القمص يوحنا نصيف
    + سِفر نشيد الأناشيد هو أنشودة حُب تتغنّى بها الكنيسة والنفس البشريّة، للعريس السماوي والعُرس الإلهي المُفرِح من خلال الرموز.

    + كتبه سليمان الملك في القرن العاشر قبل الميلاد بوحي الروح القدس.

    + كان ضِمن الأسفار التي جمعها عزرا الكاتب في القرن الخامس قبل الميلاد، وضِمن الأسفار التي تُرجِمَت لليونانيّة (الترجمة السبعينيّة) في القرن الثالث قبل الميلاد، وأكّد قانونيّته مجمع جامينا اليهودي بدمشق عام 95 ميلاديّة.

    + كان يُقرَأ في اليوم الثامن لعيد الفِصح، إشارة إلى الأنشودة الأبديّة (فرقم 8 يشير للقيامة والحياة الجديدة الأُخروية).. وهو بذلك إشارة للشركة الأبديّة مع المسيح المُحِب المصلوب والقائم في اليوم الثامن.

    + فكرة "علاقة العريس بالعروس" هي من التشبيهات التي استخدمها الله كثيرًا في الكتاب المقدَّس للتعبير عن علاقته بنا.. إذ هو يعلم أن شركة الحياة الزوجيّة هي أعمق شركة في الحياة الإنسانيّة.. لذلك جاء هذا المعنى كثيرًا في أحاديث الله معنا ليعبِّر عن اشتياقاته لإقامة شركة حُب عميقة بيننا، كما في: (إش62: 4-5، إر2:2، حز16، هو2: 14-20، مت22: 2، مت25: 1-13، يو3: 19، رؤ19: 7، رؤ22: 17).

    + وأيضًا معلّمنا بولس الرسول كان يؤكِّد هذا المعنى دائمًا في خدمته الكرازيّة، فقال مثلاً: "خطبتكم لرجل واحد لأقدِّم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو11: 2).. كما تكلّم عن اتحاد المسيح بالكنيسة في (أف5) كنموذج للحياة الزوجيّة المقدّسة..!

    + في الحقيقة أن عِبارات السِّفر لا تنطبق على الحُب الجسداني (كأن نقول أنه يتحدّث عن سليمان وأمرأة فلاحة جميلة أو مِن الرعاة، أو ابنة فرعون...) فالسِّفر مملوء من الرموز، والكثير منها لا يصلُح أن يكون له معنى مباشِر أو جسداني. لنأخُذ ثلاثة أمثلة:

* المثال الأوّل:
    "ليقبّلني بقبلات فمه، لأن حبّك أطيب من الخمر" (نش1:1).. هنا الحديث عن شخصين.. أحدهما بضمير الغائب والثاني بضمير المُخاطَب.. فإذا أردنا تفسيرًا حرفيًّا سيصير الفهم عسيرًا، أمّا إذا استخدمنا التفسير الرمزي فسنفهم أن الحديث موجّه للابن الذي كشف لنا الحبّ الحقيقي، ومَن يدخل في شركة حبِّه يتمتّع بقبلات الآب..!

* المثال الثاني:
    "اسمك دهن مُهراق، لذلك أحبّتك العذارى.." (نش1: 2).. مَن هو الذي أحبّنا إلى المنتهى (يو13) وسكب للموت نفسه (إش53)، إلاّ ربنا يسوع صاحب اسم الخلاص الاسم الحلو المملوء مجدًا، الذي انسكبت محبته في قلوبنا بالروح القدس (رو5:5).. وإذا كانت العروس تفتخر بأن العذارى أحببنه، فأين الغيرة الطبيعيّة الموجودة عند النساء؟ إلاّ إذا كان المقصود تعبيرًا روحيًّا عن شخص المسيح الجذّاب، العريس الحقيقي لكلّ نفس..!

* المثال الثالث:
    "اجذبني وراءك فنجري" (نش1: 4).. هنا تظهر صيغتا المُفرد والجمع، لتؤكِّد استحالة أن يكون مستوى الحديث جسدانيًّا حرفيًّا.. فالعروس الجسديّة لا تحب ولا تقبل أن يشاركها أحد في زوجها، أمّا عروس النشيد فهي لا تكتفي بأن تتبع العريس وحدها، بل تريد أن تأتي بكثيرين معها ليتمتعوا معها بالعريس السماوي..!

* معاني روحيّة لقبلات الفم:
    + الله يقدّم لنا حبّه بشكل شخصي.. فيأسر قلوبنا بمحبّته.

    + لم يتمتّع الابن الضالّ بقبلات أبيه في الكورة البعيدة، بل فقط عندما رجع تائبًا ومرتميًا في أحضانه.

    + إذا كُنّا نطلب قبلات فمه، فيجب أن نسلّم نفوسنا بين يديه، بالوقوف أمامه في الصلاة، والجلوس في خلوات هادئة لسماع صوته في الإنجيل.. فإنّ كلماته لنا أحلى من العسل والشهد، وهي قبلات فمه اليوميّة لنا.

    + وأخيرًا من المهمّ أن نفهم أنّ التجسُّد الإلهي وكلّ ما تمّ فيه، من معموديّة وتعليم ومعجزات وصليب وقيامة وصعود، هو بمثابة قبلات فم الله لنا، أو لنَقُل كانت كلّ هذه هي "قُبلَة الحياة" للإنسان الميّت.. فقد تمّ في التجسُّد التلامس بيننا وبين الله؛ الذي اتّحد بطبيعتنا البشريّة، من أجل بَثّ الحياة فيها، وشفائها من ضعفاتها، ورفعِها إلى المجد.. فعندما صار الكلمة جسدًا وحلّ (سَكَنَ) فينا، قد صِرنا فيه خليقة جديدة (2كو5: 17)، ونلنا باتّحادنا به نعمة البنوّة لله الآب وميراث ملكوت السموات (رو8: 17، غل4: 4-7).

القمص يوحنا نصيف