة الله، التي تهب النفس عذُوبة وتعزية، إنه سيديننا لأنه تعلم أن يقرأ "الكتاب المُقدس" بلسانه بعد أن فقد كُل من يديه، وعينيه، وأعصاب شفتيه، فأي عذر لنا ؟!
 
هب لي يارّب أن أختبر عذُوبة كلمتك، لأقرأها بكُل كياني، وأختبر قُوة كلمتك، فأحيا بها وأتمتع بمُواعيدك، وانطلق إلى الأحضان الإلهية..
لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كُل سيفٍ ذي حدّين، وخارقة إلى مفرق النفس، والرُوح، والمفاصل، والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته..
 
لأتمم إرادة الله بشكر !!      
التهب قلب خادم بالشُوق نحُو السيد المسيح، وأحب خدمته وكرّس كُل وقته لخلاص كُل مَن يلتقي به، وكان مُلتهباً بالرُوح وهُو يُتمم عمل الله بكُل جدية وإخلاص، لكنه أصيب بمرض خطير ألزمه الفراش، فجاء إليه أحد الأصدقاء يقُول له: كُنت تعمل عمل الرّب بغيرة عظيمة، فلماذا سمح الله لك بالمرض؟! قال الخادم في بشاشة وسلام: كُنت أعمل عمل الرّب الذي لا أستحقه، والآن أتمم إرادة الله وهذا أعظم، لذا فإنني أسبحه وأشكره..
حقاً إن الخدمة هي عمل الرّب العظيم، لكن التسليم بين يدي الرّب بشكر أعظم في عيني خدامه الأمناء، لقد كان هذا واضحاً في حياة أبينا المحبُوب " بيشوي كامل"، الذي خدم باحتماله المرض بشكر أعظم بكثير مما خدمه كُل أيام حياته، لازالت صُورته الشاكرة أثناء مرضه تُعزي الكثيرين خاصة من مرضى السرطان، فاستلم حياتي بالكامل يارّب، وكن أنت مركزها، تدعوني باسمي، وتحملني، وتقودني إليك..
 
سُئل رجل ناجح عن سرّ نجاحه في الحياة، فقال: لقد تربيت على ركبتي أم تقية، وعبرت حياتي خلال ركبتي أب حازم مُثابر، فهب لي جيلاً من الأمهات المسيحيات التقيات، وأنا أغيّر وجه المجتمع في اثني عشر شهراً !! 
 
انتزعت كُل المسامير، ولكن !!
قدم الأب لابنه، صُورة كبيرة جميلة للسيد المسيح المصلُوب، ومعها علبة مسامير رفيعة وهُو يقُول له: في كُل مرة تخطيء ثبت مسماراً وعندما لا تخطيء أنزع مسماراً، وبهذا تكتشف ضعفك كما تُدرك مراحم الله وحُبه العجيب لك، بدأ الابن يفعل ذلك باهتمام، وفي نهاية الشهر جلس ليرى فُوجد الصورة امتلأت بالمسامير، بكى وقدم تُوبة صادقة للرّب حتى يسنده بنعمته ويلهب قلبه ويُعضده في كُل عمل صالح، شعر الأب بتغيير واضح في حياة ابنه، وبعد فترة دخل حجرته فُوجد مسماراً واحداً في الصُورة، تهلّل قلب الأب واحتضن ابنه وهُو يقُول له: لتسندك نعمة الله يا ابني، لكن الابن انهار في بكاء بمرارة شديدة، دُهش الأب وتعجب لذلك، وقال: لماذا تبكي هكذا يا ابني، فإن مسيحنا مُخلّص النفُوس، وغافر الخطايا، ويفرح بالتائبين؟!
 
قال الابن: أنا أعلم هذا يا أبي، لكن لقد انتزعت كُل المسامير من الصُورة وبقيت آثارها عليها، إنه يغفر خطاياي، لكن آثار الجراحات بقيت في جسده حتى بعد القيامة من الأمُوات !!
 
 لقد صلبت مُخلّصي بإهمالي زماناً هذا مقداره، أنتُم الذين أمام عيُونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكُم مصلُوباً !! وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب رّبنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم، أنظر (غلا1:3؛ 14:6)..
 
لا تدخلني في تجربة !!
في جُو من اللطف والمداعبة، أراد أن يكتشف المُدرس: مَن هُو التلميذ الذي يمكنه أن يثق فيه، فسأل تلاميذه: لُو أنكُم وجدتُم كيساً به قطعة نادرة وثمينة من الماس، ماذا تفعلُون؟! قال أحدهُم: إني أبحث عن صاحب الكيس لأرد له ماله، صمت المُعلم قليلاً، وقال في داخله: إنه مُتسرع في كلماته لكني أشك في قلبه، أما الثاني فقال: أنا أحتفظ بالكيس حتى إذا جاء صاحبه أرده إليه، أما إن لم يأتِ فهُو من حقي، قال المُعلم في نفسه: إنه أمين في كلماته، لكن خبيث في قلبه، أما الثالث فقال: إني أصلي إلى الله ألا يُدخلني في تجربة، حتى لا يخدعني قلبي، وأشتهي ما ليس لي، عندئذٍ أدرك المُعلم أن هذا التلميذ أمين في كلماته، وأمين في قلبه وإيمانه (مت21:25)..
 
إلهي لا تدخلني في تجربة، بل أحفظني فأنت تعرف ضعفي وعجزي ولا تسمح لي بفرصة تميل بقلبي إلى الضعف، لتكن حصن حياتي وملجأي أحفظ قلبي وكُل حواسي، إني أعجب ممن يتجاهلُون وجُودك ويريدُون أن يرُوك فيُؤمنُوا بك، أراك في كُل يُوم تُعلن ذاتك لي، فأنت قائد حياتي تقُودها برُوحك القدُوس الناري، أنت الحكمة وُواهب الفهم، والطريق والحقّ والحياة، حقاً يا لعمق غنى الله وعلمه!! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء!! لأن مَن عرف فكر الرّب، أو مَن صار مُشيراً؟! أو مَن سبق فأعطاه فيُكافأ ؟!