د. ماجد عزت إسرائيل  

يقدّم الكتاب المقدس صورًا متباينة تكشف لنا حقيقة القلب البشري: قلب اللئيم المملوء شرًا وخداعًا، وقلب الكريم المفعم بالمحبة والعطاء. ومن خلال هذه القراءة نرى كيف يضع الوحي الإلهي أمامنا طريقين: طريق الهلاك الذي يسلكه اللئيم، وطريق الحياة الذي يسير فيه الكريم. فالكلمة المقدسة لا تكتفي بالكشف عن الشر، بل تدعونا إلى التغيير، لكي نكون شهودًا للمسيح في حياتنا اليومية، حاملين ثمار الكرم والمحبة لمجد اسمه. فاللئيم /هو/ لَئِيم: كلمة أصلها الاسم (لَئِيمٌ) في صورة مفرد مذكر، وجذرها (لءم) وجذعها (لءيم).
 
وهو الشخص الدنيء في أخلاقه، الفاقد للنبل والشرف، الذي يستخدم لسانه وأعماله في الشر، والكذب، والخداع. /لا يعرف الحق بل يتكلم بالافتراء، ويهلك البائسين بوسائل ملتوية./ وهو على النقيض من الكريم، الذي يُعطي بسخاء ويعمل بالاستقامة.
 
وقد عبر عنه الشاعر ابن الرومي في أحد قصائده قائلاً:«يا لئيم اللّئامَ لستُ مُريدا … لك لؤمًا بلؤمكَ الدهرَ قَيْضا».وقال شاعر آخر:«إذا نطق اللَّئيمُ فلا تجبْه … فخيرٌ مِن إجابتِه السُّكوتُ».
 
واللُّؤَمَةُ: مَن يحكي ما يصنع غيرُه. واللُّؤَمَةُ أيضًا كلُّ ما يَبخَلُ به الإِنسانُ لحُسْنه من متاع البيت ونحوه. واللُّؤَمَةُ جماعةُ أَداةِ المحراث.وهنا حكم في اللؤم واللئيم نذكر على سبيل المثال:«إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا». و«عليك بحرمان اللئيم، لعله إذا ذاق طعم المنع يسخو ويكرم».
 
و"اللئيم" في الكتاب المقدس ورد في سفر أشعياء قائلاً: "وَلاَ يُدْعَى اللَّئِيمُ بَعْدُ كَرِيمًا، وَلاَ الْمَاكِرُ يُقَالُ لَهُ نَبِيلٌ." (إش 32: 5). وأيضًا "لأَنَّ اللَّئِيمَ يَتَكَلَّمُ بِاللُّؤْمِ، وَقَلْبُهُ يَعْمَلُ إِثْمًا لِيَصْنَعَ نِفَاقًا، وَيَتَكَلَّمَ عَلَى الرَّبِّ بِافْتِرَاءٍ، وَيُفْرِغَ نَفْسَ الْجَائِعِ وَيَقْطَعَ شِرْبَ الْعَطْشَانِ." (إش 32: 6). وكذلك وأدوات الماكر ردية. هو يبتكر مشورات لإهلاك البائسين بأقوال الكذب، حتى إذا تكلم المسكين بالحق.
 
والنص الكتابي " وَالْمَاكِرُ آلاَتُهُ رَدِيئَةٌ. هُوَ يَتَآمَرُ بِالْخَبَائِثِ لِيُهْلِكَ الْبَائِسِينَ بِأَقْوَالِ الْكَذِبِ، حَتَّى فِي تَكَلُّمِ الْمِسْكِينِ بِالْحَقِّ." (إش 32: 7).إذًا، "اللئيم" في الكتاب المقدس ليس مجرد شخص فقير أو ضعيف، بل هو شخص منحط أخلاقيًا، يتصف بالغش والنفاق واستغلال الآخرين. بينما الكريم يثبت في الحق ويزرع العطاء.فالرسالة الإلهية واضحة: لا يُمكن أن يُخلط بين اللئيم والكريم، لأن حياتهما وثمارهما تكشف حقيقتهما أمام الله والناس.
 
  ويظهر"كلام لئيم" بمعنى قلب قاسٍ وأنانية تجاه الفقير كما ورد سفر التثنية قائلاً: "احْتَرِزْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَ قَلْبِكَ كَلاَمٌ لَئِيمٌ قَائِلًا: قَدْ قَرُبَتِ السَّنَةُ السَّابِعَةُ، سَنَةُ الإِبْرَاءِ، وَتَسُوءُ عَيْنُكَ بِأَخِيكَ الْفَقِيرِ وَلاَ تُعْطِيهِ، فَيَصْرُخَ عَلَيْكَ إِلَى الرَّبِّ فَتَكُونُ عَلَيْكَ خَطِيَّةٌ."(تث 15: 9).
 
كما وردت كلمة "لئيم" بمعني الشخص الشرير الكذاب في سفر الأمثال في قوله: "اَلرَّجُلُ اللَّئِيمُ، الرَّجُلُ الأَثِيمُ يَسْعَى بِاعْوِجَاجِ الْفَمِ." (أم 6: 12). وفي ذات السفر  وصف عملي لشخص "لئيم" يعيش في المكر وزرع الخصام. "يَغْمِزُ بِعَيْنَيْهِ. يَقُولُ بِرِجْلِهِ. يُشِيرُ بِأَصَابِعِهِ.فِي قَلْبِهِ أَكَاذِيبُ. يَخْتَرِعُ الشَّرَّ فِي كُلِّ حِينٍ. يَزْرَعُ خُصُومَاتٍ." (أم 6: 13- 14). و"يَقُولُونَ: «أَمْرٌ رَدِيءٌ قَدِ انْسَكَبَ عَلَيْهِ. حَيْثُ اضْطَجَعَ لاَ يَعُودُ يَقُومُ»."
 
(مز 41: 8).هذا المزمور يصف قول الأعداء عن شخص مريض بأن لديه مرضاً وخيماً ولا يستطيع النهوض منه. وفي صموئيل الول:"لاَ يَضَعَنَّ سَيِّدِي قَلْبَهُ عَلَى الرَّجُلِ اللَّئِيمِ هذَا، عَلَى نَابَالَ، لأَنَّ كَاسْمِهِ هكَذَا هُوَ. نَابَالُ اسْمُهُ وَالْحَمَاقَةُ عِنْدَهُ. وَأَنَا أَمَتَكَ لَمْ أَرَ غِلْمَانَ سَيِّدِي الَّذِينَ أَرْسَلْتَهُمْ." (1 صم 25: 25).
 
الخلاصة إن سفر أشعياء (إصحاح 32) هو النص الأشهر والأوضح في وصف "اللئيم" مقابل "الكريم". غير أن أسفارًا أخرى قدّمت صورًا إضافية للؤم: فقد صوّر سفر التثنية (15 :9) اللئيم كقاسي القلب تجاه الفقير، بينما وصفه سفر الأمثال (6 :12–14) بالشرير الكذّاب الماكر، وأشار المزمور (41 :8) إلى صاحب الكلام الرديء الذي يفتري على الأبرار. كما نجد في صموئيل الأول (25:25) صورة "اللئيم" في نابال الذي ارتبط اسمه بالحماقة. وعليه، ففكرة "اللؤم" في الكتاب المقدس ليست حكرًا على أشعياء وحده، بل جاءت أيضًا في التثنية والأمثال والمزامير وصموئيل الأول، لتكشف أبعادًا متعددة: قسوة القلب، الكذب، الحماقة، المكر، والاستهزاء بالحق.
 
  وفي العهد الجديد كلمة "اللئيم" لا تظهر بالنص بالشكل المباشر كما وردت في العهد القديم (خصوصًا إشعياء والأمثال).
 
ولكن نفس الفكرة موجودة بألفاظ أخرى في العديد من الآيات مثل: الأشرار، أبناء إبليس، الناس الأشرار، المعلمون الكذبة، فاعلو الشر،الأشرار والكسالى.
 
وقد ورد بإنجيل معلمنا متى "يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا بِالصَّالِحَاتِ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ؟ فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ." (مت 12: 34). فوصف الشرير هنا يقابل "اللئيم" في المعنى: قلب مملوء خبثًا.
 
وأيضًا"كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ. هذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الطَّرِيقِ." (مت 13: 19). فلفظ الشرير يشير إلى إبليس أو قمة اللؤم والخداع.وكذلك في قوله:"فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ.." (مت 25: 26). فوصف مباشر لشخصية "لئيمة" تهمل الأمانة وتخون الثقة. وعبر القديس مرس في إنجيله عن اللئيم في قوله:"لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ،"سِرْقَةٌ،طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ.
 
"(مر 7 :21-22)." هنا "الخبث" و"المكر" هما صور واضحة للؤم. وعبر القديس يوحنا قائلاً:"أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ." (يو 8: 44). فإبليس هو أصل اللؤم والخداع والكذب والقتل.
 
وفي رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية "مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلًا وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا،"نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ للهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ،" (رو 1: 29- 30).
 
وصف شامل لأعمال "اللؤم" بكل أشكالها. وأيضًا في رسالته لأهل أفسس "لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ." (أف 4: 31).. وفي رسالة بطرس الرسول الأولى، قال:"فَاطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ،" (1 بط 2: 1). فكلمة "خبث" تساوي كلمة "لؤم".
 
الخلاصة إن الكتاب المقدس يقدّم صورة متكاملة عن "اللئيم": ففي العهد القديم وردت الكلمة نصًا في التثنية والأمثال وإشعياء وصموئيل الأول، وارتبطت بالقسوة، الكذب، والمكر. أمّا في العهد الجديد، فجاءت بنفس المعنى لكن بألفاظ أخرى مثل: الشرير، والعبد الشرير، وأبناء إبليس، والخبث، والمكر. وهكذا يظهر "اللئيم" كتابيًا باعتباره شخصًا قاسي القلب، شريرًا، مخادعًا، وعدوًا للحق، يستغل الآخرين ويفتري على الله والناس. في المقابل، يدعونا الكتاب المقدس إلى أن نسلك طريق الكرم والاستقامة، لنكون شهودًا للمسيح وحاملين ثمار النعمة.
 
  واللؤم في الكتاب المقدس ليس مجرد صفة اجتماعية، بل انعكاس لقلب فاسد لا يعرف مخافة الله، يتكلم بالشر ويصنع المكر ويستغل ضعف الآخرين (أش 32: 6–7؛ 1 صم 25: 25). فهو نقيض الكريم الذي يزرع الخير ويثبت على الحق. ومن خلال هذه الصورة نتعلم أن الكلمات والأفعال تكشف حقيقة القلب، وأن المظاهر لا تستطيع أن تخفي خبث الداخل. فلذلك يحثنا الكتاب على حفظ قلوبنا: "فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجُ الْحَيَاةِ." (أم 4: 23).
 
أما المؤمن، فيُدعى أن يرفض كل سلوك لئيم ويسلك في كرم المسيح، الذي قدّم نفسه مثالًا للبذل والعطاء. فالمحبة الصادقة والحق هما السلاحان ضد اللؤم والخداع. ورسالة هذا التعليم لنا اليوم أن نكون أدوات للبنيان لا للهدم، وأن نصبر على الشرور بثقة أن الله هو العادل. وبالنعمة نصير "كريمين" في العطاء والنفس لمجد اسمه القدوس، فنرنم مع المزمور: "حِدْ عَنِ الشَّرِّ، وَاصْنَعِ الْخَيْرَ. اطْلُبِ السَّلاَمَةَ وَاسْعَ وَرَاءَهَا." (مز 34: 14)، ونصلي: "قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي." (مز 51: 10).